مدينة أفينيون الفرنسية التاريخية

تضم مدينة أفينيون الفرنسية التاريخية تراثًا معماريًا عريقًا ليست مدينة المسرح التي تستقطب كل صيف فرقًا من العالم أجمع للمشاركة في مهرجانها السنوي الذي ينظم منذ نهاية أربعينات القرن العشرين فحسب ، بل هي أيضًا مركز مهم للفنون المعاصرة.

وفي قلب المدينة القديمة مبنى أثري يرقى إلى القرن الثامن عشر وقد تحوّل منذ عام 2000 إلى صرح ثقافي يتضمّن مجموعة فنية تعرف بإسم "مجموعة لامبيرCollection Lambert" المخصصة للفن المعاصر.

وتحمل هذه المجموعة إسم تاجر الفن الحديث إيفون لامبير المولود عام 1936 والمعروف على المستوى العالمي كواحد من أبرز مقتني الفن المعاصر بعدما كوّن ، منذ ستينات القرن العشرين ، مجموعته الخاصة التي عكست ذوقه الشخصي من جهة، وانفتاحه على الفن الأميركي وإهتمامه بالمواهب الشابة وبالصورة الفوتوغرافية والفيديو من جهة أخرى.

وتبين أثناء لقائنا معه لمناسبة مشاركة "الحياة" في افتتاح مجموعة من المعارض الجديدة في أفينيون مع انطلاق فصل الصيف ، أنه يعرف أيضًا عددًا من المبدعين العرب ويتابع نتاجهم ومنهم إيتيل عدنان وأدونيس ، وقد دعا إيتيل إلى أحد اللقاءات، كما إطلع على الكتب التي حملت توقيعَي أدونيس والفنان الجزائري عادل عبدالصمد.

وجاء ضمن هذه الرؤية المنفتحة على العالم، خُصص معرض جديد بأكمله لصور فوتوغرافية التقطتها عدسة الفنانة المغربية ليلى علوي المولودة عام 1982، والتي كانت إحدى ضحايا الاعتداء المتطرف الذي حصل مطلع عام 2016 في بوركينا فاسو ، حيث كانت موجودة لتعد تحقيقًا صحافيًا مصورًا لمنظمة العفو الدولية.

ويحتوي المعرض على صور لشخصيات من المغرب، وهي من المجموعة التي أطلقت عليها الفنانة إسم "المغاربة" ، الصور ذات طابع وثائقي وفني في آن واحد، إذ تعكس بحس جمالي أكيد روح الشعب المغربي وتنوعه الاتني والثقافي ، رجال ونساء من مختلف المناطق يرتدون أزياءهم المحلية وهم يشهدون على عالم سيختفي بعد أعوام بسبب العولمة وهيمنة الحياة الحديثة في الأرياف والمدن ، وهناك أيضًا شريط الفيديو الذي تناولت فيه الفنانة مأساة الهجرة غير الشرعية والآلام التي يعانيها المهاجرون عند انتقالهم من ضفة إلى أخرى.

من المغرب وعالم المهاجرين الفقراء إلى عوالم أخرى مع فنانين غربيين متنوعين ومن أجيال مختلفة ، وهنا لا بد من التوقف عند الأعمال المعروضة، والتي هي من مجموعة مصممة الأزياء الشهيرة أنياس بـ  agnès b التي تمكنت بعد نجاحها الكبير في عالم الموضة من الالتفات إلى الفن وتكوين مجموعتها الخاصة التي جسدت من خلالها إهتمامها والتزامها بالقضايا الاجتماعية وبالفنون بصورة عامة في موازاة عملها مصممة للأزياء.

وفي مجموعتها المعروضة اليوم تحت عنوان "نحب الفن" ، تطالعنا أعمال لفنانين من أجيال وجنسيات مختلفة كالأميركي أندي وارهول والفلسطينية منى حاطوم والفرنسي من أصول جزائرية عبدالقادر بن شما ، إضافة إلى رسوم لكتّاب معروفين من أمثال جان كوكتو وأيضًا لمخرجين سينمائيين كديفيد لينش ، والأعمال التي نشاهدها اليوم ما هي إلّا جزء صغير من مجموعتها الكبيرة المكوّنة من أكــثر مــن خمسة آلاف عمل فني.

لا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ ثمة مجموعات معروضة ضمن هذه التظاهرة الفنية تنافس ، بقيمتها وتنوّعها، بعض المجموعات الموجودة في أكبر المتاحف العالمية، ما يجعل من مدينة أفينيون عن حقّ شرفة مطلّة على آخر إرهاصات الفنّ المعاصر في العالم تمامًا كما هي، ومنذ أكثر من نصف قرن، واجهة المسرح العالمي.

 وتتحوّل المدينة مع مطلع كل صيف إلى مختبر ثقافي مفتوح على الأساليب والتوجهات الفنية وأسئلتها كافة ، كما تتحوّل إلى فسحة كبيرة للإبداع وفُرجة للعين المتعطّشة للفنّ والباحثة دومًا عن آفاق جديدة.