صحة أبنائك النفسية

دخل الأب على ابنه وهو يذاكر درساً عن فتوحات نابليون، فوجدها فرصة لاستثارة حماس الطفل للتميز والتفوق، فقال له: إن نابليون حين كان تلميذاً صغيراً كان متفوقاً في دراسته، ويأتي ترتيبه الأول دائماً على فصله.. وليس الخامس مثله! فرد الولد الذكي: إن نابليون كذلك حين كان في عمر الأب الآن، كان قد أصبح امبراطوراً لفرنسا، وليس موظفاً صغيراً بإحدى الشركات!
 
قفشة ذكية ومحرجة، وهي تعكس واحداً من الأساليب التي يستخدمها كثير من الآباء بغرض تحفيز أبنائهم ليكونوا أفضل، فما أضرار استخدام الأسلوب من الناحية التربوية والنفسية؟ وهل هناك بدائل للتحفيز؟

مخاطر المقارنة
يريد كل الآباء لأبنائهم أن يكونوا الأفضل، لذا يسرف بعضهم في مقارنة أبنائهم بأقرانهم من الأصدقاء والأقارب والشخصيات المشهورة، إلا أن لهذا الأسلوب أضراراً كثيرة منها:

    خلق شعور بالدونية لدى الطفل يجعله يرى نفسه أقل من أقرانه.
    تنشئة شخص متكبر يقارن نفسه بالآخرين، فيبالغ في مميزاته وفي عيوب الآخرين، وذلك كأسلوب دفاعي ضد التقليل من شأنه دائماً.
    ألا يقدر إنجازاته أبداً ولا يرضى عنها، ويستصغر ما يحقق من نجاحات دائماً، وتصير لديه مشكلة يعاني الكثير منا منها، ألا وهي السعي نحو الكمال.
    المغالاة في المقارنة بلا مراعاة لاختلاف الظروف والقدرات، قد تجرنا إلى تضخيم فضائل الآخرين على حساب تقديرنا لفضائل أعزائنا.
    دفع الأبناء إلى الطموح الضاري الذي لا يراعي القدرات ويتعلق بالمستحيل ويقتل الروح والعلاقات الإنسانية.
    قتل الطموح لدي الأبناء لشعورهم بأنهم أقل من أن يحققوا أي شيء.
    اللامبالاة، حيث يرى الطفل أنه لا فائدة من أي جهود يقوم بها، طالما أن والديه يريان الآخرين أفضل منه.
    ربما يصبح شخصاً حسوداً، لأنه يركز على ما يوجد لدى الآخرين وينقصه هو.
    دفع الأبناء إلى الشعور بالغيرة المرضية من الآخرين.
    المقارنة تقتل الموهبة، لأن مشاعر الحسد والغيرة والدونية تستنزف طاقة الطفل وقدرته على القيام بأي أنشطة منتجة، وشغفه باكتشاف مواهبه.

ومع هذا يستخدم آباء كثيرون أسلوب المقارنة، ظناً منهم أنهم بذلك يشجعون أبناءهم على مزيد من النجاح، أو ظناً منهم أنهم عندما يشيرون إلى إنجازاتهم ومميزاتهم، فإنهم يعرضونهم إلى خطر الغرور، ولكن الحقيقة كما رأينا عكس ذلك تماماً!
 
العبقرية استثناء
ليس من المفيد أن نظل نذكر أبنائنا بأن رمسيس الثاني كان يقود الجيوش ويفتح البلاد وهو في الثامنة عشرة من عمره، ولا بأن بيل جيتس عبقري الكمبيوتر صار مليارديراً وهو في الحادية والثلاثين من عمره.
 
إننا نروي قصص نجاح هؤلاء العباقرة من باب الإعجاب بهم، ومن باب التأكيد على قدرة الإنسان على تحقيق المعجزات، إذا أحسن استغلال مواهبه وتوظيف ظروفه لصالحه، لكن العبقرية تظل حالة فردية محكومة بظروفها الاجتماعية والتاريخية.
 
والآن.. ما البديل؟
كيف تحفزين أبنائك بطريقة سليمة؟

    قدري مواهب كل طفل على اختلاف أنواعها، سواء كانت في الرسم أو الموسيقى أو النجارة أو الرياضة.. إلخ، وتجنبي التركيز فقط على التفوق الأكاديمي.
    تجنبي الإلحاح عليه أن يفعل شيئاً معيناً، لأن هذا فقط سيدفعه بعيداً عما تريدينه أن يفعل.
    دعي طفلك يقرر بنفسه ماذا يفعل ويتحمل نتيجة أفعاله.
    ساعدي ابنك على اكتشاف دوافعه، وذلك من خلال الملاحظة والأسئلة والمناقشة،  فمثلاً لو لاحظت أنه قام بواجب التاريخ ولم يقم بواجب الحساب، اسأليه: لماذا لاحظت أنك أديت واجب التاريخ في حين أنك لم تؤد واجب الرياضة؟

ليس من العدل إطلاقاً أن نقارن أبناءنا بالآخرين، لأن هناك فروقاً فردية بين الناس، فلكل إنسان قدراته وإمكاناته وشخصيته وظروفه، وهذه الأمور لا يتفق فيها الناس أبداً، إن المقارنة بين إنسان وإنسان كالمقارنة بين نوعين من الفاكهة، فمثلاً للمانجو فوائده وللموز فوائده، ولكل منهما طعمه ولونه وملمسه وموسمه.. إلخ، فأيهما أفضل: الموز أم المانجو؟!