42 مؤلّفًا ساهموا فى كتاب النحو لـ"سيبويه"

وصل حجم الأثر الذي تركه كتاب "سيبويه" في النحو العربي، أن يقال فيه ما لم يقل في غيره، وقيل لمن يقرأ كتاب سيبويه "ركبتَ البحرَ"، إشارة إلى غناه وعمقه وسعته وصعوبته، وبلغت قيمة الكتاب الدرجة التي تكفي فيها الإشارة بكلمة "الكتاب" ليُعرف أنّ المقصود بها هو كتاب سيبويه في النحو، الذي لم يكن يحمل اسمًأ، في أصله، إنّما أخرجه مؤلفه من دون مقدمة أو خاتمة، واضعًا فيه كل ما سمعه ممن سبقوه أو عاصروه، فذكرهم بأسمائهم أو أشار إليهم،

وسيبويه هو عمرو بن عثمان بن قنبر، وقيل في لقبه إنه يعني رائحة التفاح، كما أشارت مصادر المصنفات العربية القديمة، مجتمعة على أنّ لقب سيبويه من رائحة التفاح، إلا أن ضبطًا حديثًا لهذا اللقب ومستندًا إلى بعض المصنفات العربية القديمة، جعله يحمل معنى الثلاثين رائحة، حسب ما وصل إليه الباحث الكبير عبد السلام هارون، في مقدمته وتحقيقه لكتاب: "الكتاب - كتاب سيبويه"، واختلف المصنّفون على سنة وفاته، فبعضهم ذكر أنّها عام 194 للهجرة، والبعض الآخر 188، ثم 177، إلّا أنّ غالبية مؤرخي الأدب العربي ترجّح حدوث الوفاة عام 180 للهجرة، كما ورد في "وفيات الأعيان" التي جاء فيها أكثر من سنة لوفاته.

وأكّد ابن خلكان في وفياته، أنّ سيبويه توفي في قرية من قرى شيراز وعمره "نيفٌ وأربعون عامًا" إلّا أنّه ينقل عن مصدر أنه توفي في البصرة العراقية، ثم عن مصدر آخر يؤكد وفاته في مدينة أخرى، وينقل الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" عن أحد الرواة، أنّ قبر سيبويه في شيراز.

واشتُهر كتاب النحو الذي وضعه سيبويه، بصفته الأول في نوعه، باسم "الكتاب"، ثم أشير إلى مؤلفه كونه الأول بين أقرانه في جمع ووضع مادته، لكنّ ما أورده ابن النديم في "الفهرست" عن مصادر كتاب سيبويه ورواته، توضّح طبيعة خروج "الكتاب" باسم مؤلف واحد، بينما ساهمت مصادر أخرى، وضع هذا الكتاب، على اعتبار أنّ "سيبويه" لم يأت من فراغ، ولم يستخدم مصطلحًا غير قابل للفهم والرواج، بل أعاد استعمال ما سمعه من أساتذته، بدليل أنّ سيبويه نفسه، لم يكن يضع تعريفًا بمصطلحاته، حسب أكّده المستشرق الفرنسي جيرار تروبو، في دراسته الموسومة بـ"نشأة النحو العربي في ضوء كتاب سيبويه"، الذي أشار في دراسته إلى أنّ سيبويه لم يأت بمصطلحات نحوية جديدة، بل استخدم ما كان النحاة العرب القدامى يستخدمونه، في كلامهم، ويستدل تروبو، لتأكيد صواب ما ذهب إليه، بأنّ معاصري سيبويه كانوا يفهمون تلك المصطلحات، من دون أن يقوم هو بتفسيرها، كدليل على رواجها بين النحويين ورواة الأدب، ويتوافق بهذا الرأي مع ابن النديم صاحب "الفهرست"، الذي نقل بدوره رواية عن أبي العباس ثعلب، يقول فيها: "قرأتُ بخطّ أبي العباس ثعلب: اجتمعَ على صنعة كتاب سيبويه إثنان وأربعون إنسانًا، منهم سيبويه"، مؤكدًا أنّ "الأصول والمسائل" تعود للخليل بن أحمد الفراهيدي.

