الشارقة- جمال أبو سمرا
تحتضن إمارة الشارقة مواهبًا من الشباب الإماراتي الواعد؛ حيث تجتمع بها سمات الثقافة والفنون والإرادة والطموح، ومن هذا المنطلق تنظّم إدارة مراكز الناشئة في الإمارة برامج مسرحية هادفة لأبنائها الطلبة، تسعى من خلالها إلى تنمية مهاراتهم، وشحذ طاقاتهم، وترقية قدراتهم الفنية والأدبية والمعرفية.
وتزامنًا مع موسم العودة إلى المدارس وانطلاق العام الدراسي الجديد، استعاد عُشاق الفنون المسرحية من الناشئة نشاطهم الابداعي، عبر مشروع تدريبي موزّع على ثلاث مراحل يعتني في مرحلته الأولى بتمرين الطلبة المُنتسبين على مجال القصة المصّورة، فيما تركز مرحلته الثانية على فنّ المسرح المحلي والبصري، أما الثالثة منها فتتمحور حول تعزيز مفاهيم تحسين الأداء المسرحي كتمارين التنفس واللياقة البدنية، مع التدريب على النطق السليم، الارتجال، بالإضافة إلى معرفة مفاتيح القدرة على التواصل مع المتلقين؛ سعيًا وراء تطوير مواهب الشباب في حقول الفنون المسرحية.
إلى ذلك، يؤكد نائب مدير عام مراكز الناشئة، سعيد بطي حديد: «إيمانا بأهمية تطوير إمكانات الطاقات الشابة من أبنائنا الطلاب، وحرصًا على تأهيلهم وتثقيفهم في مجالات الفنون والمعارف والأدب التي ترتقي في مجملها بالذات الإنسانية وتسمو بالأفكار والتوجهات، حرصنا على استئناف برنامجنا المسرحي الهادف، مانحين منتسبينا الناشئة فرصًا جديدة للتعبير عن مهاراتهم الفنية وملكاتهم الأدبية، في جميع مجالات المسرح مثل الكتابة، والتمثيل، والإخراج، مع فنون السنوغرافيا التي تهتم عادة بأمور الإضاءة والديكور والإكسسوارات اللازمة في عملية الإنتاج المسرحي»، مشيرًا إلى أنّ هذا البرنامج الفني الرائد، ومنذ انطلاقته، تبنى عديدًا من المواهب المتميزّة من الناشئة، وجاء متوافقًا ومنسجمًا مع الطموحات الكبيرة والاستراتيجيات المدروسة، التي تركز في إطارها العام على اكتشاف المواهب الشابة في المجالات كافة.
في سبيل تحقيق هذا الغرض، يُكمل حديد: «ارتأت مراكز ناشئة الشارقة بمراكزها كافة تطوير مهارات أبنائها من خلال خوضهم للعديد من الدورات التدريبية وورش العمل المُتخصّصة في جميع حقول المسرح، مستعينة بخبرة شخصيات لها باعٍ في هذا الفن العريق، كما عملت على رفع مستوى الثقافة المسرحية للشباب، وحفزتهم على ممارسة الأدوات التي تساعدهم في اكتشاف مواهبهم، والتعبير عنها من خلال أساليب فنية وأدبية، متعاونة في نجاح هذا البرنامج مع مؤسسات مُتخصّصة في الدولة، تمثلت في الهيئة العربية للمسرح وجمعية المسرحيين، ليتمّ بالفعل توقيع اتفاقيتي تعاون مع المؤسستين هدفت إلى دمج الشباب المنتسبين لمختلف مراكز الإمارة وضواحيها في هذا البرنامج اللافت».
ومن ضمن الأعمال المسرحية المتميّزة التي أنتجها ناشئة الشارقة، ظهر أخيرًا عمل مسرحي بعنوان «أبواب محفوظ»، وهي عبارة عن مسرحية محليّة أشرف عليها الفنان الإماراتي عبدالله صالح، مقتبسًا فحواها من نص عالمي، يدور حول موضوع العمل والمثابرة وعلاقته بالحظ، لتتبناها ناشئة منطقة «واسط» وفرقتهم المسرحية، ويحققون عبرها عملاً هادفًا يُحسب في رصيدهم الإبداعي.
ويصف الناشئ عمر زبير استمتاعه بالمشاركة في هذه المسرحية، بحديثه: «أتاح لي هذا النص المسرحي أنّ أظهر أجزاءً من موهبتي الفنية، وقدرتي على التعبير والتواصل مع الآخرين، مُجسّدا فيه دور الراوي، والذي يحكي بدوره للجمهور قصة رجل يدعى «محفوظ»، يسرد فصول روايته منذ كان شخصًا فقير الحال، إلى أنّ تحول إلى فارس مقدام من فرسان الملك، مبينًا عبرها قيمة الاجتهاد في العمل وضرورة المثابرة للوصول إلى النجاح والتفوق».
أما ناشئة «كلباء» فنفذوا برنامجًا مسرحيًا آخرًا يدور حول فن «المسرح البصري»، الذي يهدف إلى بثّ رسائل موجهة لجماهير المُتلقين، تعتمد في عملها على تقنيات الصور والأصوات المؤثرة فقط على الخشبة، وتخلو تمامًا من الحوار المسرحي المعتاد، كما تدرب الشباب المشارك على كيفية كتابة السيناريو والأدوات التعبيرية بالوجه والإشارات.
ويُعبّر الناشئ محمد جمعة علي عن تأثره بالعمل في مسرحية «أرض للحياة»، التي نفذها ناشئة «كلباء»، والتي تناولت علاقة الإماراتيين بالبحر ورحلات الغوص والصيد في زمن الآباء والأجداد.
ويؤكد: «أسهمت في إخراج وتأليف هذا العمل المسرحي، والذي يندرج تحت خانة «المسرح البصري»، فتعرفت من خلاله مع بقية زملائي المشاركين، على بعض فنون «السنوغرافيا»، ومنها أنظمة تصميم الإضاءة المسرحية، وكيفية اللعب على وتر الألوان ودلالاته في المشهد المسرحي، مع إضافة المؤثرات الصوتية كالموسيقى التصويرية، والتي شكّلت هي الأخرى أداة تعبيرية مؤثرة في سياق العمل، ليأتي نتاجنا الفني بعنوان «أرض للحياة» حاملاً رسالة اجتماعية مفادها أنّ الحياة لا تتوقف عند شيء معين، بل تبقى وتستمر ببدائل أخرى وبفضل الإرادة والجهد الذي يبذله الإنسان».
وفي المُحصّلة؛ فإنّ مراكز ناشئة الشارقة وبرنامجها الريادي الذي يعتمد فنون المسرح كحاضنة لطاقات الشباب إنما يعمل وفق رؤية ومفهوم، مؤطرًا الفن المسرحي كمؤثر فعّال ومحّرك في تطوير المنظومة التربوية والتعليمية، كما أنه يُعتبر أداة قوية تسهم في زيادة التحصيل المعرفي وتطوير الجوانب الإبداعية والمهارية عند النشء، كونه يغرس لديهم مجموعة من القيم والمبادئ السليمة، ويُكسبهم سمات الثقة والمبادرة والقيادة، مُعززًا فيهم احترام الذات والاعتزاز بمنجزات القيادة والوطن.