الادب

نعثر على زاد لا ينضب من المعارف تخص حاضرنا ومستقبلنا في روائع الأدب العالمي، بدءاً من المؤرخ الإغريقي ثوسيديديس إلى رواية الأديب الفرنسي إلبير كامو، هناك في الكتابات الأدبية عن الأوبئة ما يذكرنا باستمرار بأن لا شيء غير مألوف في الحجر المنزلي الذي نعيشه، وأن مصير الجائحة أن تنتهي في النهاية.

أما الدرس الرئيسي الذي يمكن استخلاصه، وفقاً للكاتب والروائي البريطاني مارسيل ثيروكس، فهو النمط المتسق للسلوك البشري خلال الأوبئة على مدى ألوف السنين والذي يتمثل بـ: الاكتناز والذعر والخوف واللوم والخرافة والأنانية والبطولة المفاجئة والتركيز من اعداد الموتى والملل داخل الحجر الصحي.

ويلتقط دانييل ديفو في كتابه "مجلة سنة الطاعون"، والصادر عام 1722، نبض الحياة المعطلة في لندن عام 1655، سواء في وصفه لأكوام الجليد الذائب، أو المتسوقين المتوترين بعرباتهم ذات الحمولة الزائدة، وقد كتب: "مع التوقعات بقدوم الوباء، فإن العديد من العائلات جمعت مخزونا من المستلزمات كافية للعائلة بأسرها، واغلقت على نفسها بالكامل بحيث لا تتم رويتها أو سماعها حتى تتوقف العدوى تماماً".

وكان دافع ديفة لتأليف الكتاب تفشي الطاعون الدبلي في مارسيليا عام 1720، فضم في كتابه احصائيات ونميمة وحكايات وتفاصيل مخيفة لم يشهد تفاصيلها عن صرخات الموت.

وعلى الرغم من ذلك، يبقى كتابه مهماً في وصف حالة عدم الاستعداد والمراوغة التي جعلت تأثير الطاعون أكثر حدة، وما ضمنه من تفاصيل عن أوراق وفيات وشخصيات ثانوية تمثل التعصب الديني، وشخصية لحلاق مرتاح لتراجع الوباء يعود الى الحياة الطبيعية في وقت مبكر جدا ويدفع عقوبة.

يشير ثيروكس الى ان الكثير من سلوك أسلافنا في القرن ال17 يبدو مألوفاً.فبعد 700 عام تقريباً، يبقى هناك شيء مؤثر للغاية في وصف ديفو لانتشار الموت الاسود في مسقط رأسه بفلورنسا، لا سيما عندما كتب: "ما كان ضاراً بشكل خاص بشأن هذا الطاعون هو انه كان يقفز من المرضى الى الاصحاء عندما يكونون معاً، مثلما تمسك النيران المواد الجافة او الزيتية التي تقترب منها.

وهذا ليس كل شيء، فالحديث مع المرضى وقضاء الوقت معهم لم يؤد إلى إصابة الاصحاء أو قتلهم، بل أن لمس ملابس المرضى او التعامل مع أي شيء يلمسونه يبدو انه كان ينقل العدوى".

أما الهروب من الكارثة فلخصها الشاعر الإيطالي بوكاسيو في كتابه "ديكاميرون"، الذي بعد وصفه السريع والمرعب للطاعون الفلورنسي، يرسل مجموعة من الشباب الى الحجر الصحي، حيث يقضون باقي الكتاب في تبادل قصص مضحكة، ولا يظهر الطاعون مرة أخرى.

ويبدو هذان الكتابين السابقين أكثر اهتماماً بالأوبئة من الروايتين المشهورتين للأديبين الألماني توماس مان والفرنسي البير كامو، اللذين يستخدمان الوباء لتسجيل نقاط وجودية.

ومع ذلك، يرى ثروكس في رواية "الطاعون" التي غالبا ما تقرأ على أنها رمز للتجربة الفرنسية تحت الاحتلال، خروجاً عن الرمزية، حيث يظهر بطلها الطبيب ريو بصورة عامل صحة في الخطوط الامامية مجبر على اتخاذ قرارات مستحيلة، فيما يصف كامو حالة الشراء بدافع الذعر للنعناع الذي يعتقد الناس أنه "الواقي" من الوباء، كما ارتفاع معدل الوفيات في السجن البلدي، وأوضاع عمال الرعاية الصحية المنهكين، والرتابة الرهيبة للحجر الصحي.

وفي النهاية، سينتهي الطاعون في كل تلك الروايات، ونعلم ان المؤرخ ثوسيديديس تعافى من الوباء الذي اجتاح أثينا في القرن الخامس وكتب منذ 2500 عاماً: "كانت هناك مستويات عالية في معدل الوفيات بين الأطباء بسبب انكشافهم".

وهذا يظهر أنه مع كل الكلام عن أزمة غير مسبوقة، يبدو أننا نعيش في وباء بسوابق كثيرة، وعندما تبدأ معدلات الوفيات في التراجع، فإن ديفو يخبرنا في كتابه، بأن المواطنين فتحوا نوافذهم وصرخوا لبعضهم بعضاً لتبادل الأخبار.

قد يهمك ايضا:

"الهالة الثقافي" يطلق جائزة لأدب الناشئة واليافعين

المركز الثقافي الروسي يحتفي بالمرأة