القاهرة - صوت الإمارات
مع ظهور ما يسمى "قوائم الكتب الأكثر مبيعاً، وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات، صعدت أسماء جديدة إلى سماء الكتابة في مصر، فمن صفحة على الفيس بوك ولدت كتابات أحمد مراد، وظواهر جديدة في الكتابة منها "أدب الزومبي" أو الرعب، إضافة إلى ذلك هناك حفلات التوقيع التي استحدثت منذ سنوات قريبة، وراجت معها أسماء جديدة، تصدرت أعمالها الروائية واجهات المكتبات الحديثة، التي انتشرت هي الأخرى في الشوارع المصرية، لا يزال مشهد ثلاث فتيات يوقعن كتبهن التي كانت في الأصل مدونات على الشبكة العنكبوتية، كان الزحام حول الفتيات الثلاث، للحصول على توقيعهن، لافتا للأنظار، ولم ينقطع الأمر عند هذا الحد، لم يصدر أي من الكاتبات اللاتي أشرنا إليهن، سوى هذه المدونة المنشورة في كتاب، لكن ظاهرة جديدة تطل برأسها الآن، وهي ترتبط بشاب جاء إلى الكتابة من حقل الغناء .
انتهت فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، ولم تنته الضجة التي أثيرت حول دعوة هذا الشاب واسمه زاب ثروت للمشاركة في أنشطة المعرض الثقافية، وكانت ساحة العراك هنا مواقع التواصل الاجتماعي، التي سادت فيها حالة من السخرية، من إدارة المعرض، ومن طريقة كتابة ثروت نفسه، لدرجة أن مغردين دشنوا "هاشتاج": "ألف كأنك زاب ثروت" وتبارى الجميع في الكتابة على نمط ما تم تصويره من صفحات أحد كتب ثروت، ونشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي عموما كتابة منفلتة من المعايير، منفلتة حتى من الانضباط اللغوي، مجرد خواطر مكتوبة بالعامية المصرية .
وضمن فوضى التصنيف والتبرير حاول البعض أن يجد أسبابا لاستضافة المعرض للكاتب، واضعا كتابه في "خانة الرواية" تارة، وفي "خانة الشعر" تارة أخرى، بل برر البعض استضافته، على خلفية أن كتابه "حبيبتي"، الذي أطلقت احتفالية لتوقيعه بالمعرض، بيع منه ما يزيد على 15 ألف نسخة في يوم واحد، وهي مقولة تجافي المنطق، وتقع في منطقة التهويل والمبالغة، هربا من المساءلة والإجابة عن السؤال: هل هذا هو النمط الذي تريد له وزارة الثقافة أن يسود؟، كذب زاب ثروت نفسه تلك الأرقام، حين رد على الهجوم الذي شنه كثيرون عليه، فقد استضافته إحدى الفضائيات، وقال إنه لم يكن يتوقع كل هذا الجدل حول كتابه الجديد، ولا يعرف مبرره، كما أن الكتاب ليس ديوانا أو رواية، لكنه كتاب تفاعلي، وهذا النوع من الكتب موجود في كل دول العالم . وقال إن فكرة الكتاب جاءته بعدما اكتشف أن كلمة "حبيبتي" فقدت معناها، وعبّر عن تعجبه من الهجوم الذي تعرض له بسبب هذا الكتاب موضحا: "أنا لم أقل إنني كاتب، وليس صحيحا أن كتابي وزع 30 ألف نسخة أو حتى 15 ألفا" وأشار إلى أن كل من شاركوا في ندوته بمعرض الكتاب، جاؤوا لأنه مطرب راب وليس مؤلفاً .
واقع الحال أن الطوابير الطويلة التي اصطفت أمام بوابة المعرض الرئيسية، في دورته الأخيرة المنتهية قرب منتصف فبراير، لم تنعكس على حضور الندوات الثقافية والأمسيات الشعرية، التي تنظم على هامش المعرض، باستثناء ندوة أدونيس عن تجديد الخطاب الديني، وحفل توقيع كتاب "حبيبتي لثروت"، وبنظرة سريعة على القاعتين تكتشف أن الشاعر الكبير الذي قال يوماً: "أنا آت من المستقبل" جمهوره ينتمي إلى الماضي، الذي يدعو إلى قطيعة معرفية معه، بينما جمهور زاب ثروت تتراوح أعماره بين سن الثامنة عشرة والخامسة والعشرين، وأغلبه فتيات يرتدين الحجاب الذي صار موضة في القاهرة، قبل أن يكون علامة تدين، كما أنهن ينتمين إلى الطبقة الوسطى .
يرى البعض ممن تعاملوا مع تلك الظاهرة بموضوعية أن أعمال الشاب "تمثّل تجسيدًا للمعاني الإنسانية التي تلامس عالم الشباب الثائر والغاضب، الذي من أجله انطلقت ثورة يناير، تعبر عن الأحلام المشروعة والموؤدة، إنه يوقظ مساحات الفرح في قلوب الشباب الذي تم تهميشه وإقصاؤه" .
ولدى الكاتبة عزة كامل تفسير لتلك الظاهرة: "هناك هوة عميقة بين جيل الآباء، وجيل الشباب، ويبقى السؤال: لماذا لا يحاول جيل الآباء أن يفك شفرة الجيل الشاب ويستوعبه؟، لا تصموا آذانكم وتتركوا هذا الجيل وسط الفراغ والضياع، فالمؤسسة الرسمية أيضًا تصادر حقّه في التعبير والغناء والفعل، ماذا تبقى لهذا الجيل حينما يسرق حلمه ويحاصر، ويتفتت أمله على صخرة الواقع المرير؟
وهنا تشير إلى انتقادات المثقفين الذين تناولوا ظاهرة "زاب"، باعتباره يمثّل نغمة شاذة داخل الثقافة المصرية لا تعتمد قواعد الإبداع المتعارف عليها، وتوضح أن المتابع لأعمال زاب لا يجد فيها أي ابتذال أو إسفاف، فكتابته أشبه بالخواطر وكتابة الرسائل بطريقة بسيطة ومباشرة .
وترى عزة كامل أن مثل هذا النتاج يعوزه العمق، لكنه ليس فجا أو هابطًا، فهي أعمال تمثل غضبة وتمردًا ورفضًا للذل والمهانة، وشهرة زاب لم تتأت من كتابته الأدبية، ولكن من كونه مغني راب، وليس أديبًا تنطبق عليه المعايير، يبقى زاب حاضرًا في خانة الجدل الثقافي، غائبًا عن أي ارتباط بسلطة أو مؤسسة أو حزب أو فصيل سياسي .
زاب ثروت واسمه الحقيقي أحمد ثروت زكي كما تقول "ويكيبديا": "مؤلف موسيقي وشاعر ومغني راب وهيب هوب مصري، ولد في الأردن عام 1987، كان يدرس الهندسة في إحدى الجامعات الخاصة قسم الكهرباء، لكنه توقف عن الدراسة، ليتفرغ لعمله الفني، وقد بدأ مشواره مع الغناء من فترة ليست بعيدة، وما إن أطلق أغنيته الأولى "أوباما" حتى لاقت نجاحاً كبيراً" .
أصدر ثروت أربعة كتب هي: "7 أيام"، ويصنفه الكاتب نفسه في باب أدب الاعتراف، حيث يحكي فيه عن حياته وعلاقاته بالناس عبر سبعة أيام، وله أيضا ديوانان هما "أجندة" و"سلام" يصنفه أيضا على أنه ينتمي إلى الأدب الإسلامي (!) إضافة إلى كتابه - موضوع الضجة والضجيج - وعنوانه "حبيبتي"، وقد انتشرت صفحات منه على مواقع التواصل الاجتماعي، ما دعا الكاتب الشاب لأن يصدر بيانا أو توضيحا جاء فيه: "أي صفحات بها شتائم وسباب أو أي كلام خارج أو خادش للحياء . . . إلخ، الصفحات دي مش من الكتاب ولا عمرها هتبقى منه، هي مجموعة صور ملفقة بالكامل" .
ويواصل: "في أنحاء العالم كله هناك كتب للأطفال وكتب للمراهقين وكتب للبالغين، وطريقة التناول تكون على حسب الفكرة والفئة الموجه إليها الكتاب، وعلى الأساس ده بيتم تصنيفه، الكتاب ببساطة رسائل تتناول معنى كلمة حبيبتي ومن يستحقها في حياتك، اللي هما الأم والأخت والابنة والزوجة والوطن من وجهة نظري، وتركت بعض الصفحات الفاضية في نهاية كل الرسائل عشان اللي يقرأ يتفاعل ويبدأ يكتب رسالته بنفسه، الكتاب مش رواية ومش ديوان شعر زي أغلب الكلام المتداول" .
على أية حال فإن "ظاهرة زاب" ليست جديدة على الثقافة المصرية، وستستغرق وقتا، لتذهب إلى المكان اللائق بها، فهي كتابة لن تصمد أمام التاريخ، ففي عز سطوة نجيب محفوظ قفز على السطح "إسماعيل ولي الدين" برواياته التي سرعان ما كانت تتحول إلى شاشة السينما، وكانت تتناول أجواء الحارة المصرية وواقعها الشعبي، لكن من ذا الذي يتذكر "ولي الدين" الآن؟