رام الله ـ صوت الإمارات
يقدر مختصون أن زراعة النخيل، مقبلة على أزمة حادة في المدى القريب، مع تزايد العجز في المياه المتوفرة و"ضعف الهمة" في توفير البنية التحتية، وفتح أسواق جديدة لمواجهة الزيادة المطردة في الإنتاج الفلسطيني من التمور.
زراعة النخيل، التي توسعت بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، حظيت بدعم كبير من قبل السلطة الوطنية وتشجيع مجتمعي ضمن إستراتيجية مواجهة التمدد الاستيطاني في منطقة الأغوار، لكن العائد الكبير نسبيا لهذا القطاع جعل منه محل استقطاب لعدد من الشركات، كما ان عددا لا بأس به من المزارعين استبدلوا زراعة الموز والحمضيات، وحتى الخضروات، بزراعة النخيل، وفي المحصلة، يبدو أن هذا القطاع خرج عن السيطرة، فالزيادة الكبيرة في عدد الأشجار المزروعة لم يواكبها تطوير لمصادر كافية للمياه، كما لم يصاحبها خطط لتوسيع الأسواق الحالية وفتح أسواق جديدة.
قبل نحو خمسة أعوام كان عدد أشجار النخيل بالكاد يزيد عن 50 ألف شجرة، وكان المخطط أن يرتفع ليتجاوز على مدى السنوات الخمس التالية 100 ألف شجرة، لكن واقع الحال الآن أن عدد الأشجار التي زرعت خلال السنوات الخمس اقترب من أربعة أضعاف المستهدف.
وتقول وزارة الزراعة إن عدد أشجار النخيل المزروعة حاليا بلغ 230 ألف شجرة، 60% منها ما زالت صغيرة لم تصل بعد إلى الإنتاجية الكاملة، موزعة على مساحة تزيد عن 16 ألف دونم في محافظة أريحا والأغوار، توفر أكثر من 5 آلاف فرصة عمل، بحجم استثمار يتجاوز 200 مليون دولار، ويتوقع أن يصل الإنتاج هذا العام إلى ستة آلاف طن من التمور، سيرتفع إلى 20 ألف طن في اقل من خمس سنوات، علما أن أكثر من 65% من الإنتاج حاليا يصدر إلى أسواق خارجية.
غير أن هذا القطاع، بحسب مسؤولين في وزارة الزراعة، مقبل على متاعب ليست قليلة، لعدة عوامل أبرزها: قصور التوسع في تطوير مصادر مياه كافية لمواجهة التوسع الكبير في زراعة النخيل، وضعف البنية التحتية التسويقية من مخازن وبرادات ومنشآت تغليف، وخسارة إحدى أهم الميزات التنافسية للتمر الفلسطيني في حال التوجه لاستخدام المياه المكررة.
حاليا، يروى النخيل الفلسطيني بمياه جوفية عذبة، حيث تنتج المصادر المتوفرة 15 مليون متر مكعب، تنتجها مجموعة الآبار الزراعية، إضافة إلى عدد من الينابيع الصغيرة، وقال مسؤول الري في وزارة الزراعة فرح صوافطة إن هذه الكمية ثابتة لم يطرأ عليها اية زيادة منذ سنوات طويلة، إذ لا تسمح سلطات الاحتلال للفلسطينيين بالحفر لأعماق تزيد عن 145 مترا، في حين تسمح للمستوطنين بالحفر لعمق يصل إلى 300 متر.
وتتراوح حاجة الدونم الواحد من النخيل للمياه بين 1200 و1600 متر مكعب، أي أن حاجة المساحة المزروعة حاليا تتراوح بين 19 و25 مليون متر مكعب سنويا، وهي كمية تزيد كثيرا عن المتوفر، حