وجوههم مغطاة بالأوشحة السوداء بحثًا عن الفتيات لخطفهن

دق خمسة من متطرفي "داعش" باب مزرعة عائلية في منتصف الليل، وكانت وجوههم مغطاة بالأوشحة السوداء، بحثًا عن الفتيات لخطفهن، ومعهم أسلحة بنادق "كلاشنكوف" على أكتافهم.

وأوضح رب الأسرة كافي عثمان "عندما فتحنا الباب ورأوا أخوات زوجتي المراهقات صبيحة وساجدة، خطفوهما معللين ذلك بجمال الفتيات والغضب في أعينهم، بكينا وبكت الفتيات ولكن تم اقتيادهما خارج المنزل وأخذوهما بعيدًا ومنذ ذلك الحين لم نسمع عنهما أي شيء".
وازداد خطف الفتيات بعد اجتياح مقاتلي تنظيم "داعش" بلدة مخمور شمال العراق والسيطرة على شوارعها، حيث يقطعون رؤوس الرجال ويغتصبون النساء ثم يقبضون على الفتيات العذارى لجعلهن عرائس للمقاتلين أو إماء للجنس.
وتعتقد عائلة عثمان أن صبيحة (18 عامًا) وساجدة (16 عامًا) مجبرتان على الدعارة في مدينة الرقة، التي تعتبر عاصمة "خلافة داعش" بعد أن تم أخذهما إلى سورية عبر الحدود العراقية حيث المقاتلين.

وتعد الرقة من الأماكن البربرية التي ترجع إلى القرون الوسطى ، فهناك التطرف والتعذيب وسوء المعاملة والضوابط الكريهة التي تنفذها نحو 100 ألف من النساء اللواتي يعشن هناك، وبعضهن محاصرات في المدينة ضد رغبتهن، كما أنهن لم يحاولن الهرب قبل اجتياح "داعش" للبلدة منذ عامين حيث أقام "داعش" هناك "المحكمة الشرعية" في موقع ملعب كرة القدم وفرض نظامًا صارمًا حيث الإعدامات العلنية المروعة وأعمال الرجم والصلب في الساحة الرئيسية بعد صلاة الجمعة.

وتختلف أنواع النساء عند "داعش" في الرقة، حيث هناك بعضهن عرائس للمقاتلين من الغرب، وبعضهن طالبات من مدرسة "بيثنال غرين" شرق لندن، تم تصويرهن وهن يمشين في المدينة مع امرأة أخرى ترتدي "البرقع" وتحمل "كلاشينكوف"، وهناك مجموعة ثالثة من النساء في المدينة وهن التعيسات اللواتي تم اختطافهن من أراضي العدو بواسطة مقاتلي "داعش"، وتم اقتيادهن إلى الرقة، وسجنهن في سجن العبودية الجنسية.

ويحظر على جميع النساء في الرقة الخروج أو السفر دون محرم، كما يفرض تنظيم "داعش" نظامًا صارمًا للملابس، فعلى الجميع ارتداء عباءتين لإخفاء شكل الجسم مع ارتداء قفازات طويلة لتغطية اليد، وثلاثة من الحجاب بحيث لا يرى وجههن حتى في ضوء الشمس المباشر، وفي حال كسر تلك التعليمات يتم دفن النساء أحياء علنًا في الرمال.

وأوضحت معلمة سورية سابقة كانت محاصرة في المدينة وهربت لقناة "Channel 4" في فيلم وثائقي يتم بثه الأسبوع المقبل "لا نملك أية حرية لا يمكننا حتى الخروج إلى الشرفة أو النظر من النافذة وتوقيف أي امرأة تستخدم العطور أو ترفع صوتها، فهناك لا يمكن سماع صوت المرأة".

وكشفت المعلمة عن معاناتها من شرطة المدينة من النساء فيما يسمى بـ "فرقة الخنساء" ومهمتهن فرض وتطبيق القوانين، مفيدة "أخبروني أن عيني واضحة من خلال الحجاب وضربوني وتعرضت للتعذيب وبعضهن يعاقب النساء عن طريق العض، فهم يجعلونك تختار بين الضرب أو العض كوسيلة للعقاب".

ويعتد أن ما لا يقل عن 60 امرأة بريطانية تنتمي إلى "فرقة الخنساء" بما فيهن أقصى محمود (20 عامًا) والتي  غادرت أهلها للانضمام إلى "داعش" العام الماضي، وتتقاضى هؤلاء النساء 100 إسترليني شهريًا وهو مبلغ كبير في أراضي تنظيم "داعش".

