لندن ـ مصر اليوم
يلتقي عشاق الفن الإسلامي والمقتنيات الفنية والتراثية النادرة الثلاثاء المقبل، في صالة مزادات «بونهامز» في العاصمة البريطانية للاستمتاع والاطلاع واقتناء روائع ما صنعه الفنانون والخطاطون على مدى عقود من الزمان وسيعرض في المزاد العالمي قطع فنية من فنون العالمين الإسلامي والهندي النادرة، الذي يتوقع أن تضرب بعض معروضاته الرقم القياسي في الأسعار، نظرا لجودتها وجمالها وندرتها، فبالإضافة إلى بعض من صفحات المصحف الكريم النادرة جدا والمكتوبة بالخط الكوفي القديم والنسخ وعلى جلد الغزال، وصفحات ومخطوطات أخرى
من العصر العثماني وموقعة بأسماء خطاطيها مثل عبد الله بن عمر البدوي من القرن 15. وأشعار شيخ الإسلام يحيى أفندي بن زكريا نسخها عبد الرحمن عثمان من تركيا مؤرخة بديسمبر (كانون الأول) 1646. وهناك أيضا مجموعة من الأواني الخزفية من أزنيك وأخرى فارسية وتركية جميلة وبجميع أنواعها، وكذلك بلاطات من القيشاني المزخرف تدل على الذوق الرفيع لدى المسلمين في تلك الأيام. ويعتبر مزاد بونهامز من أقدم دور المزادات العلنية في العالم ومنشؤها بريطانيا. وستعرض صالة بونهامز للمزادات أيضا بعض اللوحات الإسلامية والهندية النادرة والسيوف والخناجر والمجوهرات والأواني المعدنية الجميلة من حقب مختلفة، يعود تاريخ صنع بعضها إلى أكثر من ثلاثمائة عام، وهناك أيضا مجموعة نادرة تنوعت بين القطع المعدنية والمخطوطات لأسلحة والفخاريات والمنسوجات إلى جانب الرسومات التي تحتل غرفة منفردة. المعروضات تمثل مرحلة زمنية شاسعة تمتد من القرن السابع الميلادي وحتى القرن التاسع عشر.
ومزاد الثلاثاء المقبل في دار بونهامز يعتبر صغيرا نسبيا، بالنسبة لمزاد أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام، بحسب اليس بيلي رئيسة قسم الفنون الإسلامية في دار بونهامز، التي أكدت في اتصال هاتفي أجرته معها «الشرق الأوسط» أن مزاد الثامن من أكتوبر المقبل في بوند ستريت بوسط لندن سيكون الأكبر، مشيرة إلى أن مزاد الثلاثاء المقبل على أكثر من 400 قطعة من الفنون الإسلامية والهندية سينتهي في نفس اليوم. وتوقعت الخبيرة البريطانية بيلي أن تحظى القطعة رقم 266، التي تتصدر صورتها غلاف كتالوج بونهامز، العدد الأكبر من المضاربات، وقالت: إنها عبارة عن طاولة شطرنج مطعمة بالصدف والعاج، تعود أساسا لمحمد علي جناح الذي يعرف بالقائد الأعظم مؤسس جمهورية باكستان أحد أبرز شخصيات شبه القارة الهندية في النصف الأول من القرن العشرين، وقد شهدت القضية الكشميرية في عهده ولادتها تاريخيا مع بداية التقسيم عام 1947 وما صاحب ذلك من أزمة سياسية بين البلدين أدت إلى اندلاع أولى الحروب بينهما في العام نفسه، وتعرض دار بونهامز سعر نحو 4 آلاف إسترليني لطاولة الشطرنج، ولكن من المتوقع أن تباع بأضعاف كثيرة من الثمن المعروض، ويعود تاريخ الطاولة إلى بدايات القرن 19.
ومن المعروف أن مزادات بونهامز العالمية تأسست في عام 1793. وهي تنافس مزادات سوذبي، وتعمل حاليا في 27 دولة وتقوم عادة بتنظيم المزادات بشكل متزامن في أربع قارات.
