دمشق - صوت الامارات
فرضها مخرج العرض المسرحي "ثلاث حكايا" عبثية النص المسرحي لمؤلف «قصص تروى» الكاتب والمخرج المسرحي الأرجنتيني أوزوالدو دراكون، تبعتها عبثية مسرحية، إنها ذاتها العبثية الخلّاقة التي اعتدنا عليها من المبدع أيمن زيدان، الذي تمكّن من إدخال المتفرج، عبر شخصيات وحكايا وباستخدام دمى في مشاهد متتالية بين الحكايا الثلاث، في حالة التراجيديا والكوميديا إلى حقائق تصيب الصميم. يُضحكنا المخرج؟ نعم، لكنه الأقدر على أن يوصلنا إلى اللحظات الإنسانية العارية، لنقف عند الحقائق المرعبة في واقع يفرض فقره وبؤسه المذّل مع الآلام، ضمن دوامة صراعات القيم بين الخير والشر من أجل البقاء وتأمين احتياجات مازالت تقف عند الهامش الطبيعي للضرورات. أيمن زيدان، رجل شجاع وصاحب الرقم الصعب، تحدياته في إبداعاته تجعل ممن يتابعها-حتى ولو كان من أصحاب الخبرة- يقف ملتزماً بالصمت مكتفياً بحسن المتابعة. وبتفاصيل أكثر حول عرض «ثلاث حكايا» الذي أخرجه الفنان أيمن زيدان وأعده بالتعاون مع الكاتب محمود الجعفوري عن نص أرجنتيني كما أسلفنا، شارك في التمثيل:مازن عباس، قصي قدسية، خوشناف ظاظا، حازم زيدان ولمى بدور. «ثلاث حكايا» من إنتاج المسرح القومي في مديرية المسارح والموسيقا بوزارة الثقافة ليأتي على صورة «فرجة» كما أرادها المخرج. وللمزيد من التفاصيل نقدم:
مما شاهدنا وتابعنا
قليلة هي المسرحيات المعنية بالواقع السوري، ولكن الفنان أيمن زيدان حقق هذه المعادلة بتقديمه العديد من العروض المسرحية الملامسة لأفكارنا وكل ما يمرّ بحياتنا، فالتجربة الجديدة (ثلاث حكايا) تخوض توليفة الفقر والمعاناة مع الصراعات بين ما هو حق وما هو واجب، والأصعب من كل ذلك القبول بالذل من أجل الحصول على لقمة العيش، أو تحصيل الطبابة، إن المعاناة تصيب الصميم وتذبحه في صمتها الذي يتعالى بضحكات ساخرة من قدر أتاح الفرصة لرؤوس الأموال أن تصل في مطامعها إلى نشر الأمراض عبر منتجاتها، أو سحق البشرية بتحويل أنسنتها إلى حيوان في الحكاية الثالثة (الرجل الكلب)، حيث يستعير زيدان في تقديم توليفته دمى وأقنعة هي من أصل حياتنا، والقناع لا يختلف عن الوجه الحقيقي، فكلاهما سيان في الإذلال لأبطال الحكايا الثلاث. شهد الافتتاح حضوراً وحماساً كبيراً من الجمهور، الذي تفاعل مع (الفرجة) المقدمة متماوجاً بين أجواء الكوميديا والمواقف الكاريكاتورية الساخرة مع التراجيديا، التي فرضها زيدان عندما فتح الباب واسعاً للجرأة المسرحية، كاسراً النمطية المتبعة في تقديم المسرح الجاد.
أيمن زيدان
بداية وفي سؤالنا عن الأسباب التي دفعت المخرج أيمن زيدان لاختيار النص والذي يعود للكاتب والمخرج المسرحي الأرجنتيني أوزوالدو دراكون. قال زيدان: «لاشك أن ارتدادات كل ما مرّ علينا يخلق أمراً يمكنني أن أسميه حالة من التضافر بين الابتسامة مع الوجع، فالنص لكاتب أرجنتيني، وكنا أعدنا صياغته بالتعاون مع الكاتب محمود الجعفوري لنحوله إلى ما يشبه، المرافعة عن الناس البسطاء والدفاع عن هؤلاء الذين تسحلهم الحياة وتضطرهم الظروف القاسية أن نجدهم يعيشون وفق أساليب حياتية بعيدة تماماً عن الإنسانية، ولقد حاولنا أن نقدم هذا في إطار مسرحي فرجوي، مستخدمين فيه -تقريباً- معظم عناصر المسرح الأقرب إلى مسرح الشارع بحيث تقدم فرقة جوالة الحكايا الثلاث، كي تكون الرسالة أكثر تأثيراً بتمازج الجانب الكوميدي مع الجانب الموجع، وبالتالي نُصيب الصميم في الشعور. وبالعودة لسبب اختياري هذا النص، برأيي حتى ولو كان الكاتب أرجنتينياً، فأنا أبحث دائماً عمّا يلامسنا، ويُهمني كثيراً بأن يكون العرض ليس بغريب عن واقعنا، بل أن يكون مؤثراً بالمتلقي، وهذا ما قمت به في العروض السابقة سواء في عرض (سوبرماركت) لـ داريو فلو، أم في مسرحية (فابريكا) لبرانيسلاف نوشيتش. وفي النهاية ليست جنسية الكاتب هي القضية بل طبيعة المادة المطروحة والوجع المعروض، إضافة إلى طريقة التنافر المثارة، فكلّها أمور تحمل التحدي في إيصال الفكر المطلوب من العرض ككل».
وبالنسبة لاختياره المتنوع في عروضه المسرحية لمجموعة الممثلين المشاركين، يضيف زيدان: «في الحقيقة هذا النوع من العروض المسرحية صعب جداً، ويحتاج لممثلين مسكونين بشغف المسرح وحبه الكبيرين، وفي هذا العرض على الخصوص هناك كمّ ليس بهين أبداً من حيث الجهد الهائل، فهناك دمى وتشخيص وشخصيات، وكل هذا يتطلب ممثلين مسكونة قلوبهم بحب المسرح، لذلك تم اختيار مجموعة لديها هذا الشغف، في النهاية لندافع عن المسرح وعن حبنا له وعن هذا العرض».
أما عن اعتماده على الدمى والأقنعة فهو يوضح: «أنا أجد بأن القناع أو الدمية هما دائماً من أجزاء الحياة، وباستخدامها نتبع أسلوباً فرجوياً، ولقد تولينا في هذه الشخصيات مجموعة أنماط (الممرضة، الطبيب، رجل الأمن) هذه الأنماط تشكل حالة عامة ومنتشرة، وهي تُخضع المواطن البسيط -وليس عموماً- لما نثيره من أوضاع. إذاً الدمى والأقنعة هي اقتراح وتحقق حالة من الفرجة والإدهاش وحالة من الفصل، كما وتتيح أيضاً للمشاهد فرصة للتأمل».
خوشناف ظاظا
من جهته يحدثنا الممثل خوشناف ظاظا عن تجاربه الخمس مع المخرج زيدان قائلاً: «هذه هي مشاركتي الخامسة مع الأستاذ أيمن زيدان، وفي كل عرض هناك شيء جديد يطرحه سواء من خلال النص أم الإخراج، (ثلاث حكايا) هو عرض مميز ومغاير للعروض الأخرى، ففي المسرحية طرح جديد على مستوى النص الذي يلامس العمق الإنساني، وهناك أسلوب جديد في الإخراج من حيث التعامل مع الإكسسوار ومجموعة الدمى والشخصيات المتواجدة، كلّها عناصر تجعل من الممثل متنقلاً في حالة حركية دائمة، حيث يخرج من شخصية ليدخل بشخصية أخرى، وللأمانة هذه الأمور تتطلب من الممثل أن يتقن وظيفته من خلال دوره، وأن يلتزم بمسؤوليته في مهمته التي تقع على عاتقه، ليستطيع تحقيق هذه المعادلة».
أما عن دوره يتابع: «أؤدي مجموعة شخصيات في الحكايا الثلاث، كل شخصية تختلف عن الشخصية الأخرى، وأحب هنا أن أشير إلى أمر مهم، بأن بروفات المسرحية عند المخرج أيمن زيدان، لا يصل عددها إلى أكثر من عشرين بروفا، وفي عرض ثلاث حكايا كان هناك أربع بروفات طاولة وخمس عشرة بروفا حركة، وبهذا العدد من البروفات استطعنا إنجاز المسرحية التي استمرت لمدة شهر واحد، وهذا أمر يتعلق بأسلوب إخراج الأستاذ زيدان، من حيث إدارته للممثل، ليستطيع الأخير بأسرع وقت أن يتمكن من الشخصية المطلوبة منه، ومن خلال أدواته بأن يجسدها على الخشبة».
