باريس - صوت الإمارات
حلقت طائرة من دون طيار تابعة لمنظمة السلام الأخضر التي تعرف أيضا باسم "غرينبيس"في كانون الأول/ ديسمبر 2001 فوق مفاعل "دو لا هاج" النووي في فرنسا والتقطت صورا للمفاعل كي تثبت خطر هذا النوع من العمليات . وفي بداية تشرين الأول / أكتوبر 2014 رُصدت عدة طائرات من دون طيار تحلق فوق عدد من محطات الطاقة النووية الأخرى في فرنسا ومع نهاية الشهر نفسه تسارعت وتيرة هذه التحليقات حتى بلغت أكثر من 25 تحليقا لطائرات من هذا النوع فوق 14 مفاعلا نوويا فرنسيا والتي يبلغ عددها 19 مفاعلا .
وإذا كان البعض يرى أن تحليق هذه الآليات فوق مواقع حساسة جدا لا يمثل حتى الساعة تهديدا حقيقيا، إلا أنهم يشككون في عمليات المراقبة التي تخص محطات الطاقة النووية . فالطائرات من دون طيار التي تستخدم لمراقبة هذه المحطات لا يزيد وزنها على عشرة كيلوجرامات ولها أجنحة يتراوح طولها بين نصف المتر والمتر وهي تطير على مرأى البصر ولها مسارات مبرمجة . ومن المفترض أن تمنع أي أجهزة تحلق في محيط يبلغ 5 كيلومترات حول هذه المحطات وحتى ارتفاع يصل إلى 1000 متر .
ومن المعلوم أن بنية محطات الطاقة النووية مشيدة بطريقة تجعلها قادرة على مقاومة تحطم طائرة صغيرة أو طائرات رجال الأعمال، التي قد تزن أكثر من خمسة أطنان على حد وصف لورانس خونغ الصحفي المتخصص في الطائرات من دون طيار .
يعتقد خونغ أن المحطات النووية مصممة لتصمد أمام أي تهديد يمكن أن يوجد محمولا على تلك النوعية من الطائرات . واعتمادا على خطورة التهديد، هناك نحو700 عسكري يراقبون تلك المواقع وهم مخولون لإطلاق النار على هذه الطائرات عندما تشاهد بالقرب من المواقع النووية .
ويشير إلى أنه لم يتم حتى الآن الادعاء على أي مستخدم لهذه الطائرات ولكن يتساءل: كيف يمكننا تفسير هذه الحصانة غياب العقوبة الرادعة لهكذا تصرفات علماً بأن بعض المراكز النووية معروفة بأنها تتوفر فيها إجراءات أمنية فائقة لكن ذلك لم يمنع من التحليق فوقها بواسطة الطائرات من دون طيار مرات عدة مثل (مفاعل بوجي في لاين في فرنسا) الذي جرى التحليق فوقه 4 مرات خلال 19 يوما فقط ويتساءل: ما المخاطر الفعلية لهذا الأمر؟ وهل هناك وسائل للوقاية منه خصوصا أن هذه الطائرات غدت أمراً واقعاً في وقتنا الراهن؟
يقول أحد خبراء مراقبة الطائرات من دون طيار أن أغلبية الطائرات التي رُصدت هي كبيرة الحجم (50-80) سنتيمترا كما أن أغلبية عمليات التحليق كانت تجري خلال الليل ما عدا حالة واحدة وتحت إضاءة خافتة تشبه الإشارات الضوئية هذا فضلاً عن استخدامها لمحركات كهربائية لا تصدر ضجيجا عاليا كما أنها تحلق على ارتفاعات تبلغ عشرات الأمتار، كما أنه من الصعب رصد هذه الطائرات بشكل عام لأن وسائل مراقبتها تتطلب وقتا بالنسبة إلى القوات المسلحة التي تحتاج إلى وقت كي تحلق في الجو وهذا يعني أنه ينبغي على الطائرات الحربية أن تكون باستمرار في الجو حتى تكون مستعدة لرصدها والتدخل في حالة الخطر علما بأن الطائرات الحربية لا تتوافق مع الطائرات من هذا النوع لأن هذه الأخيرة قادرة على التحليق على ارتفاعات منخفضة وبالتالي يمكنها الهروب بسهولة من المطاردة .
أما بالنسبة إلى الذين يقودون أو يوجهون الطائرات من دون طيار فمن الصعوبة تحديد أماكنهم لأنه من الممكن أن يكونون على بعد عشرات بل مئات الكيلومترات من مكان وجود الطائرة أو ربما يكونون في بلد آخر كما يفعل الأمريكيون في افغانستان وغيرها من الدول . فضلا عن ذلك يمكن كذلك برمجة الطائرات لتسير وفق مسار محدد مسبقا بواسطة نظام (الجي بي إس) الأمر الذي يجعل تحديد مكانها غير ممكن إلا بواسطة الأقمار الاصطناعية ومن دون تدخل المحطات الأرضية .
يؤكد مدير وحدة الإنتاج النووي لدى شركة كهرباء فرنسا فيليب ساسيني تمثل الطائرات من دون طيار خطرا بسيطا ولو أن إحداها سقطت فلن تتسبب في إحداث أي أضرار . على النقيض من ذلك، تقف منظمة غرينبيس ضد هذا الرأي فهي ترى أن المفاعلات الأساسية محصنة جيدا ضد الاعتداءات الخارجية (زلازل وسقوط طائرات) ولكن هذا الأمر لا ينطبق على أحواض التبريد الواقعة داخل مبان مجاورة مخصصة لتخزين الوقود المستخدم على مدى سنة أو سنتين قبل إرساله إلى مفاعل رئيسي مثل لاهاج لمعالجته .
فأسقف هذه المباني مغطاة بمواد مصنوعة من القصدير وكأنها حظيرة طائرات عادية وبالتالي فهي تحتوي على كميات كبيرة من الوقود المشع ولو حدث تسرب كبير للمياه التي تحميها فسيحدث ذلك سحابة مشعة تنتشر على مساحة كبيرة . من جهته يرى تيري شارل المدير العام المساعد لمعهد الحماية من الإشعاعات والأمن النووي في فرنسا أن المباني المحتوية على أحواض التبريد التي تقرن بالمفاعلات تتكون غالبا من جدران من الإسمنت المسلح ومن أسقف معدنية وهي مصممة خصيصا لمقاومة المخاطر الخارجية وذلك وفقا لنموذج احتمالي للمخاطر . يبلغ أقل من واحد على مليون سنويا .
ويضيف شارل أن سطح الأسقف قادر على مقاومة سقوط الطائرات من دون طيار فوقه وتجنب أي ضرر أو إمكانية حدوث ثقب فيها . ولكن بغض النظر عن النماذج الصغيرة التي لا يتجاوز طولها 10-20سم، هل يمكن للطائرات الأكبر حجما والتي يمكن أن تحمل شحنات تبلغ عدة كيلوجرامات أن تُحدث أضرارا بالغة في محطات الطاقة النووية؟ الحقيقة أن يانيك روسوليه المكلف بقضايا الأمن النووي لدى غرينبيس يرى أن سقوط عدة طائرات من هذا النوع في وقت واحد فوق أحد أحواض التبريد يمكن أن يمثل حادثا خطيرا جدا ويتسبب في وقوع كارثة .
يُذكر انه قبل تشرين الأول/ أكتوبر 2014 لم يكن هناك نظام حماية قادر على رصد وتدمير الطائرات من دون طيار فيما لو حلقت إحداها فوق أي من محطات الطاقة النووية الفرنسية ولكن بدءاً من 12 تشرين الثاني / نوفمبر 2014 زُودت كافة المحطات بوسائل تقنية منها الرادارات العسكرية خصوصا تلك المواقع التي حلقت فوقها هذه الطائرات . ويتميز هذا النوع من الرادارات بانه متحرك ويعمل على التقاط إشارات من أجسام تحلق على ارتفاعات منخفضة بحجم الطائرات من دون طيار .
ويضيف الأستاذ والباحث في الكلية الإلكترونية العليا لمنطقة غرب فرنسا ريتشارد بيرديرو إن أبسط حل لدى رصد إحدى هذه الطائرات هو التشويش على رابط التواصل بين مركز القيادة والطائرة لكن بنبغي بالطبع معرفة التردد المستخدم لعملية التحكم بها هذا من دون أن ننسى بأنه إذا كانت عملية التحكم بالطائرة تجري بواسطة جهاز الجي بي إس فعند ذلك يتطلب الأمر تشويشاً من نوع خاص بمعنى أن التشويش ينبغي أن يبلغ حينها درجة تعمل على تدمير الطائرة في الجو إذا ما تبين أنها تحمل شحنات متفجرة لأنه يمكن للمركز الذي يتحكم بها أن يفجرها بواسطة الهواتف المحمولة .
وثمة حل آخر يتمثل في تدمير الطائرة بواسطة سلاح ناري من النوع بندقية الصيد لأنها تتناسب تماماً مع الأهداف المتحركة وذلك على النقيض من بندقيات أخرى كالقناصات التي لا يتجاوز مداها الثلاثين مترا . وثمة طرق أخرى لتدمير هذه الطائرات وذلك بواسطة المدافع ذات الطاقة الموجهة التي تستخدم حزما من الموجات الكهرومغناطيسية ذات القدرة العالية والتي يتم توجيهها نحو الطائرة للتشويش على معداتها الإلكترونية لإسقاطها لكن المشكلة أن ثمة طرقاً مادية وبرمجية لتصفيح هذه الطائرات ومقاومة هذا النوع من الموجات ولذا فإن الحل النهائي يكمن في استخدام المدفع الليزري الذي يمكن من خلاله التصويب على الطائرة وتسخينها إلى حد يؤدي إلى إسقاطها .
ولقد أجريت اختبارات عدة على طائرات من دون طيار باستخدام هذه الطريقة وقد تم تدمير بعض طائرات عسكرية وهي تحلق على مسافة تبلغ كيلومترات عدة خلال بضع ثوان فقط . وفي الآونة الأخيرة أعلنت القوات المسلحة الأميركية والصينية أنها تعمل بجد على مثل هذه الحلول أما فرنسا فلا تملك حتى الآن مثل هذه التقنية .
يشير رئيس الاتحاد المهني للطائرات من دون طيار المدنية إيمانويل دو ميستر إلى أن المشكلة الوحيدة المتبقية بعد إسقاط الطائرة هي العثور على قائدها الذي يديرها من الأرض فهذه الطائرات لا يوجد عليها رقم تسجيل أو أي رقاقة إلكترونية تعرف عنها .
ويضيف دو ميستر أن ثمة اتجاهات حالية لإنتاج أجهزة قادرة على تحديد هوية هذه الطائرات لكنها مكلفة جدا وتتطلب المزيد من الدراسة والوقت خصوصا أن ثمة طائرات باتت تصنع في المنازل من خلال مخططات يتم الحصول عليها من الإنترنت ويتم شراء مكوناتها الإلكترونية من المحلات العامة . وهذه الطائرات تمثل بالفعل حجر عثرة أمام طرق مراقبة ومنع هذا النوع من المعدات التي باتت تستخدم للتجسس .