ويستمر مزاد الفنون الإسلامية والهندية الذي سيعقد الثلاثاء المقبل في وسط لندن في تلبية الطلب العالمي على الأعمال الفنية ذات الصبغة الإسلامية والهندية النادرة وذات المستوى الفني العالي، وسيضم المزاد أكثر من 400 عمل فني تغطي منطقة جغرافية وزمنية واسعة النطاق.
ويحرص عشاق المقتنيات النادرة على المزايدة عليها وشرائها بقصد التمتع بروعتها والاحتفاظ بها كثروة مضمونة يزيد سعرها الجمالي والمادي عاما بعد عام.
والتجول بين معروضات مزاد بونهامز يحملنا إلى نوع مختلف من الفنون يبدأ من الأواني المزخرفة بالذهب والتي تحمل النقوش الإسلامية، لينقلنا إلى صفحات المصاحف المزخرفة، منها صفحة نادرة تعود إلى العصر المملوكي من مصر وهو القطعة رقم 159 وهي مكتوبة بخط الثلث، وتعود للقرن الـ14. كما يقول أحد مسؤولي قسم الفنون الإسلامية في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، وتحتوي على آيات من سورة القمر، : «سيهزم الجمع ويولون الدبر، بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر، إن المجرمين في ضلال وسعر»، وبالإضافة إلى مجموعة من الأواني الخزفية المتنوعة تؤرخ اللوحات الموجودة في الصالة مشاهد نقلها الفن الاستشراقي عن الحياة في الشرق والتي تحمل تفاصيل بسيطة حول الملامح الشرقية والعثمانية بدءا من الناس ووصولا إلى تفاصيل حياتهم الاجتماعية وجلساتهم الخاصة. وهناك مجموعة من التصاوير العثمانية على قطع من الحرير الخالص تصور وجوها بملابس عثمانية في الحياة اليومية يعزفون الموسيقى ويتحدثون إلى بعضهم البعض ويدخنون النرجيلة، وهي من مجموعة لورنزو وتعرض للمرة الأولى.
وبالنظر إلى زخارف وتفاصيل عشرات القطع المعروضة في المزاد يترسخ يقيننا أن الفن الإسلامي لا يخص بلادا معينة أو شعبا معينا. فهو فن حضارة كاملة، والذي ظهر نتيجة اجتماع ظروف تاريخية من الفتوحات العربية في العالم القديم، حكم الإسلام لبلاد كثيرة ودخول شعوب كثيرة إلى هذه المناطق. في بداية طريقه، ظهر الفن الإسلامي على أساس التقاليد الفنية التي سادت البلاد المختلفة قبل الفتوحات الإسلامية، وفي منتصف القرن التاسع وجد الفن الإسلامي طرق تعبير ذاتية، ويدمج الفن الإسلامي في طياته بين تقاليد مختلفة أبرزها التقاليد العربية والتركية والإيرانية. هذه المصادر الثلاثة تم دمجها لفن واحد، انتشر مع مرور الزمن في كل أنحاء العالم الإسلامي، وعلى هذه الخاصية الفريدة حافظ الفن الإسلامي حتى العصور الحديثة وهو فن متجانس على الأغلب. رغم أنه يحيط بلادا واسعة مختلفة في مزاياها، وهناك عدة أسباب لهذا التجانس، أبرزها لجميع هذه البلاد دين واحد الدين الإسلامي. ثانيها، أسلوب الحكم في هذه البلاد واحد، رجل واحد يقف على سدة الحكم، وكذلك أسلوب الحياة متشابه، وهو ما نجده في الفنان المسلم الذي ذوق الصفحات القرآنية والقطع الخزفية برسوم نباتية وآيات جميلة، ومن أهم سمات الفن الإسلامي هي، كما نرى في التجول بين ردهات مزاد بونهامز، الفلسفة التي يقوم عليها من حيث الاعتقاد، فالمسلم يرى الله بقوته وعظمته ورحمته هو مركز الكون وكل شيء يبدأ منه ليعود إليه. يرى ذلك جليا في استخدام النقوش المتوالدة والمتناظرة التي تتمركز حول عنصر لتدور وتعود إلى نفس التكوين. والفن الإسلامي بحسب الخبراء، ليس فنا دعويا كما في المسيحية، ولكنه