أجواء زخرفية «شاعرية» في ديكور مميز

على أن الجوهري في هذا الموضوع، يبقى في تحقيق الرغبات والأماني، وتشكيل مناخات متميزة وفريدة... تكتنز من «الخصوصية» ما يؤهلها لأن تسجل في لائحة «الابتكار» وما يمنحها صفة «التجديد».

فنحن هنا نتحدث عن مناخات وأجواء... ولعل «الشاعرية» تتصدر قائمة هذه التنويعات الآسرة. بالطبع يستدعي الأمر حسن اختيار المواد والعناصر، كما يتطلب الكفاءة والخبرة.
ولكنه قبل هذا وذاك، يعتمد على الحساسية الفائقة في التعامل مع هذه المسألة بما يتعدى الطبيعة المادية للمواد والعناصر، وما يتجاوز الكفاءة والخبرة.
إنها مسألة تشبه الى حد بعيد التعامل مع اللغة. فالمفردات التي نستخدمها بشكل روتيني في يومياتنا، هي نفسها المفردات التي يمكن الشاعر أن يصيغ منها أجمل القصائد.

وهكذا، فإن الألوان والأشكال والأحجام التي تشكل أبجديات العمل الزخرفي، هي نفسها التي يمكن أن توفر لنا أجواء شاعرية بالغة الرقة واللطف والنعومة. بالتأكيد، مثل هذه الأجواء يصعب توفيرها من دون الاستعانة بقواعد ومعايير ثابتة في العمل الزخرفي.
ولكن للحصول على الأجواء الشاعرية المطلوبة، ينبغي علينا أن نطور طرائق تعاملنا مع هذه القواعد والمعايير، وأن نمتلك الجرأة للذهاب معها الى آفاق جديدة غير مسبوقة.

ولأن «الشاعرية» مسألة ذات خصوصية شديدة، فإن الذوق الشخصي يتحكم في الكثير من مرافقها.
لذا نجد أن هذه الأجواء قد لا تتطلب الكثير من المعدّات والأدوات أو المواد والعناصر الخاصة، بقدر ما تتطلب المبادرة والتلقائية، وبالطبع لا بد من جرعة كافية من المعرفة بأساسيات الديكور.

ومن بين الأشكال والألوان والأحجام، يبرز دور الألوان في تأكيد الأجواء الشاعرية، حيث تلعب دوراً محورياً في الخصائص الحصرية لهذه الأجواء.
فاللون هنا يتفاعل كنغمات، بمعايير دقيقة في المزج وفي نسب المواضع والمساحات... حيث تبدو الألوان الباردة أكثر طواعية لتحقيق أرضية مناسبة للنغمات اللونية الأخرى... فهي يمكن أن تخلق تناغماً أخّاذاً مع الكثير من النغمات اللونية التي تمتلك صفات الدفء والحميمية.
على أن من الضروري قبل الشروع في تحديد الألوان واختيارها، معرفة مروحة الألوان الباردة وتلك الحارة، حيث تكاد تنعدم الحدود في بعض مراتبها ونغماتها.

غير أن أهمية الألوان في تفعيل الأجواء الشاعرية، لا تلغي أهمية دور الأشكال، بل تساعد في مرافق كثيرة على أن تتوضح مرامي استخداماتها... بالطبع الأشكال الانسيابية، المنحنية، وذات الخطوط النقية هي عناصر تساعد كثيراً في تمتين العلاقات في الأجواء الشاعرية، وتمنحها أبعاداً تتناسب ومستويات الرغبات والميول... على أن ذلك لا ينبغي أن يفهم منه ضرورة الابتعاد وبشكل مطلق عن الأشكال المركبة والمتكلفة أو ذات الطبيعة الباروكية.
إن تحاشي هذه الأشكال ونفيها ربما يقودان الى أجواء الـ «زن»، ولكنها بالتأكيد ليست الأجواء الشاعرية المتوخاة. فالمسألة تعتمد أولاً وأخيراً على دقة الاختيار ومدى مؤهلاته لتوليد انسجام وتناغم مع طبيعة الموضوع المراد إبرازه.

أما مسألة الأحجام، فتنبثق من زواج متماسك بين الألوان والأشكال... وللأحجام أهمية بالغة في تأكيد أطوار الأناقة في كل ركن في المكان. لذا، فإن الخيارات المتعلقة بها، ينبغي أن تكون على درجة كبيرة من الدقة والانتباه، بحيث إن أدنى اختلال في مجال الأحجام قد يلغي فعالية الألوان والأشكال ويطرح المسألة برمّتها على بساط البحث.
كما أن الأحجام الصغيرة والمتوسطة يمكن التحكم فيها أكثر، وطواعيتها في أرجاء المكان تتيح فرصة مؤكدة لتعديلات مرغوبة من اجل الوصول بالأجواء الشاعرية الى أعلى مراتبها... هذا من ناحية. ومن ناحية ثانية، تتيح لنا حرية أكبر في الحركة والتنقل بين الأركان ولا تحجب تفاصيل قد تكون ضرورية لهوية الأجواء المطلوبة. 

بالتأكيد المعايير والقواعد العامة، لا تعني في حال الالتزام بها، حصولنا على الأجواء الشاعرية المرغوبة.
ففي أحيان كثيرة، ثمة جرأة مطلوبة، قد تتجاوز في مفهومها التعريفات السائدة للأجواء، ليس فقط من حيث قدرتها على القفز فوق معادلات الألوان والأشكال والأحجام التقليدية، ولكن أيضاً من حيث كونها تولّد أبعاداً عملية جديدة وقيماً جمالية مضافة، مما يسمح بتسجيلها في خانة الإضافات الخلاقة.

وينبغي ألا نهمل التفاصيل والنهائيات والأكسسوارات، فهي هنا ليست كماليات للأجواء الشاعرية المطلوبة، بل ضرورات يحتم وجودها خلق أجواء مشحونة بالعاطفة والذكريات والحنين. فوجودها لا يتوقف على مسائل تزيينية، بل يرتقي الى مصاف المواقف.