نماذج لنساء عربيات

في معظم أقطارنا العربية تتعالى صرخات النساء من الفتاوى الدينية المتشددة التي يتم تداولها في دروس ومحاضرات بعض رموز تيار الإسلام السياسي والجماعات التي تضيق ما وسعه الإسلام، حيث تلاحق المرأة العربية في قائمة من المحرمات والمحظورات والشروط والضوابط التي لا تتحقق على أرض الواقع، وكل من تخرج عليها توصف بأوصاف مسيئة وينبغي أن تتعرض للعقاب الرادع .

طرحنا موجات التشدد والتطرف الديني ضد المرأة في بلادنا العربية للمناقشة مع عدد من علماء الشريعة الإسلامية، لتوضيح الموقف الإسلامي الصحيح من كل قضايا ومشكلات المرأة، وذلك من خلال السطور التالية:

في البداية تستعرض أستاذة الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر، د . سعاد صالح، بعض مظاهر هذا التشدد في أحاديث وحوارات وأفكار ومطالب بعض رموز التيارات الدينية فتقول: للأسف الشديد الخطاب الديني الصادر عن رموز ودعاة التيارات الدينية خطاب مزعج ولا يعبر عن رقي الإسلام وتحضره في احترام حقوق المرأة والنهوض بها ومنع كل صور الامتهان لكرامتها، حيث حرر الإسلام المرأة من العبودية التي كانت تعيشها في ظل الجاهلية والفلسفات السابقة على الإسلام، ويبدو أن بعضهم يريد أن نعود بالتدريج إلى عصر عبودية الإناث من جديد، وعلى أيدي أناس من المفروض أن يحموا حقوق المرأة الشرعية ويقاتلوا من أجلها، لكنهم للأسف تباروا في إصدار فتاوى متشددة تلاحق المرأة في كل مكان، وتحيطها بقائمة من المحرمات والمحظورات وتطرح من جديد نظرية إهدار الإسلام لحقوق المرأة، حيث يأخذ المثقفون الغربيون انطباعاتهم عن الإسلام من سلوك وفكر هؤلاء المتدينين، أو بمعنى أصح الذين يتظاهرون بالتدين وهو بريء من فكرهم وسلوكهم وفتاواهم المتشددة .

وتضيف لقد بذل علماء الإسلام في كل مكان جهودا مضنية لتصحيح الصور المغلوطة التي ألصقت بالإسلام ظلما وعدوانا، فيما يتعلق بموقفه من المرأة وحقوقها ليأتي هؤلاء بما يصدر عنهم من فتاوى وآراء ليقولوا لخصوم الإسلام إنكم على حق فيما ترددونه عن إهدار الإسلام لحقوق المرأة وتقييد حركتها في المجتمع وتحويلها إلى مجرد متاع للرجل أو خادمة في بيته تطيعه في كل ما يطلبه ، فرضا الزوج هو غاية كل متدين من زوجته حتى ولو كان يهدر حقوقها ويحرمها من أبسط ما قرره الإسلام لها .

هؤلاء الذين علت أصواتهم من خلال المساجد والفضائيات الدينية يرون أن المكان الطبيعي للمرأة هو البيت، ولذلك يحظرون عليها الخروج للعمل إلا بموافقة زوجها حتى ولو كان الزوج متسلطاً ورافضا للحوار والتفاهم، كما أنهم يفرضون عليها لباساً لم يفرضه الخالق، فكل امرأة تخرج إلى الشارع أو العمل أو السوق مكشوفة الوجه، هي مثيرة للفتنة وينبغي نصحها أو ردعها، فالإسلام أمرها بستر جسدها كله، ولذلك رأينا أن بعض المتدينين فرضوا النقاب على بناتهم القاصرات، بل شاهدنا بنات في سن الطفولة يلتزمن بغطاء الوجه حتى لا يدخلن النار .

أيضا وجدنا حظرا واضحا على المرأة في الحياة العامة، فهي لا تصلح في نظر كثير من المتدينين للقيام بأي عمل سياسي .

