بيروت ـ مصر اليوم
يبدأ موسم الصيد في لبنان على نطاق واسع في منتصف تشرين الأول من كل عام، مع وصول طلائع عصفور "الصلنج" في هجرته السنوية من المناطق الباردة في أقاصي أوروبا إلى دول حوض البحر الابيض المتوسط، لذلك نجد أن تركيز تجار أسلحة الصيد وذخائرها على الحملات الإعلانية يبدأ على نطاق واسع في هذه الفترة بالذات، إلى درجة أن بعض المحال التجارية والسوبر ماركت في قرى وبلدات المتن الاعلى راحت تعرض خرطوش الصيد على الرفوف كأي سلعة عادية!صحيح أن الصيادين يشرعون في تحضير وتذخير بنادقهم قبل هذه الفترة، لاصطياد الورور والطيور الجارحة وبعض أنواع من الطيور المهاجرة ايضا كاللقلق (البجع) والخطُّف، إلا أن الموسم يظل دون ما يتمناه الصيادون، فمع "صيد الصلنج لا نشعر بالملل" يقول (س. ز) ابن الاربعة عشر ربيعا، وهو "صياد" لم ينتظر الحصول على رخصة صيد بموافقة وزارة البيئة ولم يخضع لدورة تدريبية تبعا لما ورد في قانون تنظيم الصيد البري الذي لم يبصر النور الى الآن. لا بل يضيف: "الصلنج يمر دون توقف وبأسراب كبيرة، ولا نشعر بمرور الوقت وتكون الغلة ما بين 20 و 50 عصفور". أما زميله (ف. ح) فيشير إلى أنه يستهلك في كل رحلة صيد "أربع علب (80 خرطوشة)"، ويشير إلى ماكينة تقلد أصوات الطيور بقربه "الفضل يعود لهذه الآلة"، ويضيف: "ان بعض الصيادين استعملوا آلة تقليد أصوات الصلنج قبل سنوات عدة، وتمكنوا من اجتذاب أسرابها إلى حيث يتموضعون وهم بذلك استأثروا بالحصة الاكبر من الصيد"، ويشير إلى أنه "بعد ذلك أصبحت الآلة ضرورية إذا ما أردت أن تحظى بصيد وفير".ولعل هذا ما يفسر التنافس في سوق بيع هذه الآلات، والاعلانات التجارية التي تروج لأنواع منها كالتي نراها في النشرات الإعلانية المقروءة أو على مواقع التواصل الاجتماعي، والتنافس القائم بين مستوردي هذه الآلات المحظور استخدامها في بلد المنشأ ليس على السعر فحسب، وإنما على قوة الصوت وعدد أنواع الطيور المقلدة، ويصل سعر الآلة الواحدة إلى نحو مئة دولار تقلد أصوات أكثر من مئة نوع من الطيور.ليس ثمة إحصائيات دقيقة حول عدد عصافير "الصلنج" التي تقتل سنويا في لبنان، إلا أن ما يجمع عليه مناهضو الصيد أن الرقم يتخطى المليون سنويا. ويعكف علماء المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في فرنسا على دراسة الأصول الجغرافية لعصفور "الصلنج" واسمه العلمي Chaffinch، وقد أكدوا أن أعداده انخفضت بنسبة 84 بالمئة في الثلاثين عاما الماضية ما جعله مهدّدا بالانقراض".وقام العلماء باصطياد مجموعة من هذه العصافير، وحصلوا منها على 184 ريشة، وأرسلوها إلى كندا، بغية إجراء التحاليل عليها، وتحديد المنطقة الجغرافية التي أتوا منها. وأظهرت نتائج الأبحاث أن 80 بالمئة من هذه العصافير يأتي من روسيا، ورومانيا، وإنها لم تأتِ من الدول الاسكندنافية، كما كان يعتقد في الماضي .وتوصل الباحثون الفرنسيون إلى أن تزويد مئات من ذكور هذه العصافير بجهاز "فوتومتر"، يقوم بتسجيل اليوم والساعة وتتبع الطريق الذي تسلكه هذه الطيور، على بعد 100 كيلومترا، يساعد العلماء على تحديد موطنه الأصلي."