دمشق - أحمد شالاتي
نفت مقرّبة من الرئيس السوري بشار الأسد معلومات بثّّتها محطة تلفزيونية إسرائيلية ذكرت أن الرئيس السوري بشار الأسد قد فقد الإتصال معه بعد معلومات عن تحطّم الطائرة التي كانت تقلّه أثناء محاولة فراره من العاصمة السورية في طريقه إلى الخارج .
و أكّدت قريبة له تمّ التواصل معها أن الرئيس بشار وعائلته بخير ، لكنها رفضت الإفصاح عن إسم الدولة التي إستضافته ، وكانت بعض المصادر قد أفصحت أن وجهته كانت إلى العاصمة الروسية .
و كانت القناة الثانية عشر في التلفزيون الإسرائيلية أعلنت أن الاتصال مع الطائرة التي تقل الأسد قد فقد الإتصال بها .
وقالت مصادر بريطانية مطّلعة أنه ربما بادر مساعدوه الرئيس الأسد أن يخفوا الوجهة التي تقصدها طائرته عن شاشات الرادار للحفاظ على سلامته ، و مثل هذا ربّما تسبّب بالتكّهن بما تردّد بعد أن أخفى التطبيق المخصّص للكشف عن وجهك الطائرات خط سيرها كما حال معظم الرحلات الجوية هذه الأيام.
وقالت وزارةً الخارجية الروسية إن الرئيس بشار الأسد قرّر مغادرة العاصمة دمشق وتجنّب مواجهة عسكرية مع قوات المعارضة بعد تواصل معه عدد من زعماء الدول العربية الذي تربطهم به علاقات طيبة ولهم تأثير في المساعدة على المشاركة في تحنّي سقوط المزيد من الضحايا بين قواته وأنصاره وقوات تحالف المعارضة التي نجحت في ساعات الصباح الأولى من اليوم من السيطرة على العاصمة بدون أي مواجهة عسكرية بين الطرفين المنخاصمين .
وقد أعلن التلفزيون السوري رسمياً، اليوم الأحد، انتصار الثورة العظيمة وسقوط نظام الرئيس بشار الأسد.
وظهر منشور على التلفزيون الرسمي كتب فيه "الثورة العظيمة انتصرت ونظام الأسد سقط". ودعا التلفزيون السوري إلى تجنب إطلاق النار في الساحات العامة.
وأعلنت الفصائل السورية المسلحة، اليوم الأحد، أنها حرّرت دمشق وأسقطت حكم الرئيس بشار الأسد الذي امتد 24 عاماً.
وورد في في بيان للفصائل المسلحة: "تم بحمد لله تحرير مدينة دمشق وإسقاط بشار الأسد"، وأضافت أنه تم إطلاق سراح جميع المعتقلين.
وسقط فجر اليوم الأحد نظام بشار الأسد، إثر فقدانه السيطرة على العاصمة دمشق، ودخولها في قبضة الفصائل المسلحة السورية.
وقال أحمد الشرع، زعيم "هيئة تحرير الشام"، التي تقود هجوم الفصائل الشامل في سوريا اليوم الأحد إن الاقتراب من المؤسسات العامة محظور، مضيفا أنها ستظل تحت إشراف "رئيس الوزراء السابق" لحين تسليمها رسميا. ودعا الشرع مقاتليه إلى عدم الاقتراب من المؤسسات العامة.
وقال رئيس الوزراء، محمد غازي الجلالي، إنه سيظل في منزله، ومستعد لدعم استمرار تصريف شؤون الدولة.
وقال الحلالي إن الحكومة مستعدة للتعاون مع أي قيادة يختارها الشعب، مؤكداً أنه ليس لديه أي معلومات عن مكان بشار الأسد ومتى غادر، وأن "آخر تواصل له مع الأسد كان مساء أمس.. وقد وضعته في صورة ما يجري في اتصالنا الأخير".
وأضاف : الأسد قال لي "غدا نرى" في تعليقه على التطورات، مشيراً إلى أنه "لم يكن من الممكن أن نناقش مسألة الحوار مع الأسد".
و أشار في مداخلته: "تواصلنا مع إدارة العمليات العسكرية.. واتفقنا على أهمية الحفاظ على المؤسسات"، مضيفاً أن "معظم الوزراء موجودون في دمشق".
و كثيرة هي المحطات الرئيسية الكبرى في حياة الرئيس السوري بشار الأسد، لكن ربما كان لحادث مروري، وقع على بعد آلاف الكيلومترات من المكان الذي كان يعيش فيه، التأثير الأكبر على حياته.
