دبي - جمال أبو سمرا
يرى الباحث الفرنسي في علم الأحياء الجزيئي، برتراند جوردان مؤلف الكتاب الوحيد "الإنسانية في صيغة الجمع، علم الوراثة ومسألة الأعراق" الذي يعالج جنس سلالة البشر بطريقة علمية أن التنوع ضمن نفس المجموعة العرقية يبلغ حداً إلى درجة أننا لا نستطيع التحدث عن أجناس بشرية بل عن جنس بشري واحد ينتمي لنفس الأرومة! عن هذا الموضوع كان لمجلة لوبوان الفرنسية مقابلة معه .
لوبوان: منذ عقد من الزمن، أعلن علم البيولوجيا أن جميع الناس يمتلكون نفس الإرث الجيني لكن اليوم، يرى علم الوراثة أن ثمة اختلافات فهل يمكن الحديث عن أجناس بشرية؟
جوردان: الحمض النووي للرجال والنساء المأخوذ عشوائياً من 7 مليارات شخص يعيشون على الأرض يتطابق بنسبة 9 .،99 والبرهان على ذلك قدم في العام 2003 من خلال السلسلة الكاملة للجينوم البشري . وإذا كان الجنس البشري متجانساً جداً إلى هذا الحد، فذلك لأنه ظهر منذ نحو 200 ألف سنة في حين أن الشمبانزي، على سبيل المثال، كان موجوداً قبله بأكثر من مليون سنة، وهذا ما ترك المجال للتمايز . وأعتقد أن الاختلاف بنسبة 1 .0% يمثل 3 ملايين قاعدة تتغير بين كل شخصين من البشر . ومع مثل هذا الفارق في المستوى، يمكن تقسيم الإنسانية إلى مجموعات من الناس . وإذا كان من الممكن إنشاء مجموعات، فإن الخطوط العريضة، لهذه المجموعات تبقى ضبابية ويظهرون جميعاً تنوعاً داخلياً عظيماً . وهكذا نجد 80% من التنوع داخل المجموعة الأوروبية و20% فقط خارجها .
لوبوان: كيف يمكن تفسير هذه المفارقة؟
جوردان: ما يهم هو الكيفية التي تتوزع فيها هذه الاختلافات على الحمض النووي . فهذه الاختلافات هي اختلافات في تكرار معين في تسلسل النيوكليوتيدات (الأديناين، الجواناين، السيتوساين، والثايمين) في الحمض النووي . فعند الأوروبيين مثلاً سنجد في كثير من الأحيان عنصر الأديناين، أكثر من الجواناين في مكان معين من الحمض النووي، في حين أننا سنجد بين الأفارقة 90% من الجينات تحمل الجواناين .
و10% الأديناين، علما بأن (الأديناين، الجواناين، السيتوساين، والثايمين) موجودة لدى كل المجموعات البشرية . ولو أننا استطعنا مثلاً أن نكون مجموعات مختلفة على أساس هذه التكرارات، ومن خلال تحليل الحمض النووي DNA، والقول مثلاً إن هذا الشخص أو ذاك ينتمي إلى المجموعة الأوروبية أو الإفريقية، فإن ذلك لن يتطابق مع ما يسمى عادة بالأجناس أي المجموعات المتمايزة بحدود واضحة جداً، من الخصائص الفيزيائية، والسلوكية .
لوبوان: يقال أحياناً إن المسألة تتعلق بوجود خمس مجموعات عرقية أصلية امتزجت فيما بعد .
جوردان: منذ عشرين عاما، نعلم جميعنا أن الجنس البشري جاء من إفريقيا وأنه تفرق هنا وهناك على مستوى العالم ولذلك هناك خمس مجموعات لمقابلة للقارات الخمس ولكن هي تقسيمات تعسفية ضمن نفس المجموعة خصوصاً أن هذه المجموعات الفرعية اختلطت في وقت مبكر . من ناحية ثانية تكشف التحليلات الجزيئية في كثير من الأحيان عن مجموعات من أصول مختلطة . وفي تعداد السكان في الولايات المتحدة، التي تكشف من خلال الجينات عن أصل "العرق" الذي ينتمي إليه، نجد أن 2% من هذه الجينات تشير إلى تعدد الأعراق إذ إن نسبة الأمريكيين "المختلطة" تقترب من 92% ومعظم أولئك الذين يدعون أنهم من أصل إفريقي - أمريكي يمثلون فئة أوروبية مهمة متعلقة بالتاريخ .
لوبوان: ألا يدل لون البشرة على اختلاف الأعراق؟
جوردان: لا، بل إن هذا الأمر مجرد مغالطة علمية لأن التغير الجيني الذي نتحدث عنه هو أشد وضوحاً على مستوى السمات الخارجية (الحجم ولون البشرة ) . ويفسر هذا غالباً نتيجة الانتقاء الجنسي فهناك معايير للجمال تفضلها مجموعة لإنتاج نوع من الشركاء أما بالنسبة للون الجلد، فقد حدثت المفاضلة عن طريق الانتقاء الطبيعي، وذلك استجابة لظروف البيئة . وفي الأصل، كان جميع البشر أصحاب بشرة سوداء، أو لنقل داكنة جداً لأنها وفرت لهم حماية جيدة ضد أشعة الشمس . ولكن ضمن المجموعات البشرية التي انتقلت من إفريقيا إلى المناطق الأقل سطوعاً للشمس مثل أوروبا، نجد أن حاملي الطفرات الجينية لبشرة فاتحة كانوا أكثر تميزاً حيث استفادت بشرتهم بشكل أفضل من الضوء لتصنيع فيتامين (D/ دال) . هؤلاء الأفراد أنجبوا ذرية كبيرة وبالتالي أدى ذلك إلى انتشار طفراتهم الوراثية، وأصبحت المجموعات السكانية ذات البشرة الفاتحة أغلبية في هذا الجزء من العالم .
فضلاً عن ذلك فإن المجموعة التي هاجرت لم تكن عينة تمثيلية للسكان الأصليين إذ من الممكن أنها كانت تحوي أفراداً أكبر أو أكثر سمرة من غيرهم . ولكن على الرغم من الاختلافات الجسمية فيما بيننا فنحن نمثل جزءاً من جنس بشري واحد .
لوبوان: ولكن هناك العديد من الأعراق عند الحيوانات أيضاً .
جوردان: هذا لا علاقة له بذلك فالسلالات الحيوانية ناتجة عن تدخل خارجي . فعلى سبيل المثال، على مدى قرون ولعدة أجيال تم اختيار أنواع من الكلاب تتميز بصفات محددة . أما لتشكيل جنس بشري معين، فإنه ينبغي عزل مجموعة بشكل كلي، والقيام باليوجينا (علم تحسين النسل) مرور مئة جيل، وإذا لم تقم إلا بعملية عزل لمجموعة من البشر، فإنه من الممكن الحفاظ على التنوع الجيني بشكل طبيعي على مدى أجيال . وهنا سنجد أن بعض الصفات السلبية ستصبح نادرة ولكن لن تختفي كما لو أن النوع يحفظ، كلازمة للبقاء على قيد الحياة صفات غير مفيدة ولكنها مطلوبة في حالة تغيير البيئة . فمثلاً نجد تقريباً ضمن قبيلة معزولة في البابوا بغينيا الجديدة مكونة من بضع مئات من الأفراد، التنوع الوراثي البشري بأكمله .
لوبوان: ولكن، في الواقع، متى وكيف ظهر مفهوم العرق؟
جوردان: بدأ العلماء تقسيم الإنسانية إلى أجناس أو أعراق وترتيبها فيما بينها مع أواخر القرن الثامن عشر، أي خلال زمن الاستعمار وتجارة الرقيق . ويبدو أن وجود أعراق غير متكافئة كان ضرورة سياسية ولقد تم حرف العلم عن مساره وتطويعه لتوفير ذريعة بيولوجية للعنصرية . فعلى سبيل المثال استخدم (الفرينولوجيا) أي علم فراسة الدماغ ومعرفة قوى الإنسان العقلية من شكل جمجمته ليجعل من زاوية الوجه معياراً عرقياً، وبالتالي استنتج العلماء أن الشخص اليوناني له وجه رأسي (عمودي )، وأن وجه القرد يميل بزاوية قدرها 45 درجة وأن وجه "الزنجي" له زاوية متوسطة . كما ظهرت العنصرية في العلوم ففي العام ،2008 ذكر عالم الوراثة الأمريكي جيمس واتسون، الحائز جائزة نوبل في الطب، وجود اختلافات فكرية وراثية بين "الأعراق" الأبيض والأسود .
لوبوان: ثمة كتاب علمي واحد في الفرنسية، يتناول مباشرة مسألة العرق (الجنس)!
جوردان: يرى كثير من الباحثين أن هذا الموضوع، حمال أوجه وله مخاطر وهم لا يريدون مواجهة المشاكل وبعد ظهور كتابي، كنت موضوعاً لهجوم لاذع على شبكة الإنترنت واتهمت بالعمل على "إعادة تأهيل العنصرية العلمية" لأنني أكدت وجود اختلافات جينية بين الجماعات البشرية ولكن هذه الاختلافات لا تشكل في أي حال من الأحوال أعراقاً أو أجناساً بل برزت خلال التطور للسماح لهذه المجموعة أو تلك من البشر التكيف مع بيئات محددة . ومع الأخذ بالاعتبار موضوع الهجرة، فإن هذه الاختلافات الوراثية سوف تتلاشى مع الوقت وسيصبح مستقبل جنسنا البشري، هو التهجين أي تمازج الأجناس .