أوسلو - أ.ف.ب
قد يبدو من غير المرجح ان يكون الكتاب المقدس الكتاب الرقم واحد في المبيعات بالنسبة الى أي بلد. غير ان شعبيته الجامحة فاجأت النروج، احدى اكثر الدول علمانية في اوروبا الملحدة على نحو متزايد، حتى ان طبعته الجديدة بالنروجية اطاحت بـ"فيفتي شايدز اوف غراي"، ليصبح اكثر الكتب مبيعاً في البلاد. الاهتمام المفاجىء بكلمة الله امتد ايضا الى المسرح مع مسرحية مدتها ست ساعات بعنوان: "Bibelen" (بيبيلن)، او "الكتاب المقداس" بالنروجية. وقد جذبت 16 الف شخص خلال 3 اشهر فقط، في عروض متواصلة انتهت اخيرا في احد اشهر المسارح في اوسلو. المسؤولون في الكنيسة اللوثرية توقفوا عن وصف الامر بانه "صحوة روحية".، غير انهم يرون في هذا الاهتمام الجديد بالكتاب المقدس دليلا الى انه لا يزال له صدى في بلد لا تزيد نسبة السكان الذين يحضرون القداس بانتظام عن 1 في المئة من 5 ملايين نسمة. "لا تزال افكار وصور من الكتاب المقدس تؤثر في طريقة مواجهتنا الواقع"، يقول كارل اوف كنوسغارد، احد الكتاب النروجيين الشهيرين العديدين الذين ذكرت اسماؤهم للمساعدة في الترجمة. لم يفاجأ العلماء بالنجاح الذي حققته المسرحية او الترجمة الجديدة، شارحين ان الايمان مسألة شخصية جدا في هذه الامة من الاسكندنافيين المحافظين الذين يتركون بانتظام حياة المدينة لقضاء عطلاتهم في بيوت نائية في الجبال المنعزلة والمضايق والغابات... "نسبة مرتادي الكنيسة مقياس ضعيف لحال الايمان النروجي"، يقول الباحث في جامعة اوسلو تروغير كولشوس. "الدين مسألة شخصية للغاية بالنسبة الى النروجيين". من جهتها، ترجح مديرة النشر في جمعية الكتاب المقدس آن فايتيبرغ ان "تكون الهجرة المتزايدة الى النروج عاملا مؤثرا. اكثر من 258 الف مهاجر استقروا في البلد خلال الاعوام الستة الماضية فقط، مضيفين بذلك تنوعا في العرق والدين. وتقدّر الكنيسة ان نحو 60 في المئة من المهاجرين مسيحيون، بينما البقية مسلمون، بوذيون او هندوس. "بتعرضهم اليوم لديانات اخرى، اصبح النروجيون اكثر اهتماما بديانتهم الخاص"، وفقا لفايتيبرغ. الترجمة الجديدة للكتاب المقدس، التي اصدرتها الجمعية في ت1 2011، تستبدل طبعة العام 1978، بهدف تحسين القراءة السهلة والدقة. على سبيل المثال، كانت مريم تدعى "عذراء" في الطبعة القديمة. وبدلا عن ذلك، اصبح يشار اليها في الترجمة الجديدة بـ"شابة". التغيير اياه اجراه مجلس اساقفة الكاثوليك الاميركيين في ترجمته الاخيرة الصادرة العام 2011، قائلا ان التعديل لم يغير تعليم الكنيسة حول القديسة مريم. والمقصود به تقديم مختلف المعاني المحتملة لكلمة "almah" العبرية الواردة في النص. وقد سوّقت جمعية الكتاب المقدس الترجمة الجديدة كما لو كانت رواية "بوب" خيالية، مثيرة التوقعات عبر نشر مقتطفات من قصص في الكتاب المقدس قبل اصداره. وعاد الامر الى شعراء وادباء، ككنوسغارد، لجعل النص "يغني" ويجد صداه لدى جيل جديد. كذلك "عُلِّب" الكتاب بطرق مختلفة: الجلد الزهري او "الدنيم" للمراهقين، الغلف الادبية الراقية وغلف الزفاف للراشدين. ما لاحظته رئيسة اساقفة الكنيسة في النروج المطرانة هيلغا هوغلند بايفوغليان "ان القراءة باتت اسهل (في الترجمة الجديدة)، ولا افراط في تفسير النص". وقد بيع من الكتاب المقدس نحو 160 الف نسخة، وكان الاكثر مبيعا العام 2012. ويقر مسؤولون في الكنيسة ان حملة التسويق الضخمة ساعدت في تلك المبيعات الكبيرة. على غرار دول اوروبية عدة، اختبر النروجيون عقودا من العلمنة، تراجع خلالها الدين الى "المقعد الخلفي" لمصلحة اشياء اخرى. العام الماضي، قرر البرلمان بالاجماع انهاء وضع الكنيسة اللوثرية كديانة رسمية للدولة. ولكن حتى لو يكن النروجيون يذهبون الى الكنيسة، فانهم لا يزالون يرون في الكتاب المقدس "جزءا مهما من تراثهم الادبي"، يقول ايريك اولفسبي، المدير الفني في مسرح "De Norske Teatret" الذي استضاف مسرحية "بيبيلن". "الكنيسة تريدك ان تؤيد تفسيرها، غير ان المسرح يمنحك فرصة للتفكير بصوت عال ومناقشة الكتاب المقدس". المسرحية التي ادارها ستاين وينج قدمت بالتأكيد تفسيرا غير تقليدي. على سبيل المثال، بدلا من ان يموت السيد المسيح على الصليب، أُدخِل مستشفى الامراض العقلية، وفي النهاية أُعدِم بالحقنة المميتة. وفي عرس قانا الجليل، شاهد روّاد المسرحية المسيح ثملا بينما كان يحوّل الماء خمرا. الكتاب المقدس ليس الانتاج الديني الاول الذي ابقى النروجيين على حافة مقاعدهم. فالممثل المتجدد سفاين تيندبرغ عرض ثلاثة "مونولوغات" مرتكزة على الكتاب المقدس، كل منها انجح من سابقتها. ورغم التفسيرات الفنية غير التقليدية الآخذة في الظهور، فان السلطات الدينية تشجع مفهوم اختبار الدين من خلال الفن. "حتى لو لم تكن تؤمن بجوهر الرسالة، فالكتاب المقدس يتمتع بقصص غنية وهادفة"، تقول بايفوغليان. "الثقافة تكسر الخجل الديني في علاقة الناس بالكنيسة. انها وسيلة لمن نأوا بانفسهم لاختبار الكتاب المقدس بطريقة مثيرة للاهتمام".