إكسبو شيكاغو 1893

أقيمت مراسم التكريس لإكسبو في 21 أكتوبر 1892، ولم يتم افتتاحه للجمهور إلا بعد مرور عام على ذلك. وقد ساعد إكسبو أيضاً في تجسيد نهضة شيكاغو، التي ولدت من رماد الحريق الذي دمّر المدينة في عام 1871. وهو بمثابة أكبر تحدٍ لإقامته وقد حقق رقماً قياسياً عالمياً في حضوره في الهواء الطلق ووفر أموالاً كبيرة، وسدد ديونه البالغة قيمتها 1.5 مليون دولار (أي ما يعادل 41.8 مليون دولار في الوقت الحالي).

وشارك العديد من القادة المدنيين والمهنيين والتجاريين البارزين من أنحاء الولايات المتحدة في تمويل وتنسيق وإدارة إكسبو شيكاغو، منها سكك حديد شيكاغو، و«كونيتيكت» للخدمات المصرفية والتأمين ومنتجات الحديد وغيرها من الشركات العملاقة.

ونهض إكسبو شيكاغو وسط النمو الصناعي وإقبال الهجرة إلى أمريكا، واشتداد التوتر الطبقي، وكان له الدور نفسه الذي لعبه إكسبو كريستال بالاس في لندن عام 1851، كوسيلة ناجحة لجمع المجتمعات الأوروبية المجزأة والقائمة على الأسس الطبقية آنذاك.

توحيد الأمريكيين

ولعب إكسبو شيكاغو دوراً كبيراً في توحيد الأمريكيين وجذب رجال الأعمال من مدن أمريكية عديدة مثل سانت لويس ونيويورك وواشنطن وشيكاغو، من أجل تعزيز القيم العقارية وتحقيق الأرباح. ومن العجيب أن مدناً كثيرة ساعدت شيكاغو لإقامة هذا الإكسبو، التي جمعت ملايين الدولارات في غضون 24 ساعة، وأقنعوا الكونغرس على عقده، كما تم طرحه في جلسة استماع لمجلس الشيوخ في يناير عام 1890 وجادل أحد النواب وهو توماس ب. بريان بأن أهم صفات إكسبو شيكاغو هي «الإمدادات الوفيرة من الهواء النقي والمياه الزرقاء، وتخصيص مساحة واسعة لإقامة وسائل النقل للعارضين والزوار، ومن ثم اشتد الجدل حول عوائق نيويورك في إقامة مثل هذا الإكسبو لعدم توفر الأراضي لذلك حيث يتمكن الحرفي والمزارع وصاحب المتجر والناس المتواضعون من إمكانية الوصل بسهولة إليه.

 الهندسة المعمارية

ومن العناصر المهمة التي شكّلت إكسبو شيكاغو الهندسة المعمارية وفن النحت، حيث تمكن من جمع أفــضل المواهب المتألقة آنذاك. وولدت أول ناطحة سحاب في هذا الإكسبو، وهو مبنى راند ماكنلي في شارع آدمز، مصنوع من الصلب تماماً. وقد استــوحى إكسبو شيكاغو الكثير من إكسبو باريس العالمي لعام 1889، حيث احتوى على قرى إثنولوجية، من جميع الأعراق والأجناس، واحتج قادة الحقوق المدنية على رفض قبول الإكسبو للأمريكيين من أصول أفريقية، ما أدى إلى صدور كتيب تحت عنوان «السبب وراء عدم تواجد الأمريكي الملون في إكسبو شيكاغو ـــ مساهمة الأفرو أميركيون في الأدب الأمريكي»، ثم حاول بعض الأفراد السود أن يعرضوا معروضاتهم بعد موافقة منظمي المعرض من البيض بشكل استثنائي، ومن ضمنها معرض النحات إدمونيا لويس، ومعرض رسم للعالم جورج واشنطن كارفر، ومعرض إحصائي أعده جوان إيموجين هوارد وكان من المفترض في الأصل أن يكــون مغلقاً أيام الأحد، لكن نادي المرأة في شيكاغو طلب فتحه أمام العمال والموظفين الذين لا يعملون في هذين اليومين.

أجنحة خاصة

وفي الواقع، يمكن القول إن إكسبو شيكاغو كان بداية للفن والهندسة المعمارية في «عصر النهضة الأمريكية»، وعرضت الأساليب الكلاسيكية الجديدة والفنون الجميلة المزدهرة ومن الأشغال المهمة هي إعادة افتتاح وترميم حديقة جاكسون إلى مكانتها كمتنزه عام بعد أن تحولت إلى مستنقعات مائية، ومن ثم أعيد تشكيل هذه البحيرة لتمنح الإكسبو مظهراً طبيعياً.

وكان لأربـع وثلاثين ولاية أمريكية أجنحة خاصة بها، وكذلك أربعة أقاليم أمريكية تقع أجنحتها تابعة في مبنى واحد: وهي أريزونا ونيو مكسيكو وأوكلاهوما ويوتا. وأعطيت لزوار جناح لويزيانا شتلة من شجرة السرو، ما أدى إلى انتشارها في المناطق المجاورة.

منافسة

شهد إكسبو شيكاغو منافسة قوية بين المدن الأمريكية الرائدة لعرض منتجاتها وابتكاراتها، وتم اختيار شيكاغو لأنها كانت مركزاً للسكك الحديدية، ولأنها عرضت ضمانة بقيمة 10 ملايين دولار.

هياكل

 مؤقتة

تم تصميم جميع هياكل إكسبو شيكاغو تقريباً لتكون مؤقتة؛ وصل عددها إلى أكثر من 200 مبنى تم تشييدها، والمبنيان الوحيدان اللذان لا يزالان قائمين هما قصر الفنون الجميلة ومبنى الكونغرس العالمي.

ونجت ثلاثة من المباني المهمة الأخرى: الأول هو مبنى النرويج، وهو عبارة عن كنيسة خشبية تقليدية والثاني هو مبنى ولاية ماين، الذي صممه تشارلز سومنر فروست، والثالث سفينة الفايكنج التي تم إبحارها من النرويج. تم استخدام الكهرباء لتزيين المباني بالأضواء المتوهجة، وإضاءة النافورات، والمصابيح الضخمة. وقد أسهمت عدد من الشركات التجارية المعروفة في هذا الإكسبو منها جنرال إلكتريك، وفريش، ويسترن إلكتريك، ووستنجهاوس، كما تضمن ابتكارات العصر: لوحة مفاتيح، مولدات متعددة الأطوار، خط نقل، محولات، محركات، مولدات التيار أجهزة توفير الطاقة وغيرها إضافة إلى الهدايا التي أودعت في المتاحف الأمريكية مثل تصاميم بطاقات بريدية، مراوح قابلة للطي مع توضيحات للمناظر الطبيعية والهندسية المعمارية، وسك النقود المعدنية آنذاك.

عجلة فيريس

وكان إكسبو شيكاغو عبارة عن كرنفال، تم الاحتفال بدولاب الهواء «عجلة فيريس» الأصلية أو «عجلة شيكاغو» التي بناها جورج واشنطن، وارتفاعها 264 قدماً (80 متراً) وتحتوي على 36 مقصورة، تستوعب كل منها 40 شخصاً، استوحت استخدامها العديد من دول أمريكا اللاتينية مثل كوستاريكا وتشيلي.

وشاركت 46 دولة في إكسبو شيكاغو بأجنحتها الخاصة بها، حيث شاركت سفينة فايكنغ، وهي نسخة طبق الأصل من سفينة غوكستاد التي تم بناؤها في النرويج وأبحر عليها 12 رجلاً عبر المحيط الأطلسي، بقيادة الكابتن ماغنوس أندرسن في عام 1919 تم نقل هذه السفينة إلى حديقة لينكولن.

المدينة

 النبيلة

تم وصف إكسبو شيكاغو على أنه المدينة البيضاء التي هربت من الأرض، حيث تكمن المياه الزرقاء الصافية.. إنها المدينة النبيلة ولدت، المدينة الرمادية التي لا تموت، فيما جذبت فعاليات المعرض 26 مليون زائر كما تم اكتشاف الطباعة الحجرية لأول مرة في إكسبو شيكاغو.  ومن الذكريات المؤلمة في إكسبو شيكاغو حدث بانتهائه اغتيال عمدة المدينة الشهير كارتر هاريسون الأب على يد باتريك يوجين برندرغاست قبل يومين من اختتامه لذلك تم إلغاء الاحتفالات الختامية لصالح حفل تأبين عام.

