الكاتب الكيني نجوجي وا ثيونجو

خصصت جريدة أخبار الأدب أحد ملفاتها الأخيرة للكاتب الكيني نجوجي وا ثيونجو، ودعا المشاركون في الملف الأكاديمية السويدية إلى منح ثيونجو جائزة نوبل للآداب في دورتها المقبلة خاصة وأنه ترشح لها في عام 2010 مع الأميركي كورماك مكارثي، والبيروفي ماريو بارغاس يوسا والذي حصل عليها في تلك الدورة .
نعرف من الملف أن ثيونجو بدأ إصدار رواياته منذ ستينات القرن الماضي، وتوقف عن الكتابة باللغة الإنجليزية منذ عام ،1977 حتى تستطيع أمه أن تقرأ ما يكتبه بلغته المحلية، تعرض ثيونجو للرقابة والسجن، والذي كتب فيه رواية كاملة على أوراق الحمامات ثم غادر بلاده بسبب نقده اللاذع لسياسات الحكم، وفي عام 1987 كان يعيش خارج كينيا صدرت روايته "ماتيجاري" والتي أثارت ضجة شديدة، وبسبب تأثيرها في جمهور القراء في كينيا صحبتها إشاعة أن البطل الذي تحمل الرواية اسمه شخص حقيقي يدور في أرجاء كينيا ويطرح على الناس أسئلة حساسة حول حياتهم ومعيشتهم، محرجة للنظام السياسي، أسئلة ناقدة ومتمردة ومشاكسة تثير التفكير، فأمرت السلطات بالقبض على "ماتيجاري"، وعندما عرفت بأنه شخصية روائية قامت بمصادرة نسخ الرواية وحرقها .

الواقعة السابقة، والتي ربما تحمل قدرا من المبالغة،تلهم برواية مستقلة وممتعة، فللمرة الأولى تطارد السلطات شخصية متخيلة، وتتخلص منها رمزيا ودلاليا عبر فعل حرق الكتاب، في تبادل لافت بين الواقعي والروائي، هو الحدث "السحري" الذي يحتاج إلى أحد المولعين بمثل هذه الثيمات .

يلخص الملف الكثير من حكايات الروايات التي أبدعها ثيونجو، مثل رواية "بتلات الدم" الموصوفة ب"الملهاة الإفريقية المدهشة"، ورواية "لا تنتحب أيها الطفل" . . . إلخ، فضلا عن عدة مسرحيات، ودراسات تؤكد أنه الكاتب الإفريقي الأشهر القادم من جنوب الصحراء .

الملاحظ أولا في حالة ثيونجو أنه يكتب بلغته الأم، على عكس وول سونيكا النيجيري الفائز بنوبل في عام ،1986 أي أن ثيونجو حاول أن يتخلص من كل إرهاصات الحقبة الكولونيالية، مضحيا بالانتشار خارج بلاده، وهي مسألة يلهث وراءها الجميع، فضلا عن ترسيخ اسمه في اللغات المختلفة، ولكن هل يحتاج الروائي إلى أكثر من اعتبار بعضهم إحدى شخصياته حقيقية تتجول في الشوارع والطرقات وتتحدث مع الناس وتؤثر بإيجابية في وعيهم، والملاحظ ثانيا وبعد أن يجذبك الملف وتستمتع بحكايات ثيونجو وتطلع على سيرته فلن تجد عنه معلومات شافية باللغة العربية في الإنترنت وستعثر على الاسم مصحوباً بخبر اعتداء مجموعة من المجرمين على منزل ثيونجو منزويا في أركان الحوادث أو المنوعات، أما تعريفه في تلك الأخبار فلا يثير إلا الغيظ فهو الكاتب والمسرحي الكيني "الشهير" أو "الأشهر" فكاتب الخبر، مترجمه على وجه الدقة، يفترض في القارئ معرفته بكاتب لا يعرفه المحرر نفسه .

