لندن – صوت الإمارات
تحلم الكثيرات منا بتمضية إجازة صيفية فيها الكثير من الاسترخاء والتأمل. ويشكّل السفر إلى إحدى المدن الساحلية حيث التجوال على أرصفة موانئها التي تغازل الأزرق بكل تموّجاته واكتشاف أسرار أحيائها وهي تستيقظ على نسائم الصبا، وارتشاف قهوة في أحد مقاهيها المُشرفة على البحر، ومراقبة الشمس وهي تغفو عند الأفق تاركةً لخيوطها الأرجوانية مقاومة ستارة الليل، صورًا نرسمها في مخيلتنا لننطلق في إجازة، «الموانئ البحرية» عنوانها.
وفي العالم مدن ساحلية تحضن موانئ كثيرة تلهب الخيال وتوقظ الإحساس بالجمال إلى حد يتمنى المرء البقاء فيها إلى الأبد. في كندا وتشيلي واليونان وهونغ كونغ وألمانيا وسيدني مدن تحضن أروع الموانئ البحرية.
سكوبيلوس في اليونان
هل شاهدت فيلم «ماما ميا»؟ ألم تثر فيك مشاهد البلدة التي جالت فيها ميريل ستريب وصديقاتها رقصًا وغناءً رغبة السفر إلى هذه الأماكن والاستمتاع بعوالم اليونان الجميلة؟ ربما ظننت أنها مشاهد افتراضية ابتكرها مخرج الفيلم ومنتجها سينمائيًا، مضيفًا إليها بعض الرتوش. ولكن لا، إنها مشاهد لأمكنة واقعية وحقيقية، وربما الكاميرا لم تكشف كل تفاصيلها.
إنها جزيرة سكوبيلوس اليونانيّة ومرفئها التقليدي، وهي واحدة من مجموعة جزر تكوّنت شمال مجموعة جزيرة سبوراديس، المستلقيّة عند شرق شبه جزيرة بيليون التابعة بدورها للبر الرئيس وشمال جزيرة أوبوا.
ويعني اسم سكوبيلوس،»عناقيد العنب» ووفق الأسطورة فإن ستافيلوس ملك العنب ابن الملك ديونيسو وأميرة كريت أريادين، هو الذي بنى الجزيرة،.
ومهما كتبت الأساطير اليونانية، فمما لا شكّ فيه أن سكوبيلوس هي الجزيرة الأكثر خضرة بين جزر بحر إيجيه. فهذه الجزيرة تحضن أنواعًا لا تحصى من الزهور والأشجار. وهي مشهورة بغابات الصنوبر الحلبي والبلوط، وبساتين الزيتون والأشجار المثمرة.
أما الشاطئ فلا بد من أن تتقمصي دور ميريل ستريب وصديقاتها أو أماندا سيفريد التي لعبت دور الابنة وتقفزي في المياه الفيروزية، ومن ثم تتشمّسي على الرمال اللؤلؤية غير آبهة بنفحات الشمس الذهبية.
لا تزال سكوبيلوس تحتفظ بمدرجاتها الإغريقية داخل الخليج، هندستها المعمارية هي مزيج من الفن الفنيسي والنيوكلاسيكي والإيجي. تتميّز بالقصور والشوارع الضيّقة المرصوفة والبيوت البيضاء التي تعتمر القرميد الأحمر وتزنّرها الحدائق الخاصة الصغيرة التي تتدلى من أسوارها عرائش الزهور والعنب، وحي كاسترو العتيق. أما الواجهة البحرية فتضج بالصخب، إن لجهة الزوار والسيّاح والسكان، أو لناحية المقاهي المنتشرة على الرصيف والتي تقدّم ما لذّ وطاب من المطبخ اليوناني.
وما أجمل أن تمضي نهارك وأنت تجولين في هذه المدينة الرائعة سيرًا على القدمين تصعدين سلالم أروقتها وأزقّتها، وتتبادلين الأحاديث مع سكان الجزيرة الذين يتميزون بطباع سكان البحر المتوسط، وتتناولين الغداء في أحد المطاعم المنتشرة على رصيف الميناء، أو في المطعم الذي صُوّرت فيه مشاهد حفلة العرس في «مامّا ميا».