وأفادت امرأة سابقة في "فرقة الخنساء" تدعى "أم عبيد" لصانعي الفيلم الوثائقي كيف كانت تعيش حياة طبيعية قبل وصول "داعش" وفرض القوانين في الرقة، مضيفة "لقد ذهبت إلى المدرسة وإلى المقاهي، وببطء بدأ زوجي وهو سعودي عربي ومقاتل في داعش يقنعني بأفكار التنظيم، وبالفعل انضممت إلى داعش ولمجموعة الخنساء وكنت مسؤولة عن تطبيق لوائح الملابس بعد مقتل زوجي في هجوم انتحاري، وأي امرأة كانت تكسر القواعد كنا نضربها ثم نأخذ ولي أمرها أباها أو شقيقها أو زوجها ونضربه أيضا، وحتى بعد خروجي من الخدمة، فعندما أكون مع زوجي في السيارة ونرى امرأة ترتدي زيًا غير مناسب فكنا نوقفها ويخبرني زوجي بأن أتعامل مع الأمر، أذكر إحدى النساء رأيتها تسير مع زوجها مرتديا روب فاعتقلناها وضربتها بيدي"، وهربت السيدة "أم عبيد" إلى تركيا بعد محاولة
"داعش" إجبارها على الزواج مرة أخرى بعد مقتل زوجها في تفجير انتحاري.

وتوقف "فرقة الخنساء" الحافلات لفحص النساء من الركاب، وإذا عثر على امرأة لا تلتزم بقواعد الملابس يضطر جميع الركاب إلى النزول ولا يسمح للحافلة بالمرور، ويمكن ضرب السائق أيًضا لأنه سمح للمرأة أن تركب الحافلة، وتعمل بعض أعضاء "فرقة الخنساء" في سرية متنكرات في زي ربات بيوت أو يختلطن مع الجماهير للاستماع إلى أي معارضة، كما يدير فريق "الخنساء" بيوتًا للدعارة من خلال الفتيات المختطفات، اللاتي يجب عليهن إرضاء المقاتلين جنسيًا.

 وأوضحت الفتيات اللاتي تمكنّ من الهروب بمعجزة أنهن مارسن الجنس مع 100 مقاتل مختلف خلال بضعة أسابيع، وأضفن أنه حتى الفتيات اللاتي ذهبن إلى "داعش" برغبتهن معتقدات أنن سيتزوجن مقاتلًا واحدًا فوجئن أنهن مجبرات على الزواج من مقاتل آخر بعد الطلاق من المقاتل الأول بأسبوع واحد على يد أحد رجال الدين، حيث لا تنتهي عمليات الزواج في "داعش".
وبالرغم من تلك الفظائع إلا أنه لا تزال مزيد من النساء والفتيات المسلمات من أوروبا يأتين للانضمام إلى "داعش"، ولكن دون معرفة ما الذي يدفعهن للهرب والانضمام إلى هذا التنظيم.

وعلقت الباحثة في جمعية هنري جاكسون، التي تراقب رسائل مواقع التواصل الاجتماعية المرسلة إلى الغرب بواسطة "عرائس الجهاد" إميلي ديير، "ينظر إلى مقاتلي داعش كما الأسود وبالمثل إلى زوجاتهم فهن زوجات أسود، ويعتبر الانضمام للجماعة مغامرة بالنسبة للفتيات اللواتي يعانين من الملل من حياتهن هنا، فهم يرون المسلمين يتعرضوا لهجوم في الخارج ويريدون أن يفعوا شيئًا حيال ذلك، حتى إن العنف والاعتداء الجنسي ضد المرأة لم يمنعهن من السفر، ففي بريطانيا يتعرضن إلى رسائل لغسيل المخ بأفكاره من قبل إعلام داعش، فهم يحثونهم على دعم القضية، وهناك ضغط معنوي كبير على النساء المسلمات حتى يذهبن إلى هناك ويقمن بدورهن في بناء الخلافة".

وتحدثت إميلي ديير عن عملية التجنيد، "يتم التجنيد من خلال الأصدقاء على الانترنت الذين يصورون الحياة هناك مثل الجنة مع وجود مكان للإقامة مجانًا مع الطعام والرعاية الطبية المجانية، وعندما يلتقين المقاتلين على الانترنت يقترحون عليهن المجيء إلى سورية، يبدو الأمر جذابًا أحيانًا بالنسبة للنساء، أما عن الصعوبات المحتملة فتتمثل في الزواج القسري والحياة المحدودة خارج المنزل وانعدام الحرية مقارنة بالآخرين من غير المسلمين".

وبيًنت الباحثة أنه عند وصول الفتيات إلى هناك فإن أحلامهن تتبعثر، حيث تعيش النساء غير المتزوجات في منازل خاصة آمنة للنساء تسمى "المقار"، وفي حالة كونها متزوجة فإنها تكون أمًا أو ربة منزل فقط حتى يتم اختيارها لأحد المقاتلين.

