مشهد من فيلم "من السماء"

بدأت عروض فيلم "من السماء" في صالات السينما بـبيروت، والذي يطرح المخرج وسام شرف خلال أحداثه نواحيَ مختلفة من تداعيات الحرب الأهلية اللبنانية، مازجاً بين الفرح والحزن، الأمل واليأس، عاكساً مظهراً واقعياً للحال اللبنانية بعد سنين طويلة من الحروب الداخلية المتواصلة، حيث يُدخل عليها شرف عناصر تأليف وخيال تجددية، مستخدماً الأسطورة والخيال.

ويحكي الفيلم قصة "سمير"، مقاتل سابق في مليشيا، وبعد غياب 20 عاماً، اعتُقِد أثناءها أنه مات، يعود إلى حياة عُمر أخيه الصغير الذي يعمل حارساً شخصياً في بيروت، ووسط أحداث درامية وكوميدية، يواجه سمير تغيرات جذرية في بلد لم يعد يتذكره، وإن كان من حقيقة، فهي أن البلد في حركة متغيرة بصورة دائمة، لا يوجد يوم فيه يشبه الآخر، وكأنه خُصص لعدد من الناس يتمتعون بالتوتر، والحراك، والتحول دون هوادة ولا توقف.

وتقوم أحداث العمل على أخوين يتبعان أسلوب حياة خاصاً، يختلف بالكامل عن حياة الآخر في سياق إرث الحرب، فسمير، سجين ماضيه، يصل في الحاضر حاملاً شيئاً من الجشع، وهو لم يستطع الخروج من ماضيه ومعاناته في الأحداث، ولم يعد قادراً على صنع ما يأمل في حاضر لا يقتنع به. يمشي، يسقط، يقفز، يسبح، مترنح دائماً، غير مبال.

أما شقيقه عُمر، فهو أسير روتين يومه، وفي الوقت نفسه أسير ماضيه. يجرب العيش كأنه في حياة كان من الممكن معايشتها في فضاء وزمان تخيليين، فيما لو عاش فيها لسنوات خلت، ويبقي مشاعره مدفونة في داخله، ويبدو مستسلماً لذلك.

لماذا لجأ شرف إلى استخدام الأشباح في الفيلم برغم كونها فكرة كلاسيكية في عالم السينما؟ يعود ذلك إلى معاناته، وتأثير الحرب عليه، وهو ثأثير ترك على الناس بصورة عامة، وعلى متبعي طريق السينما، والفنون، نزعة من اللامبالاة، والاستخفاف بالحياة التي لم يعد الإنسان يشعر بقيمتها الكبيرة بسبب تأثيرات الحرب عليها، لذلك يتناول موضوعه بطريقة المماحكة التهكمية الساخرة، من الصنف الذي يستخدم الشبح كمظهر رئيسي. وهو يتعامل مع كل الشخصيات في الفيلم على أنها أشباح، وإن كانت تشير إلى شيء، فإلى وجود سخيف تافه مضحك. وهي جزئياً كوميدية، ولكن في نفس الوقت، مزعجة مجهولة المآل.

ويقوم الفيلم على مزيج من الحنين، والكوميديا الهزلية، ويتأرجح بين مزاجين، الضحك والحزن، حيث كل واحد من العنصرين مرتبط دائماً بالآخر.