يذكر أنّ الاستدلال غياب تعريف المصطلح، كقرينة تثبت أنّ الاصطلاح ذاته كان رائجًا، بالفعل، ومفهوم الدلالة، ثم رواية "الفهرست" عن إثنين وأربعين إنسانًا اجتمعوا على صناعة كتاب "سيبويه"، لا تسلب حقّ الرجل بكتابه، إلّا أنّها تؤكد على المصادر التي سمع منها سيبويه، قبل أن يخرج بكتاب نحوه الشهير.

ويأتي الفضول لمعرفة هم أشهر الذين سمع منهم ذو الثلاثين رائحة، ولعلّ أشهرهم حماد بن سلمة بن دينار، الذي كان عالمًا بالنحو، واشتُهِر بتخطئة سيبويه المتواصلة، الأمر الذي اعتبره بعض مؤرخي الأدب، سببًا رئيسًا لاحتراف سيبويه النحو، ومن أساتذة سيبويه عيسى بن عمر الثقفي، الذي أخذ بدوره من عبد الله أبي إسحاق الذي أشير إليه في بعض المصادر العربية القديمة بأنّه "أوّل من بعج النحو ومدّ القياس".
ويبرز اسم يونس بن حبيب الذي أورده سيبويه كثيرًا في كتابه، ويعتبر الخليل بن أحمد الفراهيدي، أشهر أساتذة سيبويه، وروى سيبويه عن أبي عمرو بن

العلاء الذي أخذ النحو من تلاميذ أبي الأسود الدؤلي، ومن أشهر الذين أخذ سيبويه منهم، الأخفش الأكبر الذي كان يعتبر من أئمة النحو، وتطول قائمة الذين أخذ منهم سيبويه، حتى تتسع فعلًا، إلى ما أورده "الفهرست" عن اجتماع إثنين وأربعين إنسانًا بصناعة "الكتاب"، واحد منهم المؤلف الذي يرحب به الفراهيدي بعبارة شهيرة لم يقلها بسواه: "مرحبًا بزائر لا يُملّ".

ويرى البعض أنّ أي إحالة ترد عند سيبويه، لم يعرف صاحبها، وتأتي في شكل "وقال.." أو "سألته" دون ذكر الاسم، فيكون المقصود بالمرجع هو الفراهيدي، بحسب مصادر عربية قديمة ومعاصرة، وهو ما جاء في كتاب "الكتاب – كتاب سيبويه" المشار إليه.

أثّر كتاب سيبويه في مختلف مذاهب النحو العربية، كنحو الكوفيين ونحو الأندلسيين، وسواهما، وألف فيه عشرات الكتب التي جاءت بعده، إمّا شروحات عليه، أو تعقيبات، أو امتدادات منه أو إشارة إلى ما في الكتاب من مشكلة هنا أو هنا، برأي مؤلفيها.

ولا يزال ينظر إلى "الكتاب" بصفته الأول في تاريخ النحو العربي، وإلى سيبويه بصفته جاء بكتاب لم يؤت مثله، من قبل، لكن ما أورده المصنفون العرب القدامي، وبعض المحدثين منهم، يقترب أكثر من اعتبار "الكتاب" جمعًا لما قاله رواةٌ ونحاة تتلمذ سيبويه على أيديهم، بدليل أنه لم يضع اسمًا لكتابه، ولم يضع شرحًا لأي مصطلح استخدمه، ما يؤكد رواج الكلمة قبل استخدامها، ورواج معناها قبل إدراجها في متن هذا الكتاب الفريد، إلا أنّ صاحب الثلاثين رائحة،

يبقى، مع كل ما سمعه ممن سبقوه وعاصروه، هو من وضع أول كتاب نحو في اللغة العربية، وهي مكانته التي لا يزاحمه فيها أحد.

وذكر ياقوت الحموي في "معجم الأدباء" رواية توضح أثر الفراهيدي في كتاب "الكتاب" الذي وضعه سيبويه: "لما مات سيبويه قيل ليونس بن حبيب: إنّ سيبويه قد ألف كتابًا في ألف ورقة، من علم الخليل، أي الفراهيدي، فقال يونس: ومتى سمع هذا كله من الخليل؟ جيئوني بكتابه"، وتقول الرواية بأنّ يونس بن حبيب قال بعد أن تصفّح الكتاب: "يجب أن يكون هذا الرجل قد صدق عن الخليل في جميع ما حكاه، كما صدق في ما حكاه عنّي".