دبي ـ صوت الإمارات
ين الشغف بالفن، والأسى الذي يخيّم على عالمنا، اجتمعت أعمال تسعة فنانين من الإمارات وسورية والعراق والبحرين في غاليري "لمياتوس"، فقدموا في معرض تحت عنوان "شغف وحزن"، الواقع الذي نعيشه. يحمل المعرض أعمالًا لا تشبه بعضها وإن تقاطعت الحكايات التي تقدمها، فهو حصيلة تجارب وجدت كل منها صياغتها اللونية عبر أسلوب وتقنيات خاصة، الأمر الذي أغنى المشهد العام في المعرض، فكان حافلًا بدفء التجريد، وصخب وكثافة المشاهد التعبيرية، الى جانب النحت الذي أوجد مساحة حوارية بين الكتلة والفراغ.
تجربتان من الإمارات حضرتا في المعرض، وهما لعبدالقادر الريس، والدكتورة نجاة مكي. يقدم الريس عبر ثلاث لوحات ألوانه التجريدية التي تستفيد من الشكل الهندسي والحرف العربي، فيوجد لغة بصرية ذات خصوصية. تحمل لوحاته الكثير من الدفء، خصوصًا في الأحمر الذي سيطر على أكثر من عمل، بينما أتى الأزرق ليزيد من وقع الأجواء الهادئة. أما الدكتورة نجاة مكي، فقد حرصت على تقديم لوحاتها التجريدية بألوان الطبيعة، فكانت مستمدة من الأخضر والأزرق والأحمر، حيث وزعت الألوان عبر مساحات لونية تتداخل مع بعضها بعضًا بأسلوب تدريجي.
وحضرت التعبيرية مع أكثر من فنان، ومنها في أعمال إدوارد شهدة، الذي قدم الوجوه بأسلوب تعبيري يكتنز بين ضربات ألوانه الكثير من الحكايات والمشاعر، فنجد الوجوه التي تبدو كما لو أنها في حالة انتظار، أو ترقب، بينما نجد من الجهة الأخرى وجوهًا في حالة محاورة وحديث روحي.
وتستكمل الأعمال حكايات البشر مع الوجوه والانسان من خلال أعمال الفنان إسماعيل الرفاعي، الذي يختصر البشر ومعاناتهم وكل ما يلمّ بهم من خلال الأسود والأبيض، معتمدًا على الظل والنور والحركات والانحناءات الجسدية لترجمة كل ما تحمله من انكسارات. هذه الأجساد التي تحتل مساحة اللوحة، تتجه لتكون أكثر ازدحامًا، وغنية بالألوان في لوحات الفنان باسم الصاير الذي يكوّن من خلال اللوحة تجمعات بشرية كبيرة، يروي من خلالها حكاياتهم اليومية، مضيفًا الى اللوحات الكثير من الرموز التي تجعلها تبدو كما لو أنها مأخوذة من جدران حفرت عليها كتابات ورموز قديمة. بينما تجمع أعمال كل من لؤي صلاح الدين، ووائل المريب، بين الأساطير والواقع، وبين الخيال والحقيقة، فنجد الكثير من العناصر الغريبة التي تحملها، فيضع المريب الأجنحة على الجسد ليحلّق في سماء اللوحة الزرقاء الخلفية.
وذكر جمال عبدالرحيم عن مشاركته في المعرض، "تخصصت في مجال الحفر والطباعة، ومنذ ثماني سنوات توجهت الى النحت كنوع من التصوف الدنيوي، وأعمل على المنحوتة من الألف الى الياء بهدوء، وبلا شك أني أتأثر وأعكس كل ما يحيطني من مشاعر وحب وأشياء دنيوية وحرب وقتال، لذا يأتي تعاملنا مع الفن بشكل راقٍ، وكذلك يحمل أنوثة ورقة، فهو مزيج من كل ما نعيشه". أما الألوان التي يدخلها على البرونز، فقال عنها: "البرونز لا يتوقف عند الأخضر والنحاسي، فشخصيًا قدمت ألوانًا عديدة، ومنها المذهبة أو الفضية اللون، فالبحث عن الجديد وغير المألوف هو هدفي، وبعد 30 عامًا من العمل، يشعر الفنان أنه محاسب أمام خبرته".
ووصنف الفن على أنه حالة عشق وحب، فهو يرسم وينحت ويعمل في الطباعة، موضحًا أنه في بعض الأحيان يقف على جنب، فالفنون تُكمل بعضها، ولكنه يعتمد على الفصل بين أنواعها، الأمر الذي يجعله يعود لكل منها بحب وشغف. وشدد على أن اللوحة عبارة عن طبقات، وكذلك الطباعة التي هي مستمدة من علم التقنية، بينما النحت، لعبة الكتلة والفراغ والإسقاطات الضوئية، لذا يترك أسلوبه على حاله، ويعمل بشكل واقعي. أما مشاركته في المعرض، فرأى أنها مهمة، كونها تؤدي الى ايصال الأعمال للناس، فالنحت يحمل الكثير من التحديات، ومهم أن يراه الجمهور.
وأوضح الفنان السوري إسماعيل الرفاعي إن "اللوحات التي يسيطر عليها الأبيض والأسود منذ مرحلة، ليست مسألة لون، وحالة أبيض وأسود فقط، بل هي مسألة شعور الفنان أنه في مرحلة ما هناك خامة تقدم مشروعه، ومنذ خمس سنوات، نشعر أن هناك الكثير من الأمور التي تفيض عن الحاجة والتي يجب التخلص منها بدءًا من اللون، وصولًا الى اختزال الحركة ومحاولة رصد ما يحدث في الخارج بعلاقته مع ما يحدث في الداخل، أي أن يكون الشاهد بين الحدث والمتلقي".
وأضاف، "شاءت الأمور أن تسير على هذا النحو، وهذا ليس خيارًا إراديًا، فاللوحة اليوم غنية بالمشاعر، ودرجة التعبيرية فيها مرتفعة، ولكن هذا التحول الذي هو موجود في العمل، بدأ في الداخل أولًا، وعندما بدأت به، كنت أراه فيضًا من المشاعر، وفيه الكثير مما هو خارج تصوراتي، فالتحول يحدث ويغير بي، وهو نتيجة حالات نفسية". وأشار الى أهمية استيعاب الفنان للأشياء وعالمه الداخلي، كي يعكسه بالطريقة الخيالية الصحيحة، ولهذا من الممكن أن تتحول التجربة عنده الى تجربة فارقة في حياته الفنية. أما ما يُبعد الفنان عن التكرار فهو الحالة الذهنية، مشيرًا الى أن التكرار قد يكون نتاج محدودية المخيلة أو اتباع الرائج، منوهًا بأن الشغف يدفع إلى الجديد باستمرار.
أما الفنان لؤي صلاح الدين، فشارك في المعرض بثلاثة أعمال بعناوين، "ذاكرة 1" و"ذاكرة 2" و"إصغاء"، وقال عن أعماله: "ألتقط فيها معنى التصالح مع أنفسنا والحكمة، للإصغاء للآخر، لأننا بحاجة للإصغاء، فاللوحة ليست فعلًا تزيينيًا، فهي لغة وصياغة ونوع من التنظير البصري، وهي فرصة لي كي أكون مع مجموعة رائعة من الفنانين". ولفت الى أن لوحته تحمل الجمع بين الأساطير والواقع، اذ يأخذ من الأساطير المرأة بمدلولها الانساني، ويستحضرها الى الواقع، لذا يقوم بعدد من التجارب اللونية، ويطبّق مقولة (كونوا عربًا لتنالوا الجوائز)، مشددًا على أن الهوية هي أهم معايير التقييم. وشدد على أن ما يحمي لوحته من التكرار، هو الموضوع، موضحًا أن مجموعته عنوانها "الحياة"، وداخلها الكثير من الحيوات، فالانتظار والذاكرة وغيرها من الأمور تأتي مما يتأمل في الناس، ولهذا يجمع بين الشجن والسعادة والبهجة والعمق، وجميعها تجعل اللوحة عصية على التكرار