لندن ـ كاتيا حداد
يقدم متحف الفن الحديث معرضًا فريدًا من نوعه باسم "نحت بيكاسو"، ويضم منحوتات مجسمة ثلاثية الأبعاد تعود إلى القرن العشرين، واستغرق كل منها بضعة أعوام، وتعتبر كل قطعة مختلفة عن القطعة الأخرى، ومن القطع الاستثنائية في المنحوتات تمثال ماري تيريز والتر حيث لا تشير النساء في حياة بيكاسو إلى تغيرات أسلوبية.
ويعد المعرض الذي سيُفتتح الاثنين هو الأحدث في سلسلة المعارض التاريخية للفنان بابلو بيكاسو، والتي يشتهر بها متحف الفن الحديث منذ عام 1939، ويعتبر المتحف هو الوحيد القادر على تأمين حوالي 50 قطعة فنية في إطار التعاون مع متحف بيكاسو في باريس.
ويضم المعرض حوالي 140 من المنحوتات التي صنعت بين عامي 1902 و 1964 من الخشب والجص والطين والحصى والصفائح المعدنية، ويحتوى على منحوتات لم يسبق عرضها في نيويورك، ومن أشهر التماثيل في المعرض تمثال "Glass of Absinthe" من البرونز، والذي يعود إلى عام 1914 ويشير إلى مجموعة وجوه في حالة سُكر، وهناك تمثال نصفي آخر لماري تيريز كما لو كانت في نهاية حديقة.
ولم يكن هناك مسح لمنحوتات بيكاسو في هذا البلد منذ عام 1967 عند إقامة أول معرض لمنحوتات بيكاسو في لندن وباريس، وكان بيكاسو يحتفظ بمنحوتاته بالقرب منه مثل عائلته، وعاش بين مزيج من منحوتاته العظيمة في فترة الثلاثينات، ويؤكد ذلك الصورة التي التقطتها له براساي في الأستوديو الخاص به بين عامي 1932 حتى 1945.
ويثير هذا المعرض تساؤلًا مفاده هل كان بيكاسو نحاتًا أفضل أم رسامًا؟، ويمكن القول إن الفنان بدل مساره، وبالنسبة لأشهر لوحاته فهناك " آنسات أفينيون"، والتي تعود إلى عام 1907 وهي تعرض في الطابق الخامس من متحف الفن الحديث، وهناك لوحة "كبيسم" و"غويتار" التي تعود إلى عام 1914.
ويمكن القول إن بيكاسو كان فنانًا ثلاثي الأبعاد يحظى بالعبقرية والعمق والسحر والتجديد في أعماله، ولا يمكن أن ننكر براعته في الشكل والتكوين واختيار المواد التي تجعل النحت مفعمًا بالحياة، حيث استطاع تطويع جميع المواد لاستخدامها في منحوتاته سواء القديمة أو المعاصرة، ومن المنحوتات البرونزية المبهرة لبيكاسو تمثال "مان ويذ ألامب"، والذي يعود إلى عام 1943، وأبدع بيكاسو في نحت يد الرجل وتلوين التمثال.
واستطاع بيكاسو المزج بين النحت والرسم، تحديدًا في المعرض الثامن له بين عامي 1945 حتى 1953، حيث رسم أشكال حيوانات ورموز أخرى على الأواني الفخارية، كما رسم مجموعة من الزهور على أوعية من السيراميك مع الجص الملون.
ومن المنحوتات البارز لبيكاسو والتي ظهرت في المعرض بين عامي 1902 و1909 تمثال المرأة القديمة الجالسة المصنوع من الطين ويتضح بشكل أكبر في صور براساي، كما قدم بيكاسو بعض المنحوتات للأفارقة وبعضها مصنوع من الخشب.
وقدم بيكاسو بعض الأعمال الإنشائية مثل " غويتار" من خلال مزج الأشكال المسطحة لتقديم نحت ثلاثي الأبعاد يضم بعض الفراغات بحيث تبدو الآلة الموسيقية بشكل طبيعي، وتشير هذه الأعمال نحو التجريد، ويمكن القول إن كل المنحوتات التي قدمها بيكاسو كان يسهل التعرف عليها سواء كانت تجسد إنسانًا أو حيوانًا.
واستخدام بيكاسو الأخشاب البالية في نحت آخر باسم "السباحون" في عام 1956 بشكل أكثر إبداعًا ويجسد النحت مجموعة من الوجوه والرموز وكرسيًا واحدًا من الصفائح المعدنية، وعرض العمل في المعرض النهائي، ومن بين الأعمال النحتية المعاصرة لبيكاسو " امرأة على كرسي".
وظهرت معارض نحت بيكاسو إلى الوجود من قبل أمناء قسم النحت والرسم في المتحف الحديث آن تيمكن وأني آملاند، وكذلك أمين متحف بيكاسو للنحت والسيراميك فرغيني بيردريسوت، ويمكن القول إن كل معرض كان متحفًا في حد ذاته، يحمل العديد من التناقض الذي يربط الأعمال معًا في الوقت نفسه، وكان تقدم بيكاسو في النحت يسير بشكل غير خطي، وربما كان ذلك للحفاظ على الدوران حول مختلف الأعمال الفنية له.
ويعتبر المعرض واحدًا من أفضل المعارض التي ستراها في أي وقت مضى في متحف الفن الحديث، ويعقد المتحف في قاعة أنيقة في الطابق الرابع، وتتسم القاعة بالاتساع حيث يمكن الدوران حول كل قطعة معروضة باستثناء القطع المعروضة على الجدران، ومن الأفضل تقليل عدد القطع المعروضة بحيث يستغرق الزوار وقتًا معقولًا في إمعان النظر إلى هذا الفن، أما في حالة زيادة عدد المعروضات فيتحرك الزوار بشكل أسرع وهو ما قد يجعلهم لا يتأثرون بهذا النوع من الفنون ويتحولون فقط إلى مجرد سياح للفن يحملون هواتف ذكية.