متحف متروبوليتان

ليست الشجاعة هي التي دفعت الفنان "السايبورغ" نيل هاربسون إلى تزويد جسمه بحاسة جديدة عبر "الأنتين" المثبت في رأسه، بل الحشرية كما أكد "وكذلك إصراره على توسيع الإدراك لديه. لم يستسلم الى فكرة عدم قدرته على رؤية الألوان، بسبب ولادته مصابًا بعمى الألوان، فقرر استخدام التكنولوجيا ليصغي الى الألوان من خلال التقنية التي تجعله يتلقى كل ألوان العالم عبر موجات تتحول الى موسيقى. هذا الشكل الجديد الذي قد يبدو غير مألوف للناس وسبب له الرفض الاجتماعي، جعله يميز المدن والناس وكل ما يحيطه من خلال الموسيقى".

وبدأ الفنان نيل هاربسون حديثه عن تجربة إضافة حاسة جديدة بالقول، "لم أكن أرى الألوان بسبب ولادتي مصابًا بعمى الألوان، ولكن عدم رؤيتي للألوان لم يدفعني الى إنكار وجودها، كما أني لم أسع الى تغيير الألوان التي أرى بها، وهي الأبيض والأسود والرمادي، فهي تمنحني القدرة على الرؤية بشكل أفضل في المساء، وكذلك تمييز الأحجام بشكل دقيق، ولكني أردت أن أمنح نفسي فرصة التعرف إلى الألوان بطريقة مختلفة". وأضاف، "كانت حياتي طبيعية جدًا قبل أن أقوم بتثبيت هذا (الأنتين) في رأسي، الذي مكنني من التعرف إلى الألوان بحاسة جديدة تمنحني الإحساس بالألوان عبر موجات مذبذبة، فالإحساس هو الهدف، ويكون من خلال موجة خاصة بكل لون".

ولفت هاربسون الى أنه خاض فترة تعلم الألوان من خلال الموجات في البداية، تمامًا كما يتعلم الطفل الألوان من خلال النظر، فلكل لون موجة معينة، وقد استغرقت وقتًا معه حتى تمكن من الإلمام بها، فهي بمثابة لغة متكاملة. وأوضح أنها في البداية كانت محيرة، مشددًا على أن دماغه رفض الحاسة بادئ الأمر، ولكنه قرر ألا يتخلى عنها ولا ينتزعها، الى أن تمكن دماغه من تقبلها بعد مرور خمسة أشهر من تثبيتها.

ويستخدم هاربسون الحاسة المبتكرة لديه في الفن، من خلال صياغة مؤلفات موسيقية تصدر عن الألوان، بالإضافة الى رسم الموسيقى، واعتبر أن ابتكار قطعة للجسد وحاسة جديدة هو عبارة عن عمل فني، فهو يصف جسده بكونه صار "عملًا فنيًا" مع اضافة هذه الحاسة.

وأردف قائلًا "ان الحاسة تنعكس على طريقة تلقي كل ما يحيطني، الذي دائمًا يترجم على شكل أعمال فنية، فهذا (الانتين) لا يصنفه الأطباء على انه طبي، بل هو فني بحت، ولهذا لم أعد اعيش بشكل منفصل عن الفن". وأشار الى وجود عمل فني، وهو عبارة عن نسخة مطبوعة لرأسه بشكل ثلاثي الأبعاد، على شكل منحوتة في متحف متروبوليتان في نيويورك، وتعرض المنحوتة هناك حتى نهاية نيسان/ابريل المقبل، ويمكن لزوار المعرض ملؤها بالألوان، ولكن حين يتم وضع الألوان في النسخة الثلاثية الأبعاد ومن خلال الانترنت الموجود في المنحوتة وفي رأسه، يتلقى الموجات اللونية التي استخدمت بشكل مباشر ويسمعها، وذلك لأنه يحمل داخل رأسه الإنترنت الذي يصله بالعالم كله.