الصلنج" على القائمة الحمراءوعرض الخبير في الطيور البرية والمسؤول في لجنة المحافظة على صقور الساكر في حوض الكارباثيان في هنغاريا Conservation of "Saker" in the Carpathian Basin (Falco cherrug) ماتياس برومر لــ "غدي نيوز" عبر البريد الالكتروني لخريطة تواجد "الصلنج" في العالم، لافتا الى أن "ما بين 50 و 74 بالمئة من تعداده موجود في أوروبا"، وأشار الى انه في "بعض السنوات قد يتواجد في بعض دول الخليج كالبحرين وقطر".ويذكر ان لجنة لجنة مناهضة ذبح الطيور (CABS) Committee Against Bird Slaughter كانت قد أصدرت تقريرا عن "مجزرة تنظمها الدولة في ايطاليا، حيث ضغط اللوبي المؤيد لصيد الطيور في مناطق لومباردي وتوسكاني وفينيتو من الجناح الأيمن الشعبي ومن مؤيدي برلسكوني لإصدار قانون يسمح بالصيد خارج الفترات المسموح بها وهي تستهدف عصفور "الصلنج".وذكرت CABS ان الصيد القانوني وغير القانوني وباستعمال شرك من الطيور الحية المصابة، قد قضت على ما يزيد عن 650 الف طير في اللائحة الممنوعة من الصيد و20 مليون طير من الطيور غير المحمية. وينتقد هاينز شوارتز رئيس (CABS) هذا يجعل الجهود المبذولة للحفاظ على الطيور التي اتخذتها ألمانيا ودول أخرى في الاتحاد الأوروبي مجرد مهزلة".وفي لبنان يؤكد أكرم الدبس (صياد سابق) أنه "تراجعت كثيرا أعداد الصلنج فقبل 20 سنة كانت أسرابها أكبر وتمر بكثرة أيضا كفترة زمنية بين السرب والآخر"، لافتا إلى أن "ليس هذا السبب الذي كان وراء توقفي عن الصيد، وإنما سبب آخر لجهة فقدان أنواع كثيرة من الطيور المقيمة لم تعد موجودة في المتن الأعلى والتي كنا نصطادها كالحجل والترغل والسفاري وابو بليق وغيرها"، وأضاف: "لما وجدت قبل خمس سنوات أن أعداد الصيادين تفوق أعداد الطيور المقيمة والمهاجرة ومع الفوضى القائمة قررت الامتناع عن صيد الطيور المقيمة، لكن بالصدفة وأثناء صيد الصلنج شاهدت هذا العصفور بأم العين وهو يصطاد نوعا من البعوض وهو محلق فقررت بعدها أنني لن أقتل طيرا بعد اليوم".ويشير الدبس إلى "اننا نقتل إناث الصلنج لانه نادرا ما تكون الذكور في عداد الأسراب المهاجرة"، وقال "هذا الامر كان دائما مثار اهتمامي لجهة عدم هجرة الذكور إلى أن وجدت على "موقع الطيور البريطانية" على الانترنت أن الهجرة الجزئية لبعض الطيور ومن ضمنها الصلنج تطال الإناث بشكل خاص ومواليد السنة الأولى من اليافعين، وان الهرمونات الجنسية تلعب دورا مهما، ولكن هناك ميلا لدى الإناث والعصافير اليافعة أقوى للهجرة من الذكور التي تفضل البقاء في مواطن التزاوج لذا لا نجد الا القليل من الذكور في حالات الصيد".وأشار الى أنه "في مرات قليلة كنا نصطاد صلنج أكبر حجما بألوان زاهية وكنا نظن أنه قائد السرب ونطلق عليه (ديك الصلنج) ولم نكن نعلم أنه من بين الطيور القليلة من الذكور التي تمر بأعداد قليلة جدا".وسط الواقع القائم، يبدو أن "الصلنج" في طريقه إلى الاندثار، وثمة مفارقة أنه خلال إعداد هذا التحقيق، أدرج "الاتحاد العالمي للمحافظة على الطبيعة والمصادر الطبيعية"International Union for Conservation of Nature and Natural Resources والمعروف اختصارا بـ IUCN "الصلنج" على القائمة الحمراء للحيوانات المهددة للخطر في 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 نتيجة الصيد الجائر.