نالت سكوبيلوس لقب «المدينة التقليدية بجمال استثنائي»، ولعلّ صعود درجات السلالم التي توصلك إلى القمّة حيث أطلال قصر ومنزلين تقفين عندها وتستمتعين بمشهد الصيادين في مينائهم الصغير وهم يكشفون عما قدمه لهم البحر من خيرات فتدخلين في عالم يوناني عزّ نظيره في العالم. كل ركن في سكوبيلوس يدعوك للفرح والاحتفال. فالسهر على الطريقة اليونانية في أحد النوادي الليلية هو قمة المتعة، ولمَ لا تمارسين تقليد كسر الصحون عندما تشعرين بالسعادة، أو ترقصين رقصة الزوربا على أنغام إحدى أغنيات الفلكلور اليوناني!
فالبارايسو في شيلي
هل تخيّلت مدينة ساحلية تعيش على إيقاع الألوان بكل تدرّجاتها، حتى الأزرق فيها يغالي في تلوّناته. هل فكرت يومًا في الإبحار إلى مدينة ساحلية تعيش فوضى الألوان والرسوم الجدارية أينما جلت في نظرك! إذا لم تفعلي، دعيني أقدّم لك فالبارايسو ثاني أكبر المدن في تشيلي والتي تقع شمال غربي العاصمة سانتياغو، وتستريح على ميناء أسطوري هو أول ميناء بحري في تشيلي، ليشكلا معًا ملاذًا أسطوريًا للباحثات عن إجازة عنوانها الفرح بكل تفاصيله.
رغم صغر مساحتها، تنفرد فالبارايسو بطابع خاص يجعلها أجمل مدن تشيلي وأميركا اللاتينية. تشغل المدينة وميناؤها حزامًا طبيعيًا يمتد بين البحر والهضاب، فيما يزدحم وسطها التجاري بالشوارع الضيّقة المرصوفة بالحجارة، ويمكن الادّعاء أيضًا أنها مرصوفة بالألوان.
فالصعود إلى مرتفعات المدينة يكون إما عبر القطار الجبلي الذي لوّنت محطته، أو عبر السلالم اللولبية الملونة بإتقان. تخيّلي أنك تصعدين على مفاتيح البيانو، ولكن الإيقاع هنا ليس موسيقيًا، بل دهشة ترافقك مع كل درجة تصعدينها، سواء لناحية الرسوم المستريحة على جدران البيوت، أو التداخل بينها بشكل غريب بين الأزقة، فتكملين صعودك لتقفي عند قمة الألوان لتعودي تجدينها وقد تدحرجت نحو الميناء لتتمايل بكل تشكلاتها في قوارب الصيادين التي بعضها يبحر بالسيّاح القادمين من جميع أصقاع الأرض، فيما يحمل بعضهم فيها ما أخرجوه من خيرات المحيط الهادئ، والذي هو هادئ بالاسم وصاخب بالفعل، أي بفعل الألوان التي يرسمها، والعالم الذي يعيش في أحشائه المائية.
لا يكفي يوم واحد للتعرف إلى هذه المدينة، فزيارة متحفها «التاريخ الطبيعي» ومتحف «الفنون الجميلة» ومتحف «الحياة البحرية» والتسكع في سوق الحِرف اليدوية تتطلب منك أيامًا.
رغم صغر مساحة فالبارايسو فهي مدينة تضج بالتناقضات والتنوّع الجغرافي، والولوج في أسرار أحيائها يُدخلك في متاهة من المتع الفريدة التي تشبه الطعم الحرّيف لأطباقها التي كلما تذوّقتها تشعرين برغبة في تناول المزيد منها.