أما خطورة تطوير حاسة جديدة كهذه، فنوه هاربسون الى أنها تتمثل في خطرين، الأول ألا يتقبل الدماغ الحاسة، وهذا ما واجهه في البداية، حيث كان هناك القليل من الرفض من الدماغ، والخطر الثاني يكمن في عدم تقبل الجسم لما سيوضع بداخله، الأمر الذي لم يواجه فيه أية صعوبات. في المقابل تبقى الأعباء الاجتماعية هي الوحيدة التي تسيطر على حياته، لأنه مازال الى اليوم يواجه بنظرة استغراب، كونه يحمل أجزاء إضافية مثبتة بالرأس. وشدّد على أن البعض يعتبره يحاول ابتكار نوع بشري جديد، كون البشر لا يملكون "أنتين"، موضحًا أنه بات يتعاطى مع ردود الأفعال بالتجاهل التام، فهو لا يعير نظرة الناس اهتمامًا، مؤكدًا أنه على المرء أن يحدد أولوياته في الحياة، وكان عليه ان يختار بين تطوير الإدراك لديه أو نظرة الناس، واختار تطوير الإدراك.

أما الفن فليس حديثًا في حياة هاربسون، فهو يلعب البيانو منذ الصغر، وقد بدأ دراسته لهذه الآلة، حين بلغ سبع سنوات، كما أن والدته موسيقية أيضًا، مشيرًا الى أن الموسيقى في السابق كانت مجرد أصوات، ولكنها اليوم أصبحت كل شيء في حياته، فأينما ينظر يسمع موسيقى ما يراه، فهو يعيش في بناء موسيقي، وليس هناك من فصل بين الصوت والرؤية. وشدّد هاربسون على أن النوتات الخاصة بالألوان أكثر بكثير من التي توجد في الموسيقى العادية، ففي البيانو هناك 12 "نوتة" في "الأوكتاف" الواحد، بينما في الألوان يرتفع العدد الى 360 نوتة في "الأوكتاف" الواحد، وهذا يدل على كثرة التفاصيل. بينما اعتبر عالم الموسيقى بين البيانو والحاسة عالمين مختلفين، فالنوتات هي نفسها ولكن في "أوكتاف" أمر مختلف، وهذا يجعل موسيقى الألوان والتأليف فيها غير قابلة للمقارنة بأي آلة موسيقية أخرى، مؤكدًا محاولته ايجاد طريقة لجمع موسيقى البيانو والحاسة، خصوصًا أنه حين يترجم موسيقى الألوان يقوم بذلك من خلال مايكروفون يترجم الموجات وليس بعزفها.

وعن خصائص اللحن في اللون، قال، "يبدو أنه خارج الإيقاع، حين نستمع اليه، وأحيانًا يبدو أن هناك خللًا فيه، ولكنه يحمل الكثير من التكرارات والتركيبات التي تبدو غير مألوفة للناس خصوصًا أن عدد النوتات في (الأوكتاف) الواحد كبير جدًا". وتابع أن "الأصوات الصادرة عن الألوان، لا تشبه اصوات آلات الموسيقى، وفعليًا استمع اليها طوال اليوم، بمجرد تحريك رأسي ورصد ألوان جديدة، ولكن (الأنتين) يقرأ لونًا واحدًا في وقت واحد، وهو اللون المسيطر وليس بالضرورة أن يكون الأقوى".

وقدم هاربسون الخميس، سيمفونية "ألوان دبي" خلال "دبي كانفس"، فقد تجوّل بالسيارة وتعرف الى المدينة، وألف السيمفونية بالتعاون مع "الدي جي" دكتور توست، وشدّد على ان ألوان دبي تحمل في موسيقاها الكثير من نوتات "اف" و"جي"، مشبهًا ممشى "جي بي آر" موسيقيًا بمدينة موناكو، بينما بعض المباني تشبه مالطا، وكذلك أشار الى وجود بعض المناطق التي زارها، والتي بدت تشبه جزيرة في فينيسيا. وشدّد على أن المدن تنطبع بذاكرته من خلال الموسيقى التي تصدر في رأسه عنها، وكذلك الأشخاص.