دبي – صوت الإمارات
تروي الفنانة الإماراتية فاطمة لوتاه علاقتها مع اللوحة والمرسم بأسلوب خاص، فبالنسبة لها كل لوحة هي باب يفتح إليها في الكون، فالفن هو حياتها، وإن كانت كل لوحة باباً، فالمرسم هو الباب الكبير لهذه الأبواب. في الطفولة كان كل مكان مرسمها، الشارع والمنزل، إذ تعتقد ان الفنان الذي يريد أن يعطي لا تقيده الأماكن، كما أن الصدق مع العمل الفني أساسي، لأنه هو الذي يوصل إحساس الفنان للناس، فاللوحة هي الحياة التي يضعها الفنان فيها، وليست مجرد ألوان أو فكرة.
وبالعودة الى المرسم الأول، وذكرياتها معه، قالت لوتاه في مرسمها في حي الفهيدي: "حين أنهيت دراستي الجامعية في أميركا، نصحني أساتذتي بالانتقال الى إيطاليا لأن الفن الذي كنت أقدمه جيد، فانتقلت الى أوروبا، وكان مرسمي الأول في فيرونا، وذلك في بداية الثمانينات، وكانت مساحته صغيرة، ولكن كان لا بأس به بالنسبة لي، لأني كنت أقدم الفن الادائي، والأخير يتطلب مساحة للترتيب فقط". ولفتت الى أن الفن هو حياتها، وبالتالي المرسم هو المكان الذي تعيش فيه حياتها، منوهة بأنها قبل أن تدخل المرسم ترتب نفسها الى هذا الموعد، فتستمع الى الموسيقى الكلاسيكية التي تعشقها، لأنها تُدخلها في عالم يختلف كثيراً عن الواقع، فهي تشكل التهيئة للعطاء الصادق. وأشارت الى ان هذا التحضير النفسي لا يتبعه تحضير للعمل، لأنها تترك للتلقائية ولمشاعرها كلمة الفصل في اللوحة، كي تكون هي المسيطرة وليس عقلها.
تمضي لوتاه وقتاً طويلاً في مرسمها عندما تحضر لمعرض، فهي ترى ان إنجاز العمل يكون من خلال لحظة متكاملة لا تحب أن تقطعها، كما أنها تعمل على أكثر من لوحة في الوقت عينه، فتتنقل في الرسم بين اللوحات كي تحافظ على روحية المعرض، لأنها لا يمكن أن تعود للوحة في اليوم الثاني، فالأخير يعني أنها ستكون بحالة مختلفة، وهذا سيفسد العمل. وشددت على ان الفنان حين يرسم يكون في حالة عطاء، وبالتالي ان كانت الروح هي التي ترسم فهي مُسيَّرة، فالروح تقول للفنان بأن ينثر طاقة الجمال، ونثرها هذا يُمكِّن الفنان من التواصل جمالياً مع الآخرين.
ولدى لوتاه مرسمان، في إيطاليا، وفي الإمارات، وأشارت الى أن مرسمها في ايطاليا أكبر من مرسمها في الإمارات، وهو مواجه لغابة ولمشهد طبيعي جميل، موضحة أن كل العوامل البيئية لم تؤثر في علاقتها باللون، فحتى حين تكون في إيطاليا ترسم ألوان الصحراء، مؤكدة أنها طالما سمعت تعليقات من الجمهور في فيرونا وأوروبا على أن لوحتها لا توحي بالطبيعة، لا بل إنها تمشي مع لون الصحراء وهوائها. ولفتت الى ان الأرواح حين تولد في مكان، تبقى مرتبطة بالمكان الذي ولدت فيه، ولهذا لا يمكنها إلا أن تعكس الصحراء في عملها.
وأكدت الفنانة الإماراتية فاطمة لوتاه أنه ليس لديها أعمال ليست للبيع، لأن اللوحة بالنسبة اليها هي تبادل طاقة، وليس الغرض منها فكرة البيع والشراء، فالفنان الحقيقي يرسم وهو في لحظة مهيبة مع الكون، معتبرة أن الفنان الذي يدخل المرسم ولا يرتب لنفسه هذا اللقاء، فمن الأفضل ألا يرسم، لأن البيع ليس الهدف الأساسي من الفن.
وعملت لوتاه في دبي في مرسمين، الأول كان صغيراً، ثم بعد عودتها من إيطاليا منحها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، مرسماً في حي الفهيدي، وانتقته كبيراً كي يتسع للمعارض. أما في إيطاليا فبدلت مرسمين أيضاً، والأخير أسسته في بيتها في فيرونا، واصفة المدينة التي تعرف بمدينة الحب بكونها مدينة فائقة الجمال والحب، ومشيرة الى أن هذه المدينة منحتها القدرة على أن تكون نفسها رغم صعوبات الرحيل والفراق. وأشارت الى أن البعد عن الوطن صعب، ولكن إن توافرت وسيلة التواصل، الحنين يكون فقط حنين الروح، معتبرة أن العودة الى الامارات بعد سنوات الفراق، أعادتها الى حالتها. وأوضحت ان ما جعلها تتعب قليلاً هو ان ساحة الفن التشكيلي تواجه صعوبات في الإمارات، كما ان النقد الفني يجب أن يكون على أساس، منوهة بأنها تحاول منذ عام 2009، أن تؤسس وتغرس الثقافة من خلال الأطفال الذين تقدم لهم ورش العمل.
وليس لدى لوتاه حالات ثابتة في تعاطيها مع اللون، إذ تؤكد أن معرضها الأخير نفذته وهي في حالة هدوء تام، علماً أنها في العادة تستمع الى الموسيقى خلال عملها، فهي تُهيئ نفسها من خلال الموسيقى، ولكن ترى ان الحالة أحياناً تفرض نفسها.
وتستقبل لوتاه الضيوف في المرسم، فهي تحب الجلسات مع الأصدقاء، وقراءة الشعر في المرسم، فترى أن العمل تبادل إنساني، والمرسم بالنسبة اليها ليس ملكاً لها، لأن المكان الذي يولد فيه الجمال ملك لكل الناس، مشيرة الى أنها لا تتعاطى مع الفن على أنه مهنة، لأن المهنة تعني انتظار الدخل من العمل الفني، وهي لا تنتظر من فنها المال، ما وفر لها إمكانية خلق ما تشعر به، دون أن تلتزم بما تطلبه سوق الفن.