مهرجان زايد التراثي

يتيح مهرجان زايد التراثي في دورته السادسة لزواره رحلة في أبوظبي قديمًا ، فبمجرد العبور من البوابة الرئيسة لمقر المهرجان في الوثبة، ينتقل الزائر إلى فترة الستينات، وربما ما قبل الستينات، ليرى تفاصيل الحياة في أبوظبي، والإمارات بوجه عام، في تلك الفترة. منذ الخطوة الأولى يجد نفسه في مواجهة مع الماضي بكل ما يحمله من خصوصية، فلا يكتفي المهرجان بتقديم ملامح الحياة القديمة بصورة متحفية جامدة، تبدو بعيدة عن المشاهد التي يقف منها موقف المتفرج من دون تفاعل، مع ما يشاهده أو يدور حوله. ولذلك تعد "التفاعلية" من أهم أسباب تميز مهرجان الشيخ زايد التراثي، إلى جانب غنى التفاصيل، حيث يجد زائر المهرجان نفسه جزءًا من المكان والفعاليات والحياة التي تحيط به، يمكن أن يشارك فيها أو يقترب منها ويتفاعل معها بكل الأشكال.

وتبدأ الرحلة إلى الماضي من التصميم الخارجي لمقر المهرجان، الذي اتخذ هذا العام شكل القلاع والحصون التقليدية التي اشتهرت بها المنطقة، وإمارات الساحل المتصالح، منذ عصور طويلة سبقت قيام الاتحاد، بما يمنح الزائر شعورًا بأنه ركب آلة الزمن ليعود إلى أبوظبي قديمًا، ويختبر بنفسه كيف كانت الحياة وقتذاك، وهو يسير بين الطرقات الترابية محاطًا بكل مظاهر التراث.

ويتسم التفاعلية التي في مهرجان الشيخ زايد التراثي تبرز في كل الأقسام، كما في "قرية الألعاب التراثية" التي تقدم لوحات أدائية حية يقوم بها فتيان وفتيات من أعمار مختلفة، يمارسون خلالها مختلف الألعاب التي كان يلعب بها الأطفال قديمًا، يشاركهم الأطفال من زوار المهرجان تحت إشراف مدربات متخصصات، وتكتمل الصورة الحية بالأغنيات الفلكلورية التي كان الأطفال يرددونها أثناء اللعب، وهي تملأ جنبات ساحة اللعب.

شكل آخر من أشكال الحياة القديمة يرسمه ركن الحرف التقليدية السيدات اللاتي يجلسن في محال صنعت من سعف النخيل، وكل واحدة منهن تمارسن واحدة من الصناعات التراثية القديمة التي مازالت قائمة مثل صناعة السدو والتلي، وصناعة المفروشات وغيرها. في حين يعكس ركن البيئة البحرية دور البحر كمورد اقتصادي مهم، طالما اعتمد عليه أهل المناطق الساحلية في الإمارات، وارتبط به العديد من المهن الرئيسة، مثل الغوص على اللؤلؤ وصيد السمك، وصناعة المراكب والقوارب وأدوات الصيد مثل الشباك والقراقير وغيرها، فيرى الزائر أمامه كيف كان الأجداد يصنعون هذه الأدوات والمراكب، بل ويمكن له أن يقوم بتجربة المشاركة في هذه العملية. الأمر نفسه ينطبق على البيئة الصحراوية والبدوية، حيث تتاح للزائر فرصة معرفة كيفية ترويض الصقور، والتقاط صور تذكارية، وهو يحمل الصقر على ذراعه، أو ركوب الخيل والإبل، وعندما يحين موعد الصلاة، يجد الزائر نفسه في جزء من التاريخ أيضًا، حيث سيتمكن من أداء الصلاة بين جنبات مسجد البدية، في مجسم للمسجد التاريخي الذي يقع في إمارة الفجيرة، ويعد أقدم مسجد في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يزيد عمره على خمسة قرون، ومازال يستقبل المصلين يوميًا، بالإضافة إلى وفود السياح على مدار العام، وتم بناء نموذج عن المسجد في المهرجان من المواد نفسها، وهي مواد محلية صرفة تجمع بين الحجارة الكبيرة والصغيرة، واستخدم الطين المحروق كمادة رابطة للبناء.

أما الساحة الكبرى التي تتوسط أرض المهرجان فهي تجسيد للحياة القديمة، حيث تحيط بها نماذج للقلاع القديمة، وبجانب كل منها نموذج للمدفع القديم الذي كان يستخدم في حماية القلاع والذود عن سكان المناطق السكنية في إمارات الساحل المتصالح، بينما يتوسط المكان مسرح تقام عليه العروض والفقرات الاحتفالية، الذي سيشهد إحياء احتفالات أمسيات المهرجان في اليوم الوطني الـ44. بينما تتواصل فيه عروض الفنون التقليدية والرقصات الشعبية الإماراتية يوميًا طوال فترة المهرجان، وتحيط بالساحة أماكن للجلوس ومقاهٍ شعبية بنيت من مواد تراثية مثل سعف النخيل والخشب، ليتمكن الجمهور من الجلوس والاستمتاع بالمشهد.

و يمثل جناح "ذاكرة الوطن" الذي يشارك به الأرشيف الوطني في المهرجان، رحلة خاصة جدًا في تاريخ أبوظبي والإمارات ككل، عبر تصميمه التاريخي، حيث تم تقسيم المكان إلى قاعات، كل منها يتناول موضوعًا من تاريخ الإمارات وذاكرتها النابضة، ويتم تقديمه للجمهور بأسلوب تفاعلي عبر شاشات إلكترونية، ووسائل إيضاح، وصور تقدم مقارنات بين المكان نفسه أو المبني قديمًا وحديثًا. أولى هذه القاعات تحتفي بذكرى الشيخ زايد بن خليفة الأول الذي يعد من أعظم حكام إمارة أبوظبي، إذ حكمها في الفترة 1855-1909م، ويستعرض الزائر في القاعة محطات مهمة في حياة ذلك القائد، إلى جانب أبرز اهتماماته والإنجازات التي تحققت في عهده، وتضم قاعة الشيخ زايد بن خليفة الأول أيضًا شجرة عائلة آل نهيان. أما قاعة "زايد مسيرة تلهم الأجيال" فتتناول سيرة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وتستعرض قاعة "حماة الوطن" بمقتنياتها وشاشاتها الإلكترونية تطور القوات المسلحة، حتى غدت من أقوى الجيوش في المنطقة وأكثرها تقدمًا، بينما تتغير القاعة بالتزامن مع احتفال الدولة بيوم الشهيد وحتى نهاية المهرجان لتحتفي ببطولات شهداء الوطن والواجب. في حين توثق قاعة "ليوا" عبر مجموعة من الأفلام الوثائقية والصور، اهتمام القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بالزراعة، وكيف استطاع بإرادته القوية أن يحول رمال الإمارات إلى واحة خضراء. وفي قاعة الاتحاد يجد الزائر، بالإضافة إلى مسيرة الاتحاد ومراحل قيامه، المكتبة الصوتية الخاصة بالشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، التي تحتوي على مئات التسجيلات الصوتية التي تتطرق لقضايا مختلفة محلية وعربية وعالمية، وفي قاعة التعليم استعراض لمراحل تطور التعليم في دولة الإمارات العربية المتحدة بالصورة والوثيقة.