إن الجهد الذي بذلته الجريدة في الإضاءة على هذا الروائي والمسرحي مشكور ويستحق الإعجاب والاحتذاء، خاصة وأننا لا نعرف شيئا عن أدب "الهوامش" وفي المقدمة أدب إفريقيا الحقيقية أو إفريقيا جنوبي الصحراء، ولكنه لا يكفي، ولنتصور فوز هذا الأديب بنوبل في دورتها المقبلة، فستصدر المتابعات العربية إما باللجوء إلى الملف السابق أو بترجمة بيان الأكاديمية السويدية والذي يذكر أسباب منح الجائزة ويتطرق إلى السمات العامة لأدب الفائز، وربما لجأ أحدهم إلى حادثة الاعتداء على المنزل ويكتب آخر بسخافة عن قيام اللصوص بضرب ثيونجو وزوجته، ولكننا لن نجد من يقدم قراءة وافية لإحدى رواياته، وهو ما حدث مع السويدي ترانسترومر وما زال، بسبب الشعر وموضة زمن الرواية، والكندية أليس مونرو، بسبب القصة، والصيني مويان بسبب البعد المكاني، فبخلاف الهوامش الجغرافية هناك الآن أيضاً وفق سخافات ساحتنا الثقافية هوامش أدبية .
الأكثر مدعاة للانتباه أنه لا توجد متابعات للفائزين بنوبل، ليس إلا الإشادة والتقدير والمكانة شبه المقدسة المستعصية على النقد، فضلاً عن أمنيات بحصول أحد الكتاب العرب عليها، ولن يستوقف أحدهم تلك الكراهية التي تفوح من روايات النمساوية إلفريده يلينك الفائزة بالجائزة في عام 2004 والتي لم أستطع إكمال روايتها "المستبعدون" وقرأت نقدا مكثفا لأعمالها من قبل الكندية نانسي هيوسن في كتابها "أساتذة اليأس" يؤكد هذا المعني، ثم طالعت حوارا معها تقول فيه "الكراهية هي دافعي للكتابة"، ولكن الصحافي العربي لم يستوقفه المعنى، ولم يجرؤ على الاعتراض على صاحبة نوبل أو حتى التعليق عليها، وبعيداً عن "عقدة الخواجة" المتأصلة فينا، وفي ظل الدجل الثقافي الذي نعيشه ربما يعتبر أحدهم "هنا" أن للكراهية "جمالية" ما، بعكس هيوستن غير المسكونة برهاب الغرب أو عقدة نوبل . الأمر نفسه تكرر مع الفرنسي موديانو "نوبل 2014" كاتب الذاكرة كما كتبت كل المتابعات العربية، حيث أعيدت طباعة رواياته المترجمة بعد فوزه بالجائزة وبسرعة ترجمت روايات أخرى، ولكن هناك حاجزا أوليا يفصل بينه وبين القارئ، حاجز يسبق القراءة الموضوعية وشروطها أو النقد وقوانينه، هو الحاجز الذي يشعرك بالضيق الذي لا تدري مصدره مع الصفحات الأولى من العمل، والذي بغيابه يخترق الروائي أو القاص وجدانك ويتسلل إلى عقلك مهما كان العمل صعباً أو مركباً أو مغايراً في تقنياته .
تصبح الكتابة المغايرة عن الفائزين بنوبل ضربا من الأحلام في ظل العجز عن نقد أي فائز بإحدى الجوائز العربية، فضلا عن نقد ومراجعة أي كتابة أصلاً، وهي ظاهرة ترتبط بالعقلية النقدية والتوجه المعرفي والحالة الثقافية، الأمر الذي يدفعنا إلى السؤال هل نملك الآليات التي يمكن من خلالها التنبؤ بفوز أي مبدع بنوبل "الحلم الأسمى"، أو حتى الصوت الثقافي والإعلامي الداعم لمبدعينا أو لثيونجو وغيره؟