إذ لم يكن من المخطط أن يتولى بشار الأسد الرئاسة خلفا لوالده لولا وفاة شقيقه الأكبر باسل في حادث سيارة قرب دمشق مطلع عام 1994، ليتم بعدها إعداد طبيب العيون، الذي كان يتلقى علومه في لندن آنذاك، لكي يكون وريثا للحكم في سوريا ويقود لاحقا البلاد خلال حرب دموية راح ضحيتها مئات الآلاف من السوريين، قبل أن تتمكن المعارضة أخيرا من دخول العاصمة دمشق صباح 8 ديسمبر كانون الأول 2024.
فما هي المحطات الأساسية في حياة بشار الأسد؟ وكيف تحول من طالب يدرس الطب إلى رئيس يُوصف حكمه بالسلطوي وتُتهم قواته، بارتكاب مجازر وجرائم حرب؟
ولد بشار الأسد عام 1965 لحافظ الأسد وأنيسة مخلوف.
و جاءت ولادة بشار في فترة كانت عائلته وسوريا بل ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها تشهد الكثير من التطورات الدرامية.
ففي تلك الفترة كان الخطاب القومي العروبي يهيمن على حكومات العديد من بلدان الشرق الأوسط، خاصة في مصر التي كان يحكمها الرئيس جمال عبد الناصر.
دمشق كانت أيضا تروج للقومية العربية خاصة في ظل حكم حزب البعث الذي تولى الحكم بعد فترة قصيرة من فشل الوحدة بين مصر وسوريا التي استمرت بين عامي 1958 و1961.
وكما كان الحال في مصر وأغلب البلدان العربية في تلك الفترة، لم يكن الحكم في سوريا ديمقراطيا ولم يعرف انتخابات تعددية، بينما اتخذ سياسات اقتصادية وسياسية عادت بالنفع على فئات فقيرة ومهمشة في المجتمع.
كانت الطائفة العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد من بين هذه الفئات المهمشة في سوريا، بل يرى البعض أنها كانت من بين الفئات الأكثر تهميشا.
ولعبت الأوضاع الاقتصادية الصعبة للعلويين، الذين يقدر عددهم حاليا بنحو 12 في المئة من إجمالي عدد السكان، دورا في مشاركتهم بأعداد كبيرة داخل صفوف الجيش السوري بدءا من النصف الثاني من القرن العشرين.
كان الأسد الأب من أبرز العسكريين الذين صعد نجمهم في تلك الفترة بدعمه لحزب البعث، وصولا إلى تقلده منصب وزير الدفاع عام 1966.
وفي عام 1970 انفرد حافظ الأسد بالسلطة ليتولى في العام اللاحق منصب الرئيس، الذي احتفظ به حتى وفاته عام 2000، وهو الأمر الذي كان استثنائيا في تاريخ سوريا في النصف الثاني من القرن العشرين الذي شهد الكثير من الانقلابات العسكرية، منذ الاستقلال عن فرنسا.
وخلال تلك الفترة، شهدت سوريا الكثير من الأحداث الكبيرة كحرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، والحرب الأهلية في لبنان، والمواجهات بين الحكومة السورية والإخوان المسلمين خاصة في حماة عام 1982، والحرب العراقية الإيرانية التي وقفت دمشق خلالها إلى جانب طهران، في ظل العداء بين حافظ الأسد وصدام حسين.
ويمكن القول إن حافظ الأسد قمع معارضيه، ولم يشهد حكمه أي انتخابات ديمقراطية. كما تمكن في الوقت ذاته من المناورة وعقد صفقات براغماتية سمحت له بالنجاة من العديد من التحديات والتغيرات الدولية. فعلى سبيل المثال، كانت سوريا من بين أبرز حلفاء الاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط، لكن هذا لم يحل دون انضمامها إلى معسكر الولايات المتحدة في حرب الخليج الثانية ضد العراق مطلع عام 1991.
الطب ولندن
في ظل كل هذه الأحداث سلك الابن بشار لنفسه طريقا بعيدا عن السياسة والجيش.
فبعد تخرجه في جامعة دمشق في ثمانينيات القرن الماضي، سافر إلى بريطانيا لمواصلة دراسته الطب؛ إذ التحق بمستشفى "ويسترن لندن لأمراض العيون" ليتخصص في هذا المجال.
وبحسب ما جاء في السلسة الوثائقية "عائلة خطيرة.. آل الأسد"، الذي أنتجته بي بي سي عام 2018، كان بشار الأسد سعيدا بالحياة في لندن بمختلف مظاهرها، وكان -على سبيل المثال- من المعجبين بالمغني الإنجليزي فيل كولينز.