وجاء في تغريدة لفتاة تتابعها الباحثة على "تويتر" من المنضمات إلى التنظيم، "لقد سئمت، إنهم يجعلوني أقوم بأعمال الغسيل"، وغردت فتاة أخرى "لم أفعل شيئا سوى توزيع الملابس وشراء الطعام، وأساعد في تنظيف الأسلحة ونقل الجثث الميتة من الجبهة، إنها البداية نحو الأصعب"، وكتبت فتاة ثالثة "جهاز الآي بود الخاص بي لا يعمل، يجب أن أعود إلى الغرب مرة أخرى"، ودونت فتاة رابعة "يريدون إرسالي إلى الجبهة لكني لا أعرف كيف أقاتل".

ويذكر أن اثنتين من الفتيات الثلاث من مدرسة "بيثنال غرين" اللاتي هربن للانضمام إلى "داعش" تزوجتا من مقاتلين في التنظيم، إلا أنه غير معلوم من منهن الفتاة التي لم تتزوج حتى الآن، والفتيات الثلاثة هن "أميرة عباسي (15عامًا)، شيماء بيغوم (16 عامًا)، خديجة سلطانة (15عامًا)"

وجاء في رسائل أميرة على "تويتر" و"كيك ماسنجر" عن معاملة الفتيات "في الرقة تمنع الفتيات من استخدام الهواتف أو الانترنت حيث يتم تحضيرهن للزواج من أحد الجهاديين حتى لو كن مراهقات صغار، فالزوجة المفضلة للنبي محمد كانت عائشة وتزوجها عندما كان عمرها تسعة أعوام ".

ونصحت أميرة الفتيات الراغبات في الانضمام إلى "داعش" بعدم إخبار أسرهن ومحاولة الحصول على أكبر قدر من المال والكثير من حمالات الصدر والخمار والنقاب الأسود حيث لا يمكن للفتاة ترك المنزل دون نقاب.


وقرر العراقي الكردي كافي عثمان (27 عامًا) الفرار مع زوجته (44 عامًا) وأطفاله سارة (4 أعوام) و (إيلاف 3 أعوام)، بعد خطف أخوات زوجته صبيحة وساجدة، واستطاعت العائلة عبور الحدود إلى تركيا ومروا عبر أوروبا الشرقية وألمانيا وصولا إلى الساحل الشمالي لفرنسا.

ودفعت الأسرة 16 ألف إسترليني لأحد الوكلاء العراقيين حتى يختبئوا في مزرعة الأسرة، وأفاد عثمان "كيف يمكن أن نبقى في البلدة التي تسيطر عليها داعش ونحن معنا بنات ونخاف عليهم من الخطف، حيث استغرق المقاتلون 20 دقيقة لاجتياح بلدة مخمور، وقتلوا الرجال وبدئوا في طرق الأبواب بحثًا عن الفتيات لخطفهم".

ويعتبر عثمان وعائلته من بين ثلاثة آلاف لاجئ وطالبي اللجوء لأسباب اقتصادية من المحتشدين على الساحل الفرنسي، محاولين الاختفاء في سيارات الشحن والقطارات القادمة من بريطانيا.

وذكر عثمان "عندما خرجنا من بلدة مخمور لقد نمنا على الأرض لعدة أيام حتى لا يعثر علينا مقاتلو داعش، وظللنا لمدة أيام بدون طعام فقط قليل من الماء حتى وجدت شخصًا يعرف رجلًا سيأخذنا إلى أوروبا، كان على أن أدفع مبلغًا كبيرًا هو كل مدخراتي، ولكني ظننت أنني يمكنني الحصول على المال مرة أخرى لكني لن أستطيع استعادة بناتي إذا خطفتهم داعش، وأثناء الرحلة خبأ السائق وجهه حتى لا أخبر الشرطة عنه، وكان علينا أن نضع يدنا على فم الأطفال حتى لا يتحدثوا على الحدود، ثم أخبرنا السائق أننا وصلنا بريطانيا، وعندما نزلنا من السيارة فوجئنا أنه خدعنا وأننا في فرنسا ورحل السائق، شعرت بخيبة الأمل، ثم مشينا في الظلام لمدة ثلاثة ساعات حتى وجدنا علامة لدونكير صباح اليوم التالي، وأخبرنا مهاجر عراقي عن مخيم مؤقت للاجئين مخبأ في الأشجار في  غرانت سينت، وهي بلدة صغيرة على بعد ثلاثة أميال، هناك وجدنا بعض المهاجرين الآخرين وقدموا لنا كوخا للعيش فيه عندما رأوا معنا أطفالا".

وأضاف عثمان الذي يتحدث الانجليزية جيدًا وكان يعمل مترجمًا في إحدى شركات النفط الإيطالية في بلدة مخمور  ويساعد في مزرعة العائلة أنه لم يعود إلى العراق، "مقاتلو داعش يدعون أنهم مسلمون لكنهم لا دين لهم سوى القتل، لم أكن لأترك بناتي تواجهن مصير صبيحة وساجدة في الرقة"، حيث بكت زوجته حال سماعها اسم شقيقتيها المخطوفتين من قبل تنظيم "داعش".