لافتا خوشناف إلى أنه في مسرحية (دائرة الطباشير) كان هناك أقنعة، وكذلك الأمر في مسرحية (اختطاف) و(فابريكا)، كما في الـ(ثلاث حكايا) فالأقنعة والدمى موجودة، ولكن التوظيف مختلف ولا يشعر المتلقي بأن هناك شيئاً مقحماً، بل كل شيء موظف بمكانه الصحيح لخدمة العرض.
قصي قدسية
بيّن الممثل قصي قدسية بأن العرض الحالي متعب جداً ويتطلب تركيزاً عالياً وجهداً ليس بالهيّن من الممثل، وعن دوره يتابع: «دوري الأساسي في هذا العرض هو اللوحة الأولى، وهي (لوحة البائع) الذي هو بالأصل عامل فقير، يتحول لبائع نتيجة ضغط الحياة والفقر والاقتصاد، وله حكاية تراجيدية في المسرحية، وهي ألم الأسنان الذي يعاني منه، ويذهب إلى أكثر من طبيب، لكنه لا يستطيع تحمل نفقات العلاج، ولا يستطيع أن يشتري الدواء إلى أن يموت هذا البائع بمشهد تراجيدي حقيقي، كما أنني أؤدي مجموعة من الشخصيات المتناوبة في هذا العرض المسرحي».
وعن تجربته مع المخرج زيدان يضيف: «هذه تجربتي الثانية مع الأستاذ أيمن، عملت معه سابقاً في مسرحية (دائرة الطباشير)، ولاشك أن العمل مع الفنان زيدان هو عمل مختلف عن أي عمل مسرحي آخر، وهو عمل صعب جداً، لكنه الصعب الممزوج بالمتعة الخالصة التي دائماً يتمخض عنها عرض مختلف، وبالطبع كل من الجمهور والإعلام مدرك لهذا الموضوع من خلال المتابعة. وأنا كممثل عندما أعمل مع الأستاذ زيدان أصل إلى حالة من الإشباع، ويصبح من الصعوبة بعد العمل معه أن أقوم بعمل آخر فوراً بعد شهر أو اثنين، لكون التجربة غنية ومهمة أيضاً، وهذا الرجل قامة إنسانية وفنية كبيرة، بل هو استثناء».
الفنان مازن عباس
بينما حدثنا الممثل مازن عباس بأن تجربته مع زيدان مقصودة، وكان عمل عليها كثيراً في السنوات الأخيرة: «بعد انحطاط النفوس والفن، كان لابد أن أعود إلى النقطة التي تشبه الهواجس التي كنت أحلم بها عندما كنت في المعهد، وبصدق عندما كنت أحضر عروض-زيدان-المسرحية، أتمنى كثيراً أن أكون موجوداً في أحدها، وهذه المرة تحققت أمنيتي، وأنا أعتبر نفسي محظوظاً جداً لأن اختيار المخرج زيدان وقع علي لأكون ضمن قائمة الممثلين العاملين في عرض (ثلاث حكايا)، وهنا أحب أن أقول كلمة حق في هذا الرجل، فهو فنان بكل معنى الكلمة، وهو باحث من الطراز الأول، وفنان حساس ولامع، وأنا في هذه التجربة أشعر أنني أتخرج من جديد، فتوتري الشخصي الحالي، يشبه توتري في أثناء التخرج، فالعمل معه على الصعيد الفني أو التمثيلي أعلى مما يتخيله الفنان، وبالنسبة لي كممثل أعدت اكتشاف أدواتي التي جعلها التلفزيون تصدأ».
أما عن دوره في المسرحية يتابع: «العرض (ثلاث حكايا) تراجيدي جداً، بل هو مغامرة مسرحية، ففيها جميع أشكال وأساليب المسرح، حتى إنها تضرب عرض الحائط بتقاليده. وبالنسبة لدوري أنا أجسد شخصية (الرجل الكلب) في الحكاية الثالثة وهي شخصية بائسة، وتطرح السؤال: هل من الممكن أن يصبح المرء كلباً ليحصل على لقمة العيش، وهل يتحول الإنسان إلى كلب كي يتمكن من إشباع جوعه».
