تعامد أشعة الشمس على نقوش تصور الملك رمسيس الثالث

رصد فريق بحثي مصري، الجمعة، ظاهرة فلكية فريدة، تضمنت تعامد أشعة الشمس على نقوش تصور الملك رمسيس الثالث، فوق أعمدة معابد هابو في جبانة طيبة غرب مدينة الأقصر، وذلك بالتزامن مع يوم الاعتدال الخريفي الذي يوافق 21 من أيلول/ سبتمبر في كل عام، كما رصد الفريق ربط شريط ضوئي من أشعة الشمس، بين معابد هابو، مع معابد الكرنك الفرعونية في شرق المدينة بدرجة بزاوية 90%، وذلك في مناسبة رحلة الإله آمون من معابد الكرنك حيث مركز الكون حسب معتقدات الفراعنة، إلى معابد هابو حيث دفن الأسلاف، في ما كان يعرف باسم الرحلة العشرية، وهما ظاهرتان تحدثان يومي 21 مارس/ آذار و21 سبتمبر/ أيلول، في دلالة على تقدم علوم الفلك والهندسة في مصر الفرعونية.

وقال رئيس وأعضاء الفريق البحثي المصري، الذي تمكن من رصد 17 ظاهرة فلكية في الجيزة وأسوان وسوهاج وقنا والأقصر طوال ثلاث أعوام مضت، وبموافقة من اللجنة الدائمة في المجلس الأعلى للآثار، والذي يترأسه الدكتور أحمد عوض، المتخصص في رصد الظواهر الهندسية والفلكية في المعابد المصرية القديمة، ويضم الباحثين المصريين، الطيب عبدالله، وأيمن أبوزيد، رئيس الجمعية المصرية للتنمية الأثرية والسياحية، أن الدراسات الهندسية والمعمارية والفلكية، بجانب الرصد الميداني، أثبت أن أشعة الشمس تربط بين معابد الكرنك - مركز الكون حسب المعتقدات الفرعونية - في شرق مدينة الأقصر، ومعابد مدينة هابو، في غرب المدينة، ثم تسقط على أعمدة الصالة الثانية، بمعابد هابو، لتضيء لوحات تمثل الملك رمسيس الثالث، وهو يقدم القرابين للآلهة، وهو المشهد المنقوش على 8 أعمدة، حيث تضيء عمودا تلو الآخر.

وأشار الدكتور أحمد عوض، رئيس فريق الباحثين المصريين، إلى أن أشعة الشمس تَصِلُ ما بين المعبدين بزاوية مقدارها 90 درجة، وأن الظاهرة، تحمل دلالة دينية مهمة لدى المصري القديم، إذ تؤكد الدراسات التي توثق رحلة الشمس في العالم الآخر، أن رحلة الشمس للعالم الآخر تتم على مدار الـ12 ساعة، وهو ما يتوافق فلكيا مع رحلة الشمس، في يومي الاعتدالين الربيعي والخريفي، حيث يتساوى عدد ساعات الليل، مع عدد ساعات النهار.

وقال الباحث المصري الطيب عبدالله، إن الظاهرة تحدث في مناسبة دينية خاصة لدى المصري القديم، حيث تتوافق وأحد الأعياد العشرية التي كانت تقام كل عشرة أيام، والتي يتم فيها الابحار من الضفة الشرقية إلى الضفة الغربية لزيارة الموتى والاحتفاء بهم، حيث تمثل معابد هابو المقر الرئيسي لدفن الأسلاف الأولين التي صاحبت الإله آمون رع في عملية خلق الكون، كما كان يعتقد الفراعنة.

 أما دينيا، فالظاهرة تؤكد على وجود بُعد ديني وراء مختلف الظواهر الفلكية والهندسية بالمعابد المصرية، حيث يمثل شعاع شروق الشمس الواصل ما بين معابد الكرنك ومعابد هابو تجسيدا رمزيا، لزيارة المعبود الشمسي آمون رع لمقر الموتى الأوائل طبقا للشعائر الدينية التي كانت تقام في الأعياد العشرية.

وأكد "الطيب" أنه تم أيضا توثيق سقوط أشعة الشمس على مناظر الملك رمسيس الثالث وهو يقدم القرابين إلى المعبودات المختلفة، وهي المناظر التي تم نقشها بكل دقة على الأعمدة المقامة على شكل عيدان بنات البردى، الموجودة بالرواق الداخلي لصالة الأعمدة الثانية بمعابد هابو، في تأكيد على أن المصري القديم قد شيد أعمدة هذا الرواق وصور عليها مناظر الملك بنظام معماري دقيق طبقا لحسابات فلكية تم من خلالها التحكم في مناطق الضوء والظل حتى تتم إضاءة مناظر الملك على كل عمود من الجنوب إلى الشمال في تتابع زمنى دقيق.

وقال رئيس الجمعية المصرية للتنمية الأثرية والسياحية أيمن أبوزيد، إن الظاهرة تُبرز مدى براعة المصري القديم في علوم الهندسة والعمارة والفلك، حيث تَبعد معابد الكرنك عن معابد هابو، بمسافة 5.5 كيلومتر، وهو ما يَصعُب معه تحديد موقع معابد هابو لتتحقق هذه الظاهرة في ظل الإمكانيات البسيطة التي كان بيد قدماء المصريين قبيل آلاف السنين.

وأضاف "أبوزيد" أن الفريق البحثي المصري الذي يقوم بتوثيق الظواهر الفلكية داخل المعابد المصرية القديمة، يهدف من خلال أبحاثه إلى وضع إضافة جديدة على معطيات السياحة الثقافية في مصر، وإضافة رافد جديد لها يتمثل في سياحة الفلك، وهو نمط سياحي ظهر حديثا وبات يستقطب مئات الآلاف من السياح في بلدان العالم