من هنا تطلق د . سعاد صالح صيحات تحذير من تنامي الفكر الديني المتشدد ضد المرأة وتؤكد أن الإسلام أنصف المرأة وشرع لها كل ما يجعلها عنصرا مفيدا لأسرتها ومجتمعها وكل محاولة لمحاصرة المرأة بمحرمات ومحظورات وقيود غير شرعية هي تشويه لصورة الإسلام وتحميله مواقف ظالمة للمرأة هو بريء منها .
العالم الأزهري أستاذ السنة النبوية وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، د . محمد الأحمدي أبو النور، يرفض هذا التشدد ويحذر من سيطرة أصحاب الأفق الضيق على ساحة الدعوة والتوجيه الديني في عالمنا العربي، ويقول: علماء الإسلام الوسطيون يقومون بواجباتهم ويصححون الصور المغلوطة، ويعيدون الأمور إلى نصابها الشرعي الصحيح، ويواجهون بصلابة كل التجاوزات التي تستهدف تضليل المرأة وصرفها عن تعاليم وأحكام شريعتها الإسلامية .  أما محاصرة المرأة بفتاوى متشددة وتضييق ما وسعه الخالق عليها، فهذا غباء متطرفين لا يدركون خطورة ما يفعلون .

ويضيف خروج المرأة المسلمة للعمل مطلوب والضوابط التي تحكم سلوكها خارج البيت يؤكدها العلماء دائما في كل أحاديثهم، ولا ينبغي أن يزايد أحد على علم وفكر العلماء الثقات الذين يلاحقون المرأة بالنصائح والتوجيهات والأحكام الشرعية لكي تلتزم في سلوكها العام بتعاليم الإسلام وتوجيهاته .

ويفند د . أبو النور بعض المزاعم العالقة بأذهان بعض المتدينين الذين يعتقدون أن خروج المرأة للعمل وراء كل المشكلات الاجتماعية والأسرية التي نعانيها خاصة انحراف الأبناء . . ولذلك فهم يطالبون بعودة المرأة للبيت لتقوم بواجبها الأساسي في رعاية الزوج وتربية الأبناء . . ويضيف لا يجوز تحميل المرأة مسؤولية ما نعانيها من مشكلات اجتماعية وسلوكية، فخروج المرأة للعمل من دون ضابط كان له تأثيرات سلبية في استقرارنا الاجتماعي لا خلاف في ذلك . . لكن من الظلم أن نزعم بأن هذا سبب كل المصائب التي نشكوها أو نعانيها .
وهنا يؤكد عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر أن خروج المرأة للعمل في ظل الضوابط الشرعية أمر قررته شريعة الإسلام بشرط ألا يؤثر هذا العمل تأثيرا كبيرا في واجبات المرأة والتزاماتها الأسرية . وليس في شريعة الإسلام ما يمنع المرأة من أن تقوم بأي عمل شريف تبغي من ورائه الرزق الحلال الذي يغنيها عن سؤال الناس، وتؤديه بعفاف واحتشام وستر لما أمر الله تعالى بستره من جسدها . . كما أباحت شريعة الإسلام للمرأة أن تضطلع بالوظائف العامة وبالأعمال المشروعة التي تحسن أداءها، ولا تتنافر مع طبيعتها كأنثى، ولم تقيد هذا الحق إلا بما يحفظ لها كرامتها ويصونها عن التبذل، وينأى بها عن كل ما يتعارض مع الخلق الكريم، والسلوك الحميد، ويبعدها عن قيامها بواجباتها نحو زوجها وأولادها .
لذلك فإن الدعوة إلى عودة المرأة لبيتها قد تكون محمودة إذا لم يصاحبها فهم عقيم لشريعة الإسلام وإهدار لحق المرأة في العمل الشريف المناسب لطبيعتها وإذا ما كان هدفها الحرص على استقرار الأسرة . . أما إذا كانت هذه الدعوة تستند إلى فهم معوج يرى أن عمل المرأة خارج بيتها محرم شرعاً، فهي دعوة مرفوضة مهما كان مصدرها فليس من حق أحد مهما كان موقعه أن يحرم أمراً أباحته شريعة الإسلام .

