دبي ـ جمال أبو سمرا
يمثل المرحوم عبيد بن معضد بن عبيد النعيمي الشاعر الراوية للحياة التقليدية في منطقة العين في الإمارات، فقد ولد في عام 1929 مزيد في العين، وأدرك المجتمع وهو لا يزال على أنماط حياته البدوية، وعاش فيه يمارس كل الأنشطة التي يمارسها أهله، ولكنّ تفتق موهبته في مجال الشعر دفعه لأن يكون راوية تلك الحياة الذي يوثقها في شعره ومروياته، فقد كان يتمتع بنباهة وفطنة جعلته يتنبه إلى كل التفاصيل الدقيقة لتلك الحياة، ويحتفظ بها في ذاكرته، حتى إذا ما تغيرت حياة المجتمع وانتقل إلى الاستقرار والمدنية الحديثة، أخذ النعيمي يروي تفاصيل تلك الحياة، ويبثها للأجيال حفاظا على أخلاق المجتمع الإماراتي من أن تذهب، فتتحلل روابطه، وتتبدل قيمه .
في لقاء للباحث عمار السنجري مع الراوية النعيمي منشور في كتابه "شعراء ورواة من الإمارات" يذكر النعيمي أن قبيلته كانت تقطن قرب جبل حفيت معظم الوقت، وكانوا يتنقلون بين عدة أماكن في المنطقة، ويروي كيف كانت الحياة شحيحة في ذلك الوقت، وفي مكابدة العيش معاناة شديدة، فالمسافات متباعدة، وتقطع على ظهر الإبل والحمير، وكانت السفرة بين العين وأبوظبي تستغرق أحيانا أربعة عشر يوما، ذهابا وإيابا، والمؤن تستجلب من المدن والحواضر البعيدة، وتستغرق هي الأخرى وقتا كثيرا، والماء يستخرج من الآبار ولا بد له من جهد، وقد يكون المكان بعيدا، ناهيك عن رعي الإبل وزراعة النخيل وغيره، كذلك كان المسافرون في المسافات الطويلة، يواجهون خطر قطاع الطرق الذين يغيرون عليهم وينهبون ما عندهم، لذلك كان الناس لا يسافرون إلا في مجموعات ويحملون معهم الأسلحة للدفاع عن أنفسهم، فكل تفاصيل الحياة كانت فيها مشاقّ لا تنتهي .
ورغم تلك المعاناة، فإن النعيمي يعتبر الحياة التقليدية جميلة، ويتغنى بمحاسنها، وكل مروياته تشيد بمآثر الأقدمين، وما كانوا يتمتعون به من خصال، وهو يبرر ذلك بكون تلك الحياة بنيت على الأخلاق الحميدة، كالإيثار وإكرام الضيف والصدق، وإغاثة المحتاج، وكان الكبير يعطف على الصغير والصغير يحترم الكبير، والناس يتقاسمون الرزق في ما بينهم، ويهبون لنجدة بعضهم بعضا، فالإنسان مهما عانى من تعب وشدة، يظل يحس بأنه ليس وحده، وأن وراءه أناساً مستعدون لنجدته في أي لحظة يريد فيها ذلك، وكان معضد يرى أن تلك الحياة قد تراجعت في مجتمعات اليوم، وأصبحت مهددة بالتلاشي إن لم ترسّخ في عقول وممارسة الأجيال الصاعدة .
يعد عبيد النعيمي شاعرا شعبيا مرموقا كان يحضر مجلس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ويلقي فيه قصائده، كما كان له حضور في برامج الشعر التي كانت تبث على القنوات الإذاعية والتلفزيونية الإماراتية، وأغلب شعره حكمة ودعوة إلى الحق والخير، وجاء فيه على كل الأغراض التقليدية، كالمدح والرثاء والفخر والغزل والوصف، وشعر النصائح والحكمة، وتتسم لغته بالأصالة، وصوره جميلة مستقاة من البيئة التقليدية التي تربى فيها، وقد بدأ ممارسة الشعر في سن المراهقة، فكان يصاحب الشعراء الكبار في منطقته ويحفظ عنهم شعرهم، وشعر غيرهم حتى تكونت له ثروة شعرية كبيرة، وخبرة متميزة، أهلته لأن يكون شاعرا مجيدا، وأن يناظر شعراء معروفين آنذاك في منطقة العين وعمان والسعودية، ما شحذ همته، وأذاع صيته .
إلى جانب ذلك كان النعيمي حسن الصوت معروفا بشلاّته الجميلة التي يتغنى بها، فيطرب سامعيه، وقد حظي باهتمام رسمي فكان يستدعى للأنشطة الشعرية والتراثية ليلقي شعره أو يحكي مروياته، وقد كرّمته إدارة التراث في دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة عام 2007 .