حازم زيدان
من جانبه يوضح الممثل حازم زيدان أن السمة العامة للمسرحية لا تقتصر على ثلاث حكايا لثلاث شخصيات: «الصفة العامة للعرض وجود مجموعة كبيرة وهائلة من الشخصيات، يقوم بأدائها جميع الممثلين في المسرحية، والتي لها أسلوب خاص لكونها لا تتضمن ثلاث حكايا منفصلة عن بعضها، بل تحكي قصة فرقة مسرحية جوالة تقرر أن تقوم بتقديم وتشخيص ثلاث حكايا مختلفة بأسلوب وإطار واحد ولكنه مختلف جداً، حيث كل واحد من الفرقة يؤدي أكثر من شخصية، فندخل ونؤدي دوراً، لنخرج ونؤدي غيره مازجين بين التراجيديا والكوميديا». مؤكداً في ختام حديثه أن خشبة المسرح هي حجر الأساس التي على الممثل أن يعود إليها، لينطلق بعد تحديث مهاراته وتجديدها، على الرغم مما يتطلبه الوقوف على الخشبة من تعب وجهد كبيرين.
لمى بدور
على حين حدثتنا الممثلة لمى بدور عن تجربتها مع المخرج أيمن زيدان مشيدة بحقيقته الإنسانية والخِبراتية على المسرح قائلة: «هناك الكثير من الدفء والحقيقة في العمل مع الأستاذ أيمن زيدان، وهذا أمر لا نلمسه في واقعنا العملي، كما أنه عبر تاريخه الكبير بعطاءاته يضعنا دائماً أمام حالة من الدهشة، لخبرته وقدرته على إيجاد الحلول والاقتراحات لإتمام مسيرة العمل الفني الذي يقوم به». وأما عن دورها في مسرحية (ثلاث حكايا) تضيف: «في المسرحية أؤدي دور زوجة الشخصية التي يُحكى عن قصتها في الحكايا الثلاث الموجعة، والكوميديا داخلة في المفاصل ما بين الحكايا، وفي دوري أنا أحمل الجانب الوجداني أكثر، وليس لديّ جزء كوميدي كبير فيها».
يوسف المقبل
كما أسلفنا لم يتجرأ -رغم الاحترافية المدعاة- على الحديث عن العرض، إلا فنان أصيل يمثل حجر الأساس في المسرح السوري، الفنان يوسف المقبل الذي عبر عن متعته في مشاهدة العرض قائلاً: «بصراحة أن يقدِم الفنانين على العمل المسرحي في ظل الأوضاع الحالية هو بحدّ ذاته إنجاز، والإنجاز الآخر هو اختيار المبدع زيدان للنص، والذي كان موفقاً فيه، لكون الأخير قريباً جداً مما يدور في مجتمعنا، وانحياز هذا العرض للفقراء ومعاناتهم في الصراع لتحصيل لقمة العيش بمواجهة الغلاء المعيشي، كما أن الفنان أيمن زيدان عوّدنا على هذا النوع من العروض التي تذهب باتجاه الكوميديا الساخرية من كل شيء وحتى من المآسي، والسخرية منها بالطريقة التي تمت في العرض، هذا النوع من التقديم والإخراج يجيده المخرج بشكل جيد، واستطاع الممثلون كفريق عمل تقديم شيء جميل جداً، كما سيستقطب العرض حضوراً كبيراً من الجمهور».
وأكد المقبل على دور المسرح الحقيقي والفاعل بنقل معاناة الشارع وهمومه: «من الضرورة أن يقدم المسرح أفكاراً جريئة جداً، من أجل تحقيق الغاية بالارتقاء فنياً وجمالياً وفكريا للشارع، وأن تشير الأفكار إلى مواضع الخلل في المجتمع، حتى ولو جاءت بشكل جاد وبعيدة عن الكوميديا، فالتسلية الفارغة لا معنى لها وهي غير قادرة على نقل الهموم».
قد يهمك أيضًا
مُعاذ العوفي يُبيّن طبيعة التغير الواضح الذي حدث في المدينة المنورة
انطلاق أول معرض سنوي لـ"الكِتاب الإماراتي" في الشارقة