حديقة واسعة

ومن مميزات إكسبو شيكاغو إنشاء مخطط حديقة واسعة تحتوي على العديد من المباني المنفصلة بدلاً من قاعة كبيرة مفردة على طول منطقة البحيرة الجنوبية بالمدينة وجزء من هذا الموقع هو الآن جاكسون بارك في شيكاغو.

ودعم إكسبو شيكاغو عمليات التطور المعماري، حيث كانت المباني مضاءة كهربائياً وأدت إلى زيادة الاهتمام بالعمارة الكلاسيكية، وكان الزوار يجدون الإثارة وراء الواجهات الهادئة والأعمدة الكلاسيكية ودخلت الكهرباء لأول مرة في أمريكا بعد أن تم استخدامها في إكسبو باريس 1889، ولكن في 1893 كانت لا تزال غير مألوفة لدى معظم الأمريكيين وتم افتتاح إكسبو شيكاغو بواسطة عمل درامي بدفع زر على منصة احتفالية وتشغيل الطاقة الكهربائية.

وتضمن إكسبو شيكاغو نسخاً بالحجم الطبيعي لسفن كريستوفر كولومبوس الثلاث: سانتا كلارا وبينتا وسانتا ماريا وتم بناء السفن، مشروع إسباني أمريكي مشترك بين الحكومتين وقد صُنعت هذه السفن في إسبانيا ثم أبحرت إلى أمريكا كما تم عرض قاطرة جون بول، الذي كان عمره 62 عاماً بعد أن تم بناؤه عام 1831.  وتوجهت القاطرة من واشنطن إلى شيكاغو للمشاركة في الإكسبو وعادت إلى واشنطن عند انتهائه وفي 1981 انطلقت أقدم قاطرة بخار قابلة للتشغيل في العالم.

انعقد إكسبو شيكاغو تحت اسم إكسبو كولومبيا في مدينة شيكاغو عام 1893 للاحتفال بالذكرى السنوية الـ 400 لوصول كريستوفر كولومبوس إلى العالم الجديد في عام 1492، حيث فازت مدينة شيكاغو في استضافته من بين العديد من المدن الأمريكية الأخرى، لأنها تفوقت على نيويورك وواشنطن وسانت لويس لقدرتها وإمكاناتها في البنية التحتية. وسرعان ما تحول إلى حدث اجتماعي وثقافي مؤثر في ميادين عديدة، منها العمارة وتقنيات قنوات الصرف الصحي والفنون، بل إن هذه المدينة أصبحت رمزاً للتفاؤل الصناعي وازدهاره.

وقام بتصميم إكسبو شيكاغو كل من جون ويلبورن روت ودانييل بورنهام وفريدريك لو أولمستيد وتشارلز ب. أتوود، متبعين مبادئ الفنون الجميلة في التصميم، أي الهندسة المعمارية الفرنسية التقليدية الحديثة القائمة على التناظر، والتوازن، والجمال. وتم تغطية واجهات المباني باللون الأبيض حتى أطلقوا على الإكسبو المدنية البيضاء، وظلت مصدر استيحاء للعديد من الأعمال الفنية في ما بعد.

وغطى إكسبو 2.8 كلم مربع، وضّم ما يقرب من 200 مبنى جديد، تم بناؤه مؤقتاً وسط القنوات المائية والبحيرات، شاركت فيه 46 دولة، وحضر فعالياته نحو أكثر من 27 مليون شخص خلال 6 أشهر. ولم يتجاوز إكسبو شيكاغو في حجمه وعظمته معارض إكسبو الأخرى، بل أصبح رمزاً للفرادة الأمريكية الناشئة، مثلما صار إكسبو لندن 1851 رمزاً للعصر الفيكتوري

قد يهمك أيضًا

اكتشاف أثر آخر سلف للإنسان "نياندرتال" في جبل طارق

مثقفون ومشاهير مرُّوا من المغرب فعشقوها وألهمتهم أسرار الإبداع