نفعي بالدرجة الأولى بمعنى أنه يحاول تجميل القطع النفعية للاستخدامات اليومية، فزين الفخار والصحون ونقش الجدران والسلاح، إيمانا منه بأن الحياة بسيطة، ولكنها أيضا ليست فارغة من الجمال. لذلك ترى المنتجات الفنية الإسلامية مجهولة المصدر أو الصانع، لأن من يصنعها لم يقصد منها تقديم نفسه كفنان مستقل، ولكنه كان يحرص على تقديم شيء جميل ينتفع، لقد تطرق الفن الإسلامي إلى مجالات عدة، كالفخار والبناء (المساجد والقصور) والمعادن (السلاح والأواني والحلي)، والنسيج السجاد والأقمشة، كما عرف الفن الإسلامي التعامل مع بعض الخامات بابتكارية جميلة كالورق والجلود والخشب ووظفها بحرفية عالية. فتجد النجارة في الفن الإسلامي قد أسست لعلم جديد وإبداعي في استخدام الخشب وتطويعه بطرق غير مسبوقة كالأرابيسك والمعشقات وفن المفروكة. أما عن الفن الفريد الذي كان للقرآن الكريم بالغ التأثير عليه فهو فن الخط العربي الذي برع فيه المسلمون على اختلاف أعراقهم بل إنك لتجد عرقية مسلمة في جهة من العالم قد طورت لها خطها العربي المميز كما حدث مع الخط الفارسي في بلاد الهند والسند وخراسان، أو الخط الديواني كما في تركيا. لقد تطرق الفن الإسلامي إلى مجالات عدة، كالفخار والبناء (المساجد والقصور) والمعادن (السلاح والأواني والحلي)، والنسيج (السجاد والأقمشة). كما عرف الفن الإسلامي التعامل مع بعض الخامات بابتكارية جميلة كالورق والجلود والخشب ووظفها بحرفية عالية.
وفي المزاد نجد القطع من رقم 61 حتى 75 وأغلبها يعود إلى أسلوب خزف أزنيك نرى براعة الخزاف المسلم في العصر العثماني، حيث تأثرت صناعة الخزف التي كانت سائدة في أزنيك بالعثمانيين الذين قاموا بفتح بورصة، وقام أساتذة صناعة الخزف في المرافق الموجودة ضمن سراي العثمانيين بصناعة الأطباق، والمزهريات، والكؤوس، والأواني. ويقال: إنه كان يوجد أكثر من 300 فرن لصناعة الخزف في مدينة أزنيك في ذلك العهد، ويمثل عهد خزف أزنيك الذي يصادف القرن السادس عشر العصر الذهبي لصناعة الخزف التركية، ويروى أن عامة الشعب الذي كان يسكن الأزقة التسعة التي كانت موجودة ضمن مدينة أزنيك في القرن السابع عشر كان يقوم بتأمين مورد عيشه من صناعة الخزف. وساعد زيادة ثروات الإمبراطورية العثمانية وفعاليات البناء، تغير مفهوم المظاهر بالنسبة للسراي وانتشار سمعة عظمة السلاطنة في العالم أجمع على تطور فن صناعة الخزف، والعناصر الزخرفية، كما نراها في القطع الخزفية بمزاد بونهامز تتلخص في عناصر هندسية، وفروع وزخارف نباتية، وأزهار طبيعية، هذا إلى جانب ما كان شائعا، مثل: زهرة اللوتس والتوليب، كما استعملت فيها الألوان الأبيض، والأزرق والأخضر والبنفسجي والفيروزي والأصفر.
ومن الوحدات الزخرفية المستعملة في الأطباق والأواني المعروضة بدار بونهامز، المراوح النخيلية، وشجر السرو، وثمار الرمان والعنب، ورسوم الزهور الطبيعية كالورد، واللوتس والنرجس، وغير ذلك من عناصر زخرفية تميز بها الفن التركي مثل الخزف بصفة خاصة مثل القرنفل والسوسن. وتمثل صناعة أزنيك الخزفية عصر نهضة الفن العثماني، في القرنين السادس عشر والسابع عشر، وكانت تصنع في مدينة أزنيك وبالنسبة للأواني الخزفية، تعتبر مدينة أزنيك في آسيا الصغرى، من أعظم مراكز صناعة الخزف الإسلامي، في العصر العثماني في القرنين (16 – 17).