بيروت - مصر اليوم
الرقابة في لبنان، كغيرها في دول العالم العربي يحكمها ثالوث الدين والجنس والسياسية. إنه ذلك الثالوث الذي بموجبه يمنع هذا الفيلم من العرض أو ذلك الكتاب من النشر، في وقت يعج فيه "فيسبوك" و"يوتيوب" مثلا بمواد قيل أنها منعت. هناك آلية معتمدة عادة في الأمن
العام اللبناني، تخول منع أو سحب تراخيص أفلام، وهي تقوم وفقاً للشروط الآتية: "أن لا تتطاول على الذات الإلهية، أو تحقّر الأنبياء والكتب السماوية، وأن لا تحوي مشاهد جنسية أو ألفاظ جنسية منفرة، وأن لا تتوجه بالاسم الحقيقي إلى الشخصية في حال كان الفيلم يتناول سيرتها الذاتية".
بيد أن الناقد الصحافي، بيار أبي صعب، يرى أن العلاقة التي تربط جهاز الأمن العام بمسألة الرقابة على السينما والمسرح قديمة جداً. ويشير إلى أن شخصية وزير الإعلام وسياسة الحكومة تلعبان دوراً في السماح أو عدمه لمسرحية أو فيلم بالعرض، إنه رغم كل الجدل حول منع مشاهد وأحاديث جنسية، فقد سمحوا بعرض مسرحية لينا خوري بعنوان "مونولوغ المهبل" التي تحولت إلى مادة تجارية رائجة.
أنواع الوصاية
ويتحدث أبي صعب، مسؤول القسم الثقافي في صحيفة «الأخبار» اللبنانية، عن ثلاثة أنواع من الوصاية: الأولى، لها علاقة ببنية لبنان الطائفية، حيث أصبح الأمن العام بمثابة «باش كاتب» عن الطوائف. فقد يمكن السماح لفيلم ثم العودة عن قرار السماح بضغط من المؤسسات الطائفية؛ كفيلم مارك أبي راشد "النجدة" الذي يتحدث عن علاقة جنسية ثلاثية تشمل شخصاً مثلياً.
أما فيلم نادين لبكي "هلق لوين" فقد جرى تقطيعه في مساومة واضحة مع الأمن العام، ومع ذلك تعرض للنقد من الهيئات الدينية وبعض فئات المجتمع.
ويشير الناقد أيضا إلى ما حصل مع فيلم "طيارة من ورق" للمخرجة رندة الشهال بطولة زياد الرحباني، إذ تم منع قناة "الجديد" من بث هذا الفيلم لأنه يحتوي مشهداً تظهر فيه إحدى شيخات الموحدين الدروز وهي تشتم الجندي، بحجة أن الشيخات لا يتفوهن بالشتائم والسباب.
ويتابع أبي صعب أن الوصاية الثانية لها علاقة بذاكرة الحرب الأهلية، «فإذا كانت من واجبات الفن التذكير بالحرب حتى لا تتكرر، فإن في لبنان يحدث العكس، إذ تدخلت السلطات إرضاءً لأحد الشخصيات الحزبية النافذة لمنع عرض فيلم "شو صار" لديغول عيد، والذي يحكي عن إحدى مجازر الحرب التي طالت عائلته». في هذا الفيلم، يتهم المخرج عيد أحد مسؤولي حزب نافذ ومجموعة من مسلحيه بقتل أفراد من عائلته أمام عينيه، حين كان في سن الثانية عشرة.
الوصاية الثالثة، حسبما يروي الصحافي اللبناني، تتعلق بنقد السياسيين، فقد قام المخرج جو بوعيد، بإخراج فيلمه "تنورة ماكسي"، وهو يتهم حزب "القوات اللبنانية" في الفيلم بالطائفية وبخوض الحروب الأهلية، الأمر الذي أزعجهم فضغطوا لمنعه عبر المركز الكاثوليكي للإعلام والكنيسة.
كذلك في فيلم دانيال عربيدة "أوتيل بيروت"، حذفت جملتان منه تتطرقان إلى قضية اغتيال رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري وعلاقة الطائفة الشيعية بهذا الاغتيال من خلال الإشارة إلى شخص يُصوّر على انه على علاقة بالجريمة ويدعى عباس.
أما فيلم "أيام خضر" فقد تم منعه من العرض في مهرجان بيروت للسينما عام 2010 بذريعة زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى لبنان. واتّهمت السفارة الإيرانية بالتدخل والتوسط لدى وزير الداخلية مروان شربل، ليمنع عرضه، مع أن دائرة الرقابة أعطت ترخيصاً لعرض الفيلم بكل حرية، ولكن بعد 3 أيام تلقت لجنة المهرجان السينمائي اتصالاً من الدائرة يحذرها من عرضه.
المشكلة في المجتمع
من جهته، لا يرى المخرج سيمون الهبر، أن المشكلة تكمن في المؤسسات الدينية، إنما «في المجتمع الذي يوحي إلى أن هذه المؤسسات أنه يحق لها بأن تتدّخل وتقرر عنه ما يصلح وما لا يصلح».
وحول فيلمه "سمعان بالضيعة"، يوضح المخرج الشاب أن الأمن العام قرر حذف مشهد يستغرق ست دقائق من الفيلم، بذريعة "تهديد السلم الأهلي". وفيه يقول أحد الأشخاص: "لما انسحبوا الإسرائيلية من الجبل، أعطوا الضوء الأخضر للاشتراكية وهجموا علينا"، مشيراً إلى أن هذا الحذف دفع بعض الشبان إلى التحرك احتجاجاً على سياسة الرقابة.
ويضيف الهبر أن «مؤسسات الرقابة تلعب دورا مكمّلا للسياسيين، حسب الحاجة. وأحيانا يتم التهجم عليها من قبل المجتمع والسياسيين كونها لا تخدم ما يسمّى "مصلحة الطائفة"، طبعاً حسب مفهوم وتعريف كل جهة لـ"مصلحة الطائفة"!».
الباحثة في شؤون الرقابة المُسبقة نادين كنعان، خصصت رسالتها الجامعية (ماجستر) عن هذا الموضوع، معتبرة أن إشكاليات القانون في لبنان، سببها أن النصوص تعود إلى حقبة العثمانيين، والمادة التي يتم التذرّع بها تستند إلى مرحلة الانتداب الفرنسي. كما ترى كنعان أن «الإشكالية تكمن في أن لجنة الأمن العام مؤلفة من أشخاص غير مختصين، بل ممثلين عن الوزارات في الدولة وهم غير مؤهلين لتحديد ما هو صالح أو فني".
وتؤكد الباحثة أن "الأمن العام أوكِلت إليه مهمة لا علاقة له بها، وليست من اختصاصه بسبب تلطي السياسيين خلفه وتأثره بالأحزاب السياسية والقيادات الروحية والمؤسسات الدينية. لذلك هناك "استنسابية" في طبيعة كل قرار وبحسب المرحلة السياسية السائدة. هذا يؤكد عدم وجود معايير واضحة». لكن كنعان تبشّر بمشروع قانون جديد للرقابة يقوم بإعداده عدد من الناشطين الحقوقيين والمثقفين.