ميناء هامبورغ في ألمانيا
يعدّ ميناء هامبورغ أكبر ميناء في ألمانيا وثالث أكبر الموانئ الأوروبية، يقع عند مصب نهر ألبه، ويبعد عن بحر المانش 144 كيلومترًا.
إذًا هو ميناء نهري بمقاييس بحرية. التجوال في هذا الميناء ليس مجرد تجوال وسط رافعات عملاقة وحاويات شحن، بل إبحار في عالم من الترفيه أيضًا: حفلات موسيقية في قاعة كبيرة، وأكشاك تعرض كل ما يثير الشهية والرغبة في التسوّق.
ففي سوق السمك الذي يعود تاريخ تشييده إلى عام 1703 يعرض كل شيء تقريبًا يمكن بيعه، بدءًا من أطقم الشاي من البورسلان وصولاً إلى شراء السمك الطازج. فيما قاعة مزاد بيع الأسماك Fischauktionshalle التي بُنيت بين عامي 1895 و 1896 تدخلك في تفاصيل تاريخية لصيد السمك، وقد تم ترميمها عام 1984 ووضعت ضمن لائحة حماية الآثار التاريخية.
ومن سوق السمك إلى منطقة المستودعات التي تقع بين Deichtorhallen وBaumwall وهي أكبر مجمّع للمستودعات في العالم، وفيها يمكنك التسوق، مثل البهارات، القهوة، الكاكاو، الشاي، أجهزة الكمبيوتر، التبغ، والسجاد... وخلف جدران سميكة تختبئ الرومانسية، بين القنوات والمباني والأبراج من الطوب والتي شيّدت بالنمط القوطي.
زيارة هذه الأبراج برفقة مرشد سياحي ستبيّن لك الاختلاف بين عمل الميناء في الماضي وعمله راهنًا. فيما متحف «هامبورغ دانجون» هو المكان الذي يمكّنك من اكتشاف تاريخ هامبورغ. وقرية الصيد Blankenese المستريحة على نهر ألبه هي مكان نزهة شعبية، تجولين بين الأزقة الخلابة، والسلالم المتعرجة والبيوت الصغيرة المتلاصقة والمحلات التجارية والمطاعم والمقاهي. إنها دعوة لنزهة ممتعة على ضفاف النهر.
أما إذا أردت خوض تجربة فريدة فعليك عبور نفق ألبه الذي شيّد عام 1911 ليخترق النهر بعمق 24 مترًا حاملاً المركبات والرجال العابرين نحو الضفة الجنوبية لنهر ألبه.
ميناء هاليفاكس في كندا
واحد من أهم موانئ الصيد في العالم، وأكبر قاعدة بحرية في كندا. يستريح هذا الميناء في مدينة هاليفاكس عاصمة مقاطعة نوفا سكوتيا، وثاني أكبر مدينة ساحلية كندية على المحيط الأطلسي.
وهاليفاكس هي واحدة من أقدم المدن في كندا تأسست عام 1749، وبُنيت على سلسلة من الهضاب والتلال المحيطة. يفخر السكان المحليون بهاليفاكس، وكثير منهم جاؤوا من أجزاء أخرى من نوفا سكوتيا، نظرًا إلى أسلوب الحياة الذي يطغى على المدينة ومينائها. إنها ليست مجرد مدينة تضج بالحياة، وإنما مدينة قد تفاجئك بكل تفاصيلها: التجوال في الواجهة البحرية التاريخية أو زيارة متحف أو متحفين أو الاستمتاع بعروض موسيقية حيّة في الشارع مجانًا، فيما سكّانها يبدون سعداء في مشاركة مدينتهم ومينائهم الرائعين مع الزوار من جميع أنحاء العالم.
فهنا نسائم المحيط الأطلسي تُبقي الهواء نظيفًا، فيما المتنزّهات العامة التي تحتشد فيها الأشجار الوارفة، والحدائق المشذّبة بين المباني التراثية، والفنون المزدهرة والمسرح والحانات العديدة، والتنوّع الثقافي المنتشر في هذه المدينة ومينائها، تجعل من إجازتك الكندية ذكرى لا تُنسى لبلد كان ولا يزال حلم الكثيرين حول العالم.
