القاهرة ـ صوت الإمارات
يطل منزل أمير الشعراء أحمد شوقي أو كرمة بن هانئ ذلك القصر الراقي على ضفاف النيل في محافظة الجيزة والذي تحول إلى واحد من أهم المتاحف الموجودة في جمهورية مصر العربية، عاصر مجموعة من ألمع نجوم الفن والأدب في القرن العشرين، وشهد أجمل الحفلات والسهرات والليالي الغنائية والشعرية التي شارك فيها ألمع النجوم مثل "كوكب الشرق أم كلثوم و محمد عبد الوهاب" وكان ملتقى لشتى ألوان الإبداع في الأدب والشعر والمسرح والموسيقى والغناء.
ولد أمير الشعراء في مثل هذا اليوم 16 / 10 / 1868 في بيت من بيوت الثراء والترف، ونعم بـعيشة كريمة حيث ورث والده ثروة طائلة، وكانت جدته وصيفة في قصر الخديوى إسماعيل حاكم مصر آن ذاك - فكانت نشأته ناعمة لا يعاني الفقر وضيق العيش الذي كان هو ثمة حياة أغلب الشعب المصري في ذلك العصر، وفي الرابعة من عمره التحق بكُتاب الشيخ صالح في حى الحنفي في القاهرة، ودخل مدرسة المبتديان الإبتدائية ثم المدرسة الخديوية الثانوية.
والتحق شوقي بعد ذلك بمدرسة الحقوق - بناء على رغبة والده - ودخل قسم الترجمة في مدرسة الحقوق وتخرج وحصل على شهادته الجامعية عام 1887، وعيّنه الخديوي في وظيفة في القصر ثم أرسله إلى فرنسا ليستكمل دراسته.
وعمل في نهاية السنة الثالثة من دراسته في فرنسا على تفقد مسارح باريس، وتعرف على الثقافة والآداب الفرنسية، وأثناء فترة البعثة زار إنجلترا وتركيا والجزائر وبلجيكا، وعندما أتم دراسته وعاد إلى مصر بدأ عمله في قسم الترجمة في القصر، وبعد فترة توفي الخديوي توفيق وخلفه الخديوي عباس وصار شوقي رئيسًا لقسم الترجمة في القصر ولُقب بـشاعر الأمير.
ونفي شوقي إلى إسبانيا بعد الحرب العالمية الأولى وفرض الحماية البريطانية على مصر، وظل فيها 5 سنوات وتعرف حينها على الحضارة العربية في الأندلس، وعندما عاد من منفاه عام 1920 تقرّب من الشعب وانشغل بقضاياه ومشكلاته وعبّر كثيرًا عن عواطفه حتى أصبح شاعر الشعب والعروبة والإسلام . وكان شوقي يقيم في المطرية ولكن بعد عودته من منفاه انتقل إلى بيت آخر - المتحف حاليًا - وقد اختار شوقي هذا البيت نظرًا لتفرده في الموقع فكان يطل من الشرفة الشرقية على الأهرامات ومن الشرفة الغربية على نهر النيل.
وبعد وفاة أمير الشعراء تحوّل منزله بقرار شعبي إلى متحف في عام 1977 يشرف عليه قطاع الفنون التشكيلية في وزارة الثقافة، ليصبح بذلك محفورًا في ذاكرة وطنه ولكي يظل منزله دائمًا وأبدًا مركزًا للإشعاع الثقافي حتى بعد وفاته. يوجد في حديقة المتحف تمثال كبير لأحمد شوقي قد أهداه له المثال الراحل جمال السجيني، ويتكون المتحف من طابقين يضم الطابق الأول صالة كبيرة وكانت على الطراز العربي الإسلامي حيث وُزعت آيات من سورة البقرة على جدران الصالة وكان يقيم فيها الحفلات والأمسيات الشعرية.
ويضم الطابق الأول أيضًا ناحية اليسار جناح استضافة خاص بموسيقار الأجيال "محمد عبد الوهاب" حيث كان يتبناه لمدة 7 سنوات وجعله يقيم معه وأعتنى به بشكل كامل والجناح يحتوي على صورة تجمعهما معًا وكذلك بعض النوتات الخاصة بالراحل محمد عبد الوهاب. ويوجد ناحية اليمين غرفة السفرة والمكتبة الخاصة بـ شوقي وتحتوي على كتب في شتى المجالات الثقافية وما سجله شوقي على صفحاتها من مسودات لشعره ونثره ودفاتر لأشعاره ومخطوطات بخط يده.
ويضم الطابق العلوي غرفة نومه الخاصة، حيث كان متأثرًا بالنظام الأوروبي مما دفعه لإقامة غرفة نوم خاصة به وأخرى لزوجته، بالإضافة إلى أنه كان يسهر لوقت طويل لكتابة أشعاره، ويوجد غرفة استقبال خاصة للضيوف المقربين. وتحتوى على مجموعة من الصور العائلية التي تجمعه مع أبنائه فكان أبًا لولدين وبنت ( علي - وحسين - وأمينة )، وهناك غرفة مكتبه الخاص والتي تطل على نهر النيل وفيها صورة له مع زعيم الأمة سعد زغلول وأُطلق على هذه الصورة "صورة الخالديّن".
كما تم تخصيص غرفة للنياشين والأوسمة والجوائز والهدايا التي حصل عليها الشاعر وكذلك شهادات التقدير ومن أبرزهم وثيقة التكريم عندما بايعه الشعراء أميرًا للشعر العربي، وتضم الغرفة أيضًا بدلة التشريفة التي كان يرتديها عند مقابلة الخديوي. وفي الطابق العلوي، صالة مصممة على الطراز الفرنسي تحتوي على مكتبة أخرى بها الكتب التي انتهى من قراءتها، وتضم الصالة مجموعة من اللوحات الزيتيتة وكذلك أشهر 20 مستنسخة لأشعاره، وصورة لنابليون، وزيُن المتحف بمجموعة من لوحات الفن التشكيلي التي أهدتها الفنانة خديجة رياض - حفيدته - للمتحف بمناسبة مرور 50 عامًا على وفاته .
ويعد متحف أحمد شوقي منبرًا تنويريًا متميزًا يقدم الخدمات الثقافية للجمهور كما تقصده رحلات المدارس وزوار مصر من الدول العربية والأجنبية، كما يحتوي على مركز ثقافي "مركز كرمة بن هانئ الثقافي " يضم قاعة عرض متميزة للفن التشكيلي، ويقدم برنامجًا متميزًا من الندوات الثقافية والأمسيات الشعرية والحفلات ، ذلك الجهد الرائع الذي يقدمه العاملون في ذلك الصرح الثقافي العريق الذي يليق بقيمة وقامة أمير الشعراء أحمد شوقي.