ويرى د . أبو النور أن مسألة خروج المرأة للعمل تختلف من أسرة إلى أخرى حسب ظروفها وأحوالها المادية وطبيعة العمل الذي تقوم به المرأة وهذا الأمر لا يحسم بفتوى ولا بقرار عنتري من الزوج أو عناد من الزوجة، بل بالحوار والتفاهم بين الزوجين .

مفتي مصر الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، د . نصر فريد واصل، يضم صوته إلى صوت د . أبو النور ويرفض كل أشكال المزايدة على الموقف الإسلامي الصحيح من المرأة ومحاولة الجنوح به تجاه التشدد والتطرف، ويقول: الفتاوى المتشددة التي تصدر عن هؤلاء ستصرف الكثيرات عن الحماية بقيم وأخلاقيات الإسلام، لأنهن سيرين الدين تطرفا وقيودا وحياة كئيبة، والإسلام في حقيقة الأمر لا يقر عزل المرأة عن الحياة فقد كفلت الشريعة للمرأة كل حقوقها الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية وأحاطتها بسياج من الحماية والتكريم . ولو أراد هؤلاء القيام بدور إيجابي فعليهم أن يعملوا على إعادة الحقوق الشرعية المسلوبة من نسائنا، بدلا من أن نشغلهن بشعارات رنانة ومطالب فارغة لا توفر لهن على أرض الواقع أية حماية أو ضمانات لحياة كريمة .
ويوضح د . واصل أن المرأة في بلادنا العربية والإسلامية تعاني مشكلات عديدة، وهذه المشكلات لا دخل للإسلام وتشريعاته بها، بل هي في حقيقة الأمر نتيجة طبيعية لحرمان المرأة في بلادنا من حقوقها الشرعية، والتعامل معها من خلال عادات وتقاليد متوارثة بعضها مقبول ومستمد من التعاليم والتوجيهات الإسلامية، وبعضها الآخر مرفوض لأنه يصطدم بالحقوق التي كفلتها شريعة الإسلام لها . وقد آن لنا أن نعترف بأن كثيرا من العادات والسلوكيات الذكورية في التعامل مع المرأة، هي عادات وسلوكيات ظالمة ولابد أن تتغير، ومقياس الضبط هنا هو ما قرره الإسلام من حقوق وآداب وأخلاقيات للتعامل بين الرجال والنساء . . ويحزنني أن أقول إن معظم ما يصدر عن هؤلاء المتدينين لا علاقة له بالشريعة الصحيحة، وأن معظمه يستند إلى رؤى واجتهادات ضيقة صدرت عن أناس في ظروف معينة، ولم تعد صالحة للعصر ومتطلباته .

وهنا يحث مفتي مصر الأسبق كل النساء على عدم الاستسلام والدفاع عن حقوقهن . . ويشير أنه من حق المرأة أن تواجه كل صور الظلم والتعسف، سواء كان مصدرها أباً لا يتعامل مع بناته برحمة ومشاعر أبوة صادقة، أم كان مصدرها زوجا ظالماً متغطرسا لا يعرف حدود قوامته على زوجته، ولا يعترف بحقوقها المشروعة . . أو كان مصدرها رؤى ضيقة وعقول مغلقة على فكر معين لا علاقة للإسلام به، أو نظاماً ظالماً يريد أن يحرم المرأة من حقوقها، فالإسلام دين العدل والمساواة وهو يعطي للمرأة حق الدفاع عن حقوقها، وهناك وسائل كثيرة تستطيع المرأة الدفاع بها عن حقوقها، منها الاحتجاج السلمي لرفض كل صور الظلم والقهر والحرمان من الحقوق التي تعانيها .

وحول حق المرأة في الاحتجاجات السلمية، يؤكد د . واصل أن المرأة متساوية مع الرجل في الحقوق والواجبات، وما دامت المرأة تحافظ على القيم والأخلاقيات الإسلامية فمن حقها، بل من واجبها المشاركة في كل ما يتعلق بمستقبل بلادها والنهوض بها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية .