الطفل

لا شيء مثل الغربة في قسوة آثارها النفسية والاجتماعية. قد يكون زوجك مضطرا للسفر سواء للعمل أو للتعلم، لكن الأسوأ ألا تكوني قادرة على اصطحاب الأبناء والسفر معه لأي سبب، فتجدين نفسك مضطرة لتحمل مسؤولية الأبناء وحدك، والاضطلاع بكافة متطلباتهم النفسية إضافة إلى أعبائهم المادية والتعليمية.

تشير الدراسات النفسية كافة إلى أهمية دور الأب في حياة أبنائه، والتي لا يمكن أن تقتصر على المسؤولية المادية. فوجود الأب في حياة أطفاله ركيزة مهمة من ركائز تطورهم ونموهم النفسي والاجتماعي، وقد يترك غياب الأب آثارا نفسية مزمنة صعبة الشفاء عند أطفاله. بالإضافة لما يحمله من ضغوط على كاهل الزوجة التي يصبح عليها القيام بدوري الأب والأم سويا، إضافة إلى افتقادها الدعم والإحساس بالشراكة وعدم تلبية احتياجاتها النفسية والجسدية نتيجة غياب الزوج. لا أنصح بقبول مثل هذا الوضع لما يفرضه من ضغوط، لكن إذا ما كنت مضطرة لقبوله فعليكِ أن تتعلمي كيفية حماية أطفالك من الآثار النفسية القاسية لغياب أبيه:

تعرفي على مظاهر القلق عند طفلك وتعلمي كيفية التعامل معها: يصاب أغلب الأطفال عقب التغييرات الفجائية الكبيرة في نمط الحياة ومنها سفر الأب بتغير مفاجئ في نمط السلوك، قد يلجأون لسلوكيات غير معتادة مثل نوبات الغضب المفاجئة، التبول اللاإرادي، قضم الأظافر، البكاء الهيستيري والصراخ بلا سبب واضح، والعناد المستمر. كلها سلوكيات يقوم بها الطفل للتنفيس عن إحساسه بالقلق من غياب أبيه. بالتأكيد تشكل هذه التصرفات عبئا نفسيا جديدا يضاف على كاهلك. تذكري دائما ما تعانينه من قلق وتذكري أن طفلك يشعر بأضعاف هذا القلق، وما يفعله مجرد وسيلة للتنفيس عن غضبه وقلقه من غياب أبيه. استوعبي تصرفاته وتكلمي معه بهدوء، لا تقومي بلومه وتوبيخه وبالتأكيد لا تضربيه. وتأكدي أنها مسألة وقت قبل أن يعود لطبيعته، عليك أن تهتمي بتوفير إحساس الأمان لكي يتجاوز قلقه بسرعة.

لا تغلقي الباب على أبنائك: بعض النساء تشعر بالخوف بعد غياب الأزواج فيقمن بالانعزال وإغلاق العالم على أنفسهن وعلى الأبناء وتجنب الاختلاط بالآخرين. سيزيد هذا من توترك وسيؤدي إلى انعزال أبنائك وإصابتهم بالانطواء والتأثير على مهاراتهم الاجتماعية. قومي بإيجاد دائرة دعم ممن تثقين بهم من الأقارب والأصدقاء، وشجعي أطفالك على خلق صداقات وعلاقات في أطر صحية، ولا تقومي بعزلهم عن الآخرين.

ضعف الصلة بين الأب وأبنائه: ويحدث هذا عادة عندما تطول مدة سفر الأب، فتضعف الصلة بينهم ويصل الأمر ببعض الآباء ﻷن يصبحوا مجرد اسم في شهادات ميلاد أبنائهم لا يعرفونهم حقا، تأكدي دائما من تقوية أواصر الصلة بين زوجك وأبنائه. لا تقومي بعزله عن مشاكلهم بحجة عدم إقلاقه، شاركيه في تفاصيل حياتهم اليومية كأنه يعيش بينكم.

العصبية الشديدة: تصاب أغلب الأمهات في حالة غياب الزوج بالعصبية الشديدة والتوتر والانفعال الزائد حتى على أبسط الأسباب، ويعاني البعض من إسقاط العصبية على الأطفال فتصبح الأم عنيفة مع أبنائها وقد تضربهم أو ترفع صوتها وتثور عليهم دائما، ذكري نفسك دائما بأن أبنائك لا ذنب لهم ولا يمكنك تحميلهم مسؤولية خياراتك أنت وزوجك.

تدخل الأهل في تربية الأبناء: قد تعانين من تدخل الأجداد والأعمام والأخوال في حياتك، قد تجدين الجميع فجأة يحاولون فرض وصايتهم عليك وعلى أبنائك بحجة الخوف عليكم ومساعدتكم. تأكدي من فرض حدود صارمة فيما يختص بتربية أبنائك، وكوني حازمة بذكاء بحيث تفرضين حدودك الخاصة دون أن تفقدي دعم العائلة الذي ستحتاجينه بالتأكيد.

هوس الشراء: يحاول بعض الآباء تعويض غيابهم عن طريق إغداق الأموال على الأبناء على سبيل التعويض المادي، فيصاب بعض الأبناء بهوس الشراء، مما يؤدي لحدوث خلل في قدرتهم على إدارة مواردهم المالية فيما بعد. احرصي على تعليم أبنائك أسس الإدارة المالية وخلق حياة متوازنة قدر الإمكان.

التدليل المفرط أو القسوة المفرطة: بعض الأمهات تفرط في تدليل الأبناء ظناً منهن أنهن يقمن بتعويض غياب الأب عن حياتهم، والبعض على العكس يتعاملن مع الأبناء بقسوة مفرطة كي لا يفسدهم غياب الأب. كلا الأمرين لا يؤدي إلى نشأة الأطفال بشكل سوي ويؤثر على الأبناء بشكل سلبي، حاولي أن تكوني متوازنة.

فزاعة الأب: تستخدم بعض الأمهات الأب كفزاعة لتهديد الأبناء حين يقومون بتصرف لا يعجبهن: "هبعت لبابا إنك عملت كذا"، "هتصل ببابا أحكيله"... لا تستخدمي صورة الأب كفزاعة للتخويف؛ فهذا يزيد الفجوة بين أبنائك وبين زوجك.

أخيرًا إن استطعت لم شمل الأسرة فافعلي فورًا ولا تتحججي بحجج واهية مثل نوعية التعليم في البلاد الأخرى أو عدم وجود عمل أو غير ذلك فاجتماع الأسرة ونفسية الأبناء أفضل إلا لو كانت الغربة فترة مؤقتة لن تزيد عن 3 سنوات مثلًا مثل استكمال الزوج لدراسته أو السفر التابع لعمله في الوطن الأم لفترة محدودة.