الدوحة _ صوت الإمارات
استعرض التحليل الاقتصادي لمجموعة بنك قطر الوطني، مسار أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية بعد الزيادة الأولى، فأشار إلى أنه بعد سبع سنوات من أسعار فائدة قريبة من الصفر، قرر بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي رفع سعر الفائدة بواقع 25 نقطة أساس.
وقال التحليل الأسبوعي الصادر اليوم، إن الحدث الذي طال انتظاره كان متوقعا على نطاق واسع من قبل الأسواق المالية التي يبدو أنها استوعبت هذه الزيادة سلفا ضمن أسعارها، مبينا أن المسار المستقبلي لأسعار الفائدة أكثر أهمية من الجولات المنفردة لرفع الأسعار. وأضاف في هذا الشأن أن رؤية بنك الاحتياطي الفيدرالي تختلف مع الأسواق المالية حيث يرى الأول أن يأتي رفع أسعار الفائدة بوتيرة أربع جولات في السنة، بينما تتوقع الأسواق المالية مسارا أبطأ في تشديد السياسة النقدية بمعدل جولتين في السنة، معتبرا أن الكيفية التي يلتقي بها هذان الرأيان المختلفان، سيكون لها في آخر المطاف، تأثير كبير على الاقتصاد العالمي والأسواق المالية.
وتساءل عما دفع بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة، فقال إن السبب الأول هو تحسن سوق العمل حيث بلغ معدل البطالة 5 في المائة، وهو قريب من تقديرات بنك الاحتياطي الفيدرالي لمعدل توازن البطالة (4.9 في المائة) منبها إلى أن الانخفاض السريع في البطالة منذ الذروة التي بلغتها عند معدل 10 في المائة في عام 2009 أدى إلى إقناع بنك الاحتياطي الفيدرالي بأن الوقت مناسب للتحرك رغم انخفاض التضخم (0.2 في المائة على أساس سنوي في أكتوبر). ولفت إلى توقعات بأن يرتفع معدل التضخم الأساسي مع زوال تأثير انخفاض أسعار النفط من الحسابات السنوية، فضلا عن اعتقاد البنك الفيدرالي أن نقص المعروض من اليد العاملة في سوق العمل سيؤدي إلى رفع التضخم بنهاية المطاف من خلال ارتفاع الأجور، معتبرا أنه بينما ارتفعت الأجور في الأشهر الأخيرة تأكيدا لنظرية البنك الفيدرالي، لا يزال من المبكر الحكم على ما إذا كان ذلك سيستمر لمدة طويلة أم أنها مجرد ذبذبة لن تدوم سوى مدة قصيرة. وأوضح أن خروج الولايات المتحدة من فترة أسعار الفائدة الصفرية أمر يحسب لصالح بنك الاحتياطي الفيدرالي الذي أدار السياسة النقدية بحنكة كبيرة خلال الفترة التي تلت الأزمة المالية لعام 2008 باستخدام أدوات تقليدية وأخرى غير تقليدية. وقال إنه في عمق الأزمة، اعتقد العديد من المراقبين، متأثرين بالتجربة اليابانية، أنه بمجرد دخول بلد ما في حالة أسعار الفائدة الصفرية، فإنه يظل عالقا في ذلك الوضع للأبد، وبينما قامت بعض البلدان (مثل منطقة اليورو والسويد) فعلا بزيادة أسعار الفائدة بعد عام 2008، أدركت أن هذه السياسة خاطئة وعادت لتخفض أسعار الفائدة بل وحتى لتأخذها للمنطقة السلبية. لكن تحليل بنك قطر الوطني، وإن اعتبر أن قرار البنك الفيدرالي يبدو مناسبا في الوقت الحاضر، تطرق إلى سيناريوهين يمكن معهما أن يصبح هذا القرار خاطئا عند النظر إليه في المستقبل. وقال إن السيناريو الأول هو أن تؤدي زيادة أسعار الفائدة إلى إعاقة تعافي الاقتصاد الأمريكي بشكل مباشر، فارتفاع أسعار الفائدة سيؤدي إلى زيادة تكلفة الاقتراض للاستثمار ويجعل الادخار أكثر جاذبية بالمقارنة مع الاستهلاك، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى إضعاف الطلب المحلي وعلاوة على ذلك، قد يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى زيادة قيمة الدولار الأمريكي، مما يضر بالصادرات الأمريكية. وبينما يعترف بنك الاحتياطي الفيدرالي بهذه المخاطر، إلا أنه يثق في الأسس القوية للاقتصاد الأمريكي بالنظر إلى الوضع الصحي للاستهلاك الخاص وتعافي سوق المنازل. أما السيناريو الثاني فهو أن يؤدي رفع سعر الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى رد فعل عنيف في الأسواق المالية. ويمكن لهذا أن يؤدي إلى هروب رؤوس الأموال (وخاصة من الأسواق الناشئة)، وأن يؤدي أيضا إلى تشديد السياسة النقدية العالمية، وبالتالي ضعف النمو العالمي. ونبه التحليل إلى أن هذه الآثار يمكن أن تمتد إلى الاقتصاد الأمريكي عن طريق التجارة والروابط المالية، كما يمكن تخيل حدوث هذا السيناريو إذا لجأ بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة بوتيرة أسرع من توقع الأسواق. ورجح التحليل خطر تحقق السيناريو الثاني فعليا لسببين: الأول أنه في المرات السابقة الثلاث التي تم فيها رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، أساءت الأسواق تقدير السرعة التي شدد بها البنك الفيدرالي أسعار الفائدة، ومن الممكن أن تكرر الأسواق إساءة التقدير هذه المرة. أما الثاني فيتلخص في أن هناك فجوة سلفا بين تقديرات البنك الفيدرالي وتوقعات الأسواق لمسار سعر الفائدة، فبينما يتوقع البنك الفدرالي تطبيع أسعار الفائدة بسرعة أربع زيادات في كل عام بمقدار 25 نقطة أساس كل مرة، تحدد الأسواق المالية أسعارها على أساس زيادتين اثنتين سنويا وهذا يخلق مساحة للتصحيحات المحتملة في الأسواق المالية. وذكر أنه حتى الآن لم يصدر أي رد فعل عنيف من الأسواق المالية نظرا لاعتماد الزيادة الأولى سلفا ضمن الأسعار إلى حد كبير من قبل المشاركين في السوق، مشيرا إلى أن الكيفية التي سيتم بها حل التباين في الآراء بين بنك الاحتياطي الفيدرالي والأسواق المالية، ستظل في نهاية المطاف محور اهتمام مراقبي السوق مستقبلا، واختتم التحليل بالقول إنه بعد أن تم أخيرا حل قضية موعد رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي لسعر الفائدة، يبقى السؤال هو: ما هي السرعة التي سيتم بها تنفيذ الزيادات.