السيدة عائشة الزعابي

يحظى ذوو الإعاقة في الإمارات برعاية خاصة واهتمام كبير، لدمجهم في المجتمع والحياة العامة، بهدف إظهار طاقاتهم وقدراتهم، كفئة منتجة تسهم في تنمية المجتمع وعملية التنمية الشاملة في الدولة. وتولي الدولة اهتماماً لذوي الإعاقة من منطلق إنساني وتربوي واجتماعي وثقافي، ولم يعد هذا الاهتمام تحت مظلة الرحمة والإحسان والعطف. وقد استطاع عدد كبير من المعاقين في الإمارات تحقيق إنجازات كبيرة على جميع المستويات، واستطاعوا متسلحين بالإرادة والأمل والصبر تحويل الإعاقة إلى سبب ودافع لإنجاز قصص نجاح مهمة ولافتة ومبهرة وملهمة. هذه الصفحة الأسبوعية تسلط الضوء على "إرادة" انتصرت.

عائشة الزعابي التي تخصصت في دراسة علم النفس، ورشّحت نفسها لخوض انتخابات المجلس الوطني لنصرة حقوق ذوي الإعاقة، حسب تعبيرها، لكنها لم توفق في ذلك، تتحدث عن نفسها بتلقائية مليئة بالإصرار والتحدي، حيث وجدت أن القراءة والثقافة جزء مهم في التقدم ورؤية الحياة بشكل أوسع، وهي التي في جعبتها إصداران من الكتب، الأول حمل عنوان "أشواك"، والثاني حمل عنوان "أشواق"، وهما مجموعتان من القصص القصيرة. الزعابي التي تربطها علاقة وطيدة مع وسائل التواصل الاجتماعي، مثل "إنستغرام" و"فيس بوك" و"تويتر"، والتي تقوم من خلالها بتقديم النصائح وبث الروح الإيجابية، تعود بذكرياتها إلى الوراء، لتكتشف المعنى الحقيقي لتحديها إعاقة شلل الأطفال الذي جاءها نتيجة ارتفاع حرارتها وهي في عمر 11 شهراً، وتقول "كان عمري 11 شهراً، وكنت أمشي بسرعة، ما أثار استغراب كل من حولي، وكانوا يلقبونني بأسرع طفلة، وكأن داخل تلك الطفلة إحساساً بأن سرعتها لها علاقة بالوقت الضيق المتبقي كي تمشي قدماها على الأرض وتلمسها".

البداية
"البداية الحقيقية لمواجهة إعاقتي كانت في وقت دخولي المدرسة"، هذا ما قالته الزعابي، وأضافت "كنت متفوقة دراسياً، لكن اجتماعياً كنت دائماً أخجل من الاندماج، على الرغم من أنني تعلمت في الوقت الذي كان فيه دمج ذوي الإعاقة في المدارس قراراً من باني الاتحاد، المغفور له الشيخ زايد آل نهيان، وهذا من شأنه رفع معنوياتنا بأن نشعر بأننا غير مختلفين، لكن مع كل ذلك كنت منعزلة بسبب الخجل". وأكملت وفي سردها شيء من الحنين "انتقلت إلى مرحلة المتوسط والثانوية، ولازمني الخجل أيضاً، على الرغم من تفوقي، كنت دائماً أظل في الفصل حتى في أوقات الفسحة، كنت أخاف من الاندماج مع زميلاتي، خشية أن ينظرن إليّ أو يقتربن مني بدافع الشفقة، كنت أخشى ألا يحببنني"، وأضافت "لكنني قررت المواصلة، وعلى الرغم من أنني كنت في القسم العلمي، إلا أنني اخترت دراسة علم النفس، لكون الكليات العلمية تحتاج الذهاب إلى المعامل والمشي فترات طويلة، والعكازان رفيقا دربي لن يكونا على قدر كل هذا التعب، فقررت دراسة علم النفس".

أصعب المراحل
أكبر التحديات التي واجهتها لاحقاً هو زواجي من خارج بلدي "وقف أهلي جميعاً في وجهي رافضين هذا الزواج، لكن قدر الله كان أقوى، ثم النصيب، وإصراري على أن أكوّن أسرة وعائلة، وقد منحني الله الفوز بهذا التحدي، فالمرأة ذات الإعاقة غير العقلية تستطيع أن تدبر أمورها وحدها، وتنجز ما تطمح إليه"، وتعود بذاكرتها "بعد تخرجي في الجامعة تزوجت من السعودية، وانتقلت مع زوجي إلى وطنه، وكانت هذه هي أصعب مراحل حياتي، وذلك لخوض حياة زوجية ومسؤوليات جديدة، لم أتعود عليها، كعمل البيت من طبخ وغسل وتنظيف وحمل وولادة ورعاية أطفال، بعيدة عن أهلي ووطني".

وتضيف "مع كل هذا انفصلت عن زوجي، وبدأت خوض معركة تحدٍ أخرى، فالقانون لم ينصفني في كسب حضانة أطفالي، لكوني ذات إعاقة، فصممت على أن أتحدى هذا الواقع، وأن أقف مع كل من يحتاج مني لمساعدة، وأن أدفع عنه الظلم، فأنا لا أحب الظلم، ولدي قدرة على مساعدة كل من يحتاجني، خصوصاً في الاستشارات النفسية".

من الصفر
بعد انفصال الزعابي التي تعمل حالياً في غرفة تجارة أبوظبي، وفقدانها حق الحضانة بسبب إعاقتها، قررت أن تبدأ من الصفر، والبحث عن وظيفة "لأعتمد على نفسي، وأعود لبناء ذاتي، وتعزيز ثقتي بنفسي من جديد، قررت أن أقف وسط الإعصار بقوة إرادتي وصبري، وبحثت عن عمل في غرفة التجارة كمتدربة على البدالة، لم يهمني أن الوظيفة لا تتناسب ومؤهلاتي العلمية، لأنني آنذاك كنت أبحث عن أي وظيفة حتى أقف على قدميّ وأحقق أحلامي"، وأضافت "ثم بدأت بالتخطيط لأخذ دورات خاصة بعد الدوام، كخبرات وزيادة تعليم، وأردت أن أحصل على رخصة القيادة، وتطوير مهاراتي مع الكمبيوتر، واللغة الإنجليزية، طمعاً في أن أكمل تعليمي العالي، بإذن الله".

مشروعي الصغير
أحب القراءة كثيراً، ومؤمنة بأن الثقافة جزء أساسي من تطوير الذات وتحمل الكثير من الصعاب، ولأنني أشعر بأن الله وهبني ملكة الكتابة، قررت كتابة قصة حياتي، فأصدرت أول مجموعة قصصية لي، حملت عنوان "أشواك"، وهي قصص اجتماعية تتكلم عن قضايا مجتمعية، ومحاولة طرح حلول لها، مضيفة "الآن لدي مؤلف جديد سميته (أشواق)، يشبه روح الكتاب الأول، لكنه يتحدث عن قصص الحب الأشبه بالحب العذري، وبنظرة أكثر إشراقاً، لكنني لم أجد دار نشر تقوم بنشره حتى الآن"، ولدى الزعابي علاقة وطيدة مع وسائل التواصل الاجتماعي والصفحات الإلكترونية، وتقول "لديّ موقع إلكتروني (منتديات أحلام لذوي الإعاقة)، بمجهود شخصي، ومعظمه خاص بي، فأنا اهتم بفئة ذوي الإعاقة، وأيضاً كبار السن، وأقدم فيه معلومات ومقالات، وباباً للاستشارات النفسية ومعالجة المشكلات، ولديّ حسابات على مواقع التواصل (إنستغرام) و(فيس بوك) و(تويتر)".

ذكريات
تقول الزعابي عن الذكريات العالقة معها بين حزينة وسعيدة "من الذكريات الحزينة حينما نجحت في تعلم السواقة عن طريق استخدام آلة اليد في التحكم بدلاً من القدم، لكنني بعدها تعرضت لحادث طريق بخطأ مني، وكان هذا سبباً لي بعد ذلك في التوقف عن القيادة، ما أحزنني". وللسعادة مكان في الذاكرة أيضاً "إنجازاتي في تخطي بعض العقبات، ومما أذكر حينما تسلمت أول عقد بيني وبين دار النشر، وأنا أرى باكورة إنتاجي في التأليف، راجية أن أصبح من رواد الكتابة أو السيناريو في بلدي".

حتى الآن لم تصل الزعابي، على حد تعبيرها، إلى 10% مما تطمح إلى الوصول إليه "فأنا مازلت في أول الطريق، وإن شاء الله أخطط لإكمال هذا الإنجاز بالحماس نفسه".
وعن الأحلام تحدثت "يقولون إن الوصول إلى القمة وعر، وأنا بنيت لي في خيالي بيتاً نحو القمة أطمح إلى أن أصل إليه، ولا أحب أن أتكلم عنه، فربما لا تواتيني الفرصة لأصل، لكنها رغبات مكبوتة، راجية الله القدير أن يحققها لي"، موضحة "من بعض طموحاتي أن أدير نادياً ثقافياً واجتماعياً ورياضياً، يضم فئة ذوي الإعاقة وكبار السن،
يكون نادياً تُمارس فيه الهوايات والرياضة، خصوصاً السباحة، للسيدات ذوات الإعاقة اللواتي لا يجدن فرصة لممارستها، وملتقى فكرياً وتدريبياً لذوي الإعاقة داخل عاصمتنا الأم أبوظبي"، وأضافت "أطمح لأن يكون لدي أكثر من لغة، وأكمل تعليمي في مجال علم النفس والاستشارات النفسية، وأن يكون لدي مكتب خاص بالاستشارات النفسية والأسرية، ومركز خاص لتأهيل وتعليم ذوي الإعاقة، يستقبل جميع الفئات العمرية من سن الحضانة وحتى الـ20 سنة، على أن أقوم أنا ومن معي من ذوات الإعاقة المتخصصات بإدارته والإشراف عليه".