وفي لندن تعرف بشار على زوجته المستقبلية، أسماء الأخرس، التي يعود أصولها إلى مدينة حمص.
كانت أسماء تدرس علوم الكمبيوتر في جامعة كينغز كوليدج ولاحقا قُبلت لدراسة ماجستير إدارة الأعمال في جامعة هارفارد الأمريكية العريقة، لكن حياتها كانت بصدد اتخاذ منحى مختلف.
بينما بدا أن حياته بشار وأسماء ستكون هادئة نسبياً، جاء القدر مختلفاً.
وفاة "الوريث"
كان ترتيب بشار بين أبناء حافظ الأسد هو الثاني بعد الابن الأكبر باسل، الذي كان يُنظر إليه كوريث الأب.
"الوريث" باسل درس الهندسة وكان شغوفا برياضة الفروسية وفاز بالعديد من الألقاب المحلية.
وفي يناير/كانون الثاني 1994، أودى حادث مروري بحياة باسل الأسد ما أحدث تغييرا كبيرا في حياة الشقيق بشار.
اُستدعي بشار من بريطانيا على الفور، لتبدأ لاحقا عملية إعداده ليصبح رئيسا مستقبليا لبلاده، بداية من انضمامه للجيش وصولا إلى تلميع صورته إعلاميا تمهيدا لدوره المقبل.
الرئيس الشاب وحلم التغيير
في يونيو/حزيران عام 2000 توفي حافظ الأسد. وبعد وفاة الأب ُنصّب الابن ذي الـ34 عاما رئيسا للجمهورية، عقب تعديل مادة في دستور البلاد كانت تشترط ألا يقل عمر الرئيس عن 40 عاما.
أدّى الرئيس الشاب اليمين الدستورية أمام البرلمان في صيف عام 2000 ، مستخدما لغة جديدة؛ إذ تحدث عن "الشفافية والديمقراطية ومسيرة التطوير والتحديث والمساءلة، والفكر المؤسساتي".
وبعد أشهر من توليه رئاسة سوريا، تزوج بشار الأسد من أسماء الأخرس لينجبا ثلاثة أبناء هم حافظ وزين وكريم.
وبدأ الرئيس الشاب يتحدث عن عزمه القيام بإصلاحات سياسية ورفع القيود عن وسائل الإعلام. وهكذا تسلل التفاؤل إلى قلوب قطاع كبير من السوريين، الذين رأوا في الرئيس الطبيب وزوجته ذات الثقافة الغربية، دليلا على أن البلاد مقبلة على مرحلة جديدة عنوانها التغيير.
وشهدت سوريا بالفعل نوعا من النقاشات وهامشا من حرية التعبير في أوساط المثقفين بشكل لم يكن مألوفا من قبل، لتنتج المرحلة حراكا مدنيا أطلق عليه اسم "ربيع دمشق".
"ربيع دمشق" لم يستمر طويلا ففي عام 2001 عادت أجهزة الأمن لاعتقال المعارضين الذين جهروا بآرائهم.
ورغم إجرائه بعض الإصلاحات الاقتصادية التي سمحت بمساحة أكبر للقطاع الخاص في الاقتصاد السوري، شهدت السنوات الأولى من حكم بشار الأسد، صعود نجم ابن خاله رامي مخلوف، الذي أسس إمبراطورية اقتصادية، رأى فيها معارضون تجسيدا للمزج بين المال والسلطة.
وتزامنت نهاية "ربيع دمشق" مع حقبة دولية جديدة تشكلت عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 وما أعقبها من حروب أمريكية في أفغانستان والعراق.
حرب العراق واغتيال الحريري
كانت حرب العراق عام 2003 سببا في التدهور الكبير للعلاقات بين بشار الأسد وحكومات غربية، فالرئيس السوري كان من المعارضين لغزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة، وهو ما قد أرجعه البعض إلى خشيته من أن تكون سوريا هي المحطة التالية للغزو الأمريكي، ليلقى مصيرا مشابها لمصير صدام حسين.
واشنطن بدورها اتهمت دمشق بغض الطرف عن عمليات تهريب الأسلحة إلى المسلحين المعارضين للاحتلال الأمريكي للعراق، بل والسماح بدخول المتطرفين إلى العراق عبر الحدود الطويلة بين البلدين.
وفي نهاية عام 2003 وافق الكونغرس على قانون "محاسبة سوريا" الذي سمح بفرض عقوبات على دمشق لعدة أسباب من بينها ما وُصِفَ "دعم الإرهاب".
قانون "محاسبة سوريا"، لم يكن متعلقا فقط بدور حكومة بشار الأسد في العراق، بل كان مرتبطا بالوجود السوري في لبنان، وهو البلد الذي سيكون هو الآخر، سببا في زيادة الضغوط الدولية على الأسد.
ففي فبراير/شباط عام 2005 اغتيل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، الذي كان آنذاك من أبرز المناوئين للسيطرة السورية على لبنان.
وعقب الاغتيال، الذي وقع جراء انفجار ضخم في وسط بيروت، وُجِهت أصابع الاتهام صوب سوريا وحلفائها. واشتعلت في لبنان مظاهرات عارمة تزامنت مع الضغوط الدولية على دمشق ما أدى إلي الانسحاب السوري من لبنان بعد نحو 30 عاما من دخول القوات السورية إليه.
رغم ذلك، دأب الأسد وحليفه الأبرز في لبنان، حزب الله، على نفي التورط في اغتيال الحريري، حتى بعد أن أدانت محكمة دولية خاصة في عام 2020، أحد أعضاء الحزب بتهمة التورط في الجريمة.
إقليميا، شهد العقد الأول من حكم الأسد الابن تعزيزا في علاقات بلاده مع إيران، فضلا عن تحقيق تقارب مع كل من قطر وتركيا، وهو ما سيتغير لاحقا. أما علاقته بالسعودية، فقد عرفت محطات من المد والجزر، رغم الدعم الذي قدمته الرياض للرئيس الشاب بداية حكمه.
وبشكل عام سار الأسد الابن على خطى الأب فيما يتعلق بممارسة المناورات في السياسة الخارجية، مع عدم الزج بسوريا في أي مواجهات مسلحة مباشرة.
وبعد عشر سنوات من تسلمه السلطة، كان بشار الأسد يمارس الحكم بنهج وصف بـ"السلطوي"، وأحل عناصر موالية له محل شخصيات بارزة من الحرس القديم. كذلك استمرت السلطات في قمع المعارضين وسط غياب للحرية السياسية أو التعددية.
شرارة البوعزيزي
في شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2010 كانت أسماء الأسد تجري مقابلة مع صحفية تعمل لصالح مجلة "فوغ"، تحدثت فيها عن أن منزلها يُدار بـ "طريقة ديمقراطية".
وفي اليوم ذاته، أقدم بائع الخضراوات التونسي محمد البوعزيزي على إضرام النار في نفسه، احتجاجا على صفعه من قبل شرطية، لتشتعل انتفاضة شعبية في تونس، تطيح بحكم الرئيس زين العابدين بن علي.
انتفاضة تونس نقلت بشكل غير متوقع روح الثورات، إلى العديد من البلدان العربية، كمصر وليبيا واليمن والبحرين وصولا إلى سوريا.
المقابلة التي نشرتها مجلة "فوغ" تحت عنوان "زهرة في الصحراء" في مارس/آذار 2011، قبل أن تعود وتسحبها لاحقا، جاء فيها أن سوريا "بلد يخلو من التفجيرات والتوترات وعمليات الاختطاف" وهو الأمر الذي سيتغير خلال الأشهر المقبلة.
ففي منتصف مارس/آذار، تظاهر ناشطون قرب سوق الحميديّة في دمشق، لكن بعدها بأيام قليلة انطلقت مظاهرات مطالبة بالديمقراطية في مدينة درعا جنوبي البلاد، بعد اعتقال أطفال، كتبوا شعارات منددة بالأسد على جدران المدينة - واستمرت تلك المظاهرات.
انتظر الأسد مرور أسبوعين على اشتعال شرارة الاحتجاجات السورية قبل أن يتوجه بخطاب للشعب السوري ألقاه أمام أعضاء البرلمان، ووعد فيه بإحباط ما أسماه بالمؤامرة التي تستهدف بلاده، رغم اعترافه بوجود حاجات لم تلب لدى قطاعات واسعة من الشعب.
إطلاق قوات الأمن النيران على المتظاهرين في درعا، أذكى المظاهرات في المدينة، لتنتشر حركة الاحتجاجات الداعية إلى تنحي الأسد في مدن عدة على مستوى البلاد، وهو ما قابلته السلطات باللجوء إلى العنف لقمع المتظاهرين، متحدثة عن وجود "مخربين ومندسين تحركهم جهات خارجيّة".
ولم تمض بضعة أشهر حتى تحول الأمر إلى مواجهات مسلحة، بين القوات الحكومية وفصائل معارضة حملت السلاح في مناطق عدة بالبلاد.
قـــد يهمــــــــك أيضــــــاُ :
تقارير تصف زيارة الاسد للامارات ب" التاريخية" و بن زايد يقول دمشق أساسية للأمن القومي العربي