انطلقت في الثامنة من مساء اليوم سلسلة من الفعاليات والأنشطة التي استعادت فيها الموسيقى، الفنون، الأدب والتّاريخ، وذلك عبر 12 ساعةٍ متواصلة قضى من خلالها الجمهور ساعات اللّيل وحتى الفجر في متحف البحرين الوطنيّ وذلك في سياق مهرجان (ما نامت المنامة) الذي تنظمه وزارة الثّقافة كأول حدث في المنطقة، واستمرّت حتّى الساعة السابعة صباحًا من اليوم الاثنين بحضور معالي وزيرة الثّقافة الشيخة ميّ بنت محمّد آل خليفة، العديد من السّفراء والشخصيات الدبلوماسيّة وحضور واسع ولافت.وقد دشّنت وزارة الثّقافة مهرجان ما نامت المنامة في متحف البحرين الوطنيّ، وذلك من خلال جولة في آخر العروض المتحفيّة عبر معرض (متحف البحرين الوطنيّ إنجاز حضاريّ رائد) والذي يسرد في تسلسل تاريخيّ حكاية إنشاء المتحف بدءًا من مرحلة المكتشفات الأثريّة، مرورًا بالمنجز العمرانيّ للمتحف ومراحل تطوير العروض، في عرضٍ لتصاميم المكان، وانتهاءً بآخر تطوّرات العروض المتحفيّة الجديدة التي من المزمع إطلاقها في النّصف الأول من العام المقبل. أمّا الأمسية الأولى من بعد الجولة، فكانت مع أوركسترا فرساي في الصّالة الثّقافيّة، إذ أحيت الأوركسترا روائع الموسيقى الكلاسيكيّة بالتّنسيق مع السّفارة الفرنسيّة، وذلك في حفلها الأول بمنطقة الخليج العربيّ والثّاني على مستوى الوطن العربيّ. وقد استخدمت في عرضها آلات موسيقيّة عريقة يصل عمر أقدمها إلى العام 1750م. وقد تواصل الحضور الفرنسيّ من بعد الحفل عبر معرض صور للفوتوغرافيّ الفرنسيّ إيريك بونيير في بهو المركز الإقليميّ العربيّ للتّراث العالميّ، إذ استعرض بونيير ملامح التقاطاته لمملكة البحرين وفكرته عن الحياة فيها خلال زيارتيه في ديسمبر 2012م وأبريل 2013م.ومن فرنسا إلى إيطاليا، حيث شهد متحف البحرين الوطنيّ لاحقًا حفل بيانو في الساعة 10:30 مساءً للدّويتو الإيطاليّ (Luciano Bellini & Antonella Vitelli)، قدّما من خلاله روائع المعزوفات على البيانو ذاته، وذلك بالتّنسيق مع السّفارة الإيطاليّة، وكانت الموسيقى حاضرة بعالمها مع مختارات من معزوفات فيردي وبوتشيني وروسيني.أمّا منتصف اللّيل، فكانت الانتقالة إلى العالم العربيّ مع سلسلة أطياف، إذ انعقدت جلسة نقاشيّة في قاعة المحاضرات بالمتحف حول فكر الأديب المصريّ نجيب محفوظ (الذي يتناوله الإصدار الخامس من سلسلة أطياف)، وذلك برفقة الدّكتور عبدالقادر فيدوح الذي حرّر هذا الكتاب وجمع ودرس كافّة أوراق العمل المنشورة إثر تواصله مع 20 محلّلاً ومثقفًا عربيًّا، شارحًا تفصيل هذا العمل ومعاييره، وطبيعة معالجة فكر الأديب محفوظ لدى الأكاديميّين العرب، وبمشاركة د. نبيلة الزّباري من مملكة البحرين. ومع بداية اليوم الجديد (الاثنين، الموافق 16 ديسمبر 2013م)، أقام الفنّان الشّاب أيمن جعفر معرضه التّشكيليّ والحروفيّ (كوني لقلبي دلمونه) في الساعة 12:30 صباحًا بمقهى دارسين في متحف البحرين الوطنيّ، مستلهمًا من الأختام الدّلمونيّة مواضيع أعماله الفنّيّة، التي ارتكزت على تركيب الحروف بأنساق شكليّة وفنّيّة معينة. وفي ذات المقهى عاش الجمهور في أجواء البحرين قبل 25 عامًا، التفوا فيها حول وجبات الطّعام التّقليديّة والشّعبيّة في جوّ حميميّ وعائليّ. وواصلوا احتفالهم مع فرقة شبابيّة بحرينيّة قدّمت مجموعة من الألحان الشّرقيّة واللّاتينيّة في مزاوجة فنّيّة جميلة تفصح عن المواهب المحليّة. وبعد جوّ مليء بالحيويّة والأغنيات، استحضرت المنامة التي لم تنم فنّ السّينما، وذلك مع الشّاب محمّد إبراهيم عبر فيلمه الروائي القصير (صبر الملح)، وذلك في تمام الساعة 3 فجرًا بقاعة المحاضرات في متحف البحرين الوطنيّ. وقد دارت المناقشات حول الفيلم إثر عرضه مع مخرجه محمّد الذي أشار إلى أن قصّة الفيلم للكاتب أحمد المؤذّن عنوانها في الأصل (المدن التي لا تشتري الملح)، وهي مستوحاة من الواقع وتستحضر مواقع حقيقيّة في البحرين ومهنة بائع الملح. مؤكدًا أنّ تناول الفيلم اعتمد الرّمزيّة الواقعيّة تاركًا بعض المشاهد مفتوحة لتأويل المشاهد. الجدير بالذكر أنّ هذا الفيلم قد حصد الفيلم البحرينيّ الذي حصد الجائزة الثّانية في مهرجان الخليج السينمائيّ والجائزة الثّانية في مهرجان أبو ظبي السينمائيّ، كما اختير لعرضه في سانت بطرسبورغ بروسيا. ومع المرشدين السياحيّين، انطلق الجمهور بعد الأمسية السينمائيّة في مختلف أرجاء متحف البحرين الوطنيّ عبر فعاليّة (حكاية متحف)، والتي عاود من خلالها الحضور التّجوّل في كلّ أرجاء وأقسام المكان لإعادة اكتشاف موجوداته ومقتنياته. وهي المرّة الأولى التي يزار فيها المتحف في الساعة 4 فجرًا، قبل العودة إلى مقهى دارسين مع فعاليّة (طلعت يا محلا نورها) لتأمل شروق الشّمس في الساعة 5 صباحًا مع أجواء السّمر والموسيقى برفقة عازف القانون نبيل النّجار، ومن ثمّ تناول وجبة الإفطار قريبًا من الواجهات المطلّة على البحر، حيث كانت المنامة تعيش ذاكرة المتحف وتتقاسم مع ناسها لحظات الفرح والتّأمّل.