راشد عبيد بن حمود الطنيجي خبير في أسرار الصحراء وعلاج الإبل

يعتبر راشد عبيد بن حمود الطنيجي أحد أهم رواة المهن التقليديين الذين يرجع إليهم في مجال المعارف البدوية التقليدية، خاصة تقاليد تربية الإبل ورعايتها، وتتبع آثارها، وعلاجها، وقد مارس مهنة علاجها بالأعشاب والكي وخبر أنواع الأمراض التي تصيبها، وطرائق تحضير أدويتها .

نظراً لأهمية المعلومات التراثية التي أضافتها مرويات الطنيجي إلى التراث الشفهي للإمارات فقد كرمته إدارة التراث في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة في الدورة الثامنة من يوم الراوي عام ،2008 وجاء عنه تعريف مقتضب في كتاب ''يوم الراوي، مسيرة عشر سنوات''، وذكر عبد العزيز المسلم مدير هيئة الشارقة للتراث في شهادته عنه بمناسبة تكريمه تلك أن: (الراوي راشد بن عبيد الطنيجي من واحة الذيد قد أبدع في تتبع الأثر وعلاج الإبل) .

في مروياته يصف الطنيجي طرائق علاج الأمراض التي تصيب الإبل، ومنها الكي ويكون بحديدة توضع في النار حتى يحمر طرفها ثم توضع على مكان المرض ويستخدم الأمراض الجلدية الظاهرة كالجروح والكدمات والدماميل، وغيرها، أما الأعشاب فتستخدم لعلاج الأمراض الباطنية مثل فساد البطن وأمراض الصدر وغيرها، ومن النباتات التي تستخدم لذلك (الحنظل والشيح والقرض والقرع والرمرام والحرمل)، كذلك تستخدم مواد كالزيت والقطران والبترول والملح، ويستخدم البدو الفصد لإخراج الدم الفاسد، كما يعرفون بدقة مراحل الجنين في بطن الناقة، ويحرصون على رعايته، واختيار ما تأكله الناقة عند قرب الولادة ويتدخلون بالجراحة في حالة عسر على الناقة إخراج جنينها أثناء الولادة، ما يعني أنهم وصلوا بالتجربة إلى مراحل متقدمة في العلاج وتحصيل متطلبات الحفاظ على الحيوان ورعايته، وهذا يدل على حدة الذكاء التي كان يتمتع بها البدو .

ومن الأمور التي يعرفها الطنيجي جيدا ويستدل بها على فطنة وذكاء سكان الصحراء أهل الإبل، فن تتبع الأثر، ومعرفة البدوي الدقيقة لأثر ناقته أو جمله، بحيث يستطيع أن يميزه بين عشرات الآثار، لا يختلط عليه مع غيره، وقد استخدمت تلك الخبرة لدى سكان الصحراء للبحث عن الإبل، فعندما يفترق القطيع وتذهب أجزاء منه في كل اتجاه، يتبع أصحابه الآثار، وربما يسيرون عليها أياماً إذا لم تمحها الرياح حتى يلحقوا بدوابهم .

من مرويات الطنيجي أيضا ما وصفه عن حفر الآبار في المنطقة حيث كانوا يختارون للبئر أرضاً صلبة متماسكة حتى لا تنهار عند الحفر فيها، ويحفرون دائرة بقطر يصل إلى المتر فما فوق، ويتولى الحفر أناس متخصصون يعرفون كيفية التعامل مع الأرض، وطرق طي الجوانب بالحجارة والأخشاب حتى لا تنهار، وحتى تحول الحجارة دون ملامسة الماء لتراب البئر فيؤدي ذلك إلى تساقطها، وتسمى البئر في اللهجة الخليجية "الطوي" و"البدع" و"الجليب" و"اليفر"، ونظراً لكون الصحراء جافة قليلة الأمطار لا توجد فيها مستنقعات مائية فقد كانت البئر هي وسيلة الشرب الأكثر اعتماداً، وكان السكان يعرفون أماكن كل بئر والمسافة بينها، والكمية التي يحتاجونها من المياه للتزود بها حتى يصلوا إلى البئر الأخرى، ويحرصون على أن يحفروا الآبار في الطرق التي تربط بين القرى والمدن حتى يسهل عليهم التنقل بينها، ويحفظ الطنيجي عن ظهر قلب أماكن الآبار في المنطقة الممتدة ما بين الذيد ورأس الخيمة وأم القيوين وسلسلة جبال الحجر، حيث قضى الطنيجي معظم مراحل حياته متنقلا بين تلك الأماكن، وعرف تضاريسها وأسماء نباتاتها ومواسمها .
خبرات الطنيجي لم تقتصر على الإبل والصحراء، ونظرا لكونه من مواليد منطقة الذيد وهي منطقة واحات وزراعة فقد اشتغل بالزراعة وخبر الكثير من تفاصيل تلك المهنة، وبرع فيها فكان إلى جانب ما قدمه عن حياة البداوة والصحراء يروي أيضا عن حياة المزارعين وتقاليد العيش في الواحات .