بينالي الشارقة

يعد بينالي الشارقة في دورته الثانية عشرة، والذي جاء تحت عنوان: "الماضي- الحاضر- الممكن"، إحدى العلامات الفنية المعروفة على نطاق واسع تجاوز المحلية والخليجية والعربية إلى العالمية . وشارك فيه، على امتداد سنوات تجربته الماضية الآلاف من الفنانين والفنانات، من أنحاء العالم قاطبة، وصارت مشاركة أي فنان فيه دليلاً على قوة حضور عمله الفني، بل وحضور اسمه أيضا .

ومن خلال متابعة الخط البياني لمشاركات هذا البينالي عبرالسنوات الماضية، وهكذا بالنسبة إلى دورته الجديدة التي تستمر إلى ثلاثة أشهر، فإن هذه المشاركات تبدو موزعة على قارات العالم، وبلدانه على حد سواء . كما بدا لافتاً، خلال متابعة تفاصيل مشاركات الضيوف في هذا العام حضور عدد من البلدان، بشكل بارز، ونجد أن للولايات المتحدة حضورها الفعلي، من خلال مشاركة بعض أصحاب الأسماء الفنية الأميركية الكبيرة، ليكون البينالي - بحق - وكما أريد له، ترجمة واقعية لتمثيل جميع ثقافات شعوب العالم، ضمن الحضور التشكيلي الفني في هذا الحدث الفني الذي يحوز احترام النقاد العالميين، والصحافة العالمية أيضاً .

نحاول خلال هذه الوقفة استعراض مشاركة الفنانين الأميركيين ضمن سلسلة المشاركات الأخرى التي سيتم تناولها، في وقفات أخرى، للتعريف بهم، كجزء من الرسالة الفنية الثقافية التي تأسس البينالي من أجلها، ومن أجل التجسير بين أصحاب التجارب الفنية، أنفسهم، وصولاً إلى التجسير بين ثقافات العالم، في ظل محاولات جعل هذه الثقافات أشبه بقارات معزول، بعضها عن بعض بكل أسف، وهي بادرة تسجل للقائمين على البينالي .

الفنان الأميركي غاري سيمونز، من مواليد 1964 ، ويعيش ويعمل في نيويورك، تجربته الفنية هي "عبر خط الطبشور" ،2015 التي تجمع بين الرسم والرياضة، مستنداً بذلك إلى اهتمامات الناشئة في الشارقة، وتأتي التجربة على شكل ملعب كريكيت بيضاوي مصغر صمم لأطفال الحي . وثمة اقتباس من كتاب "خلف الحدود" ل سي إل أرجايمس 1963-بحسب المصدر- فإن حدود الملعب تحدد بأربع لغات، ويطرح السؤال على الناشئة عما يعرفونه عن "الكريكيت" السؤال- في الأصل- مستوحى من قصيدة روديارد كيبلينغ "ما الذي تعرفونه عن إنجلترا إنجلترا وحدها تعرف"، وقد تم الاقتباس خلال هذه اللعبة بكل من اللغات: العربية والإنجليزية والمالمية والأوردو، كي يجيب عن السؤال كل من اللاعبين، معتمدا بذلك على ثقافة شعبه .
بينما الفنان بايرون كيم 1961-بحسب دليل البينالي- يقدم مقاربته للحياة والفن في العديد من أعماله المفاهيمية التي تتميز بدراسة اللون والتجريد ولاسيما "رسوم الأحد" وهي سلسلة مستمرة من اللوحات الصغيرة المربعة التي تصور السماء، ويقوم الفنان كيم بإنجاز هذا التصوير في كل يوم أحد، منذ عام 2001 وحتى الآن، حاملاً معه عدته الجاهزة أينما ذهب، لتكون هناك صورة أسبوعية للسماء، مضمنة ببعض الأفكار العابرة التي تخطر في باله خلال ذلك اليوم، موقعة بزمان اللوحة ومكانها، ما جعل بعض النقاد يعدون هذه اللوحات سجلاً للسماء، ولحياة الفنان، وقد لوحظ عليه من خلال متابعي تجربته أن هذه التجربة جاءت، بعد تعرف الفنان إلى أحد أعمال شوانغ زي المعروف في مجال الفلسفة الطاوية، ماجعل لوحات الفنان تجسيداً لعالم الفنان الشخصي، في لحظة تضاد اليومي مع الكلي .

وتستكشف المخرجة وعالمة الأنثربولوجويا الاجتماعية مريم كاشاني التي تعيش وتعمل في سانت لويس وشيكاغو، مكنونات الإدراك البصري، والسرد السينمائي، من خلال أعمالها وأبحاثها الفلمية، واستغرق مشروعها الأخير "كنا نبدو عاشقين أو عدوين لدودين 2015"، مدة 18 شهراً في جامعة "الزيتونة" الإسلامية في كاليفورنيا . ويتألف عملها التركيبي من ثلاث قنوات، ويجمع أداءين صوتيين مع صور وثائقية تقليدية للمشاهد الحضرية في منطقة خليج فرانسيسكو، معتمدة على إحدى الآيات القرآنية، وبعض ما كتبه الأمير عبدالقادر الجزائري .

ويغوص إريك بودلير، والذي يعيش ويعمل في باريس، في مشروع "جلسات الانفصال" وهو مشروع متعدد الأجزاء، في تساؤلات عن الدولة وتمثيلاتها عبر منظور اللادولة، وفيها رسائله إلى إحدى الشخصيات السياسية، ليكون محتوى تلك الرسائل جزءاً من الشريط السردي في فيلم بودلير "رسائل إلى ماكس 2014" .

ويحتضن كورنيش الشارقة العمل التركيبي المعنون ب"علم السماء الزرقاء2015" للفنان بايرون كيم1961 الذي يعيش في بروكلين . إذ إن هذا العمل، بحد ذاته، نتاج تطور تجربته، في سلسلة إنجازاته تحت هذا العنوان، وكان الفنان قد أنجز طائرة ورقية بلون السماء كطريقة تواصل غير مرئية مع السماء .

ويرتبط عمل الفنان بايرون كيم1961 "ليل المدينة" بكل من الشارقة التي زارها في عام 2014 وسار في شوارعها ليلاً، ومدينته التي يعيش فيها، إذ ينطلق من زرقة السماء في كلتا المدينتين . ويتألف العمل من 12 لوحة، ترصد انعكاس الضوء الصناعي، وتحولات انعكاسه في الداخل .
ويركز الفنان رودني مكملين ،1969 في عمله التركيبي الضخم "انتبه: نحن لسنا من نحسب 2014-2015" على موضوع الهوية واللامساواة الاقتصادية في مجتمعه، يظهر خلاله الفنان في حوار سجله في الشارقة، وهو يرتدي "غفارة" كاهن وحذاء كاوبوي وقناع بطل خارق، بما يجعل من تحديد ملامح شخصيته أمرا صعبا، ويعتمد الفنان خلال الحوار المذكور على الإيماءات، ويجسد أدوار شخصيات متعددة: البطل- الشرير- المهرج- الشبح .