فيكتوريا في هونغ كونغ
يُلقّب بميناء هوليوود، وهو خليج بين جزيرة هونغ كونغ وشبه جزيرة كولون. يشتهر ميناء فيكتوريا على مستوى العالم بمشاهده البانورامية الدرامية حيث يفرض أفق ناطحات السحاب فوق التلال على مشهد هونغ- كونغ.
من بين أفضل الأماكن لمشاهدة الميناء «بيك تاور» Peak Tower فوق قمة فيكتوريا، أو من ساحة المركز الثقافي أو كورنيش «تسيم شا تسوي» لجهة جزيرة كولون.
وأيضًا ركوب عبّارة ستار، وخاصة الدرب وسط «تسيم شا تسوي»، هو طريقة أخرى لمشاهدة الميناء ومناظر المدينة الخلابة.
يستضيف الميناء العديد من المعارض العامة الكبرى، بما في ذلك عرض الألعاب النارية السنوية في الليلة الثانية من العام القمري الجديد. هذه العروض تحظى بشعبية كبيرة مع السيّاح والسكان المحليين على حد سواء، وعادة ما يتم بثّها على شاشة التلفزيون المحلي. لتعزيز شعبية الميناء كموقع لمشاهدة معالم المدينة، فهو يقدّم عرض سمفونية الأنوار.
كما افتتح أخيرًا شارع النجوم، الذي بني على طول الكورنيش الجديد في «تسيم شا تسوي». وهذا الكورنيش على غرار ممشى المشاهير في هوليوود، كُرّم فيه أكثر الناس اللامعين في عالم السينما في هونغ كونغ على مدى العقود الماضية.
ميناء سيدني في أستراليا
عندما اكتشف الكابتن جيمس كوك خليج سيدني عام 1770، قال إنه وجد ما يكفي من الصفات لتشييد مرفأ في منطقة The Rocks.
هنا بدأ تاريخ سيدني عندما رمى الكابتن مرساته عند شاطئ المدينة ليبدأ معه تاريخ جغرافيا جديدة لم تكن موجودة على خريطة العالم. وقد ازدهر ميناء سيدني على مر القرون، والمعروف راهنًا بـ«دارلينغ هاربور».
هنا تتجاور البوتيكات والمقاهي والأبنية التجارية، أما رصيف الميناء فيغص بالرياضيين والموظفين المتوجهين إلى أعمالهم، وكأنه نقطة انطلاقهم نحو كل شيء في يومياتهم.
ومن رصيف الميناء ينبثق «سيدني أوبرا هاوس» الأكثر شهرة في العالم والذي يضم سبعة مسارح تقدّم عروضًا مختلفة من الدراما والكوميديا والموسيقى... ومن الميناء سوف يدهشكِ الجسر المعلّق، فلا تترددي كثيرًا في خوض مغامرة تسلّقه.
إنه جسر سيدني. تصعدين الجسر درجة درجة وتتبعين خطوات المغنيّة كايلي مينوغ، والفنان الأوسترالي بول هوغان الذي كان واحدًا من المهندسين الذين رسموا مخطط جسر سيدني الفولاذي، وفي كل خطوة تأملي مدينة سيدني لتنعمي بمشهد بانورامي عزّ نظيره في العالم. وعند وقوفك عند قمة تقوّسه سوف تنعمين بمشهد خليج سيدني ومرفأ سيدني وكأنهما جزء من لوحة طبيعية يتلاعب فيها الأزرق والأخضر بألوان مائية. أما إذا سمعت دوي انفجار فلا تخافي، إنه صوت مدفعية ترحّب بعبور سفينة قديمة.
لا تتردّدي في الإبحار في بحر تاسمان الذي تستريح عليه سيدني، واركبي عبّارة وجولي بين الجزر الصغيرة المتناثرة واستمتعي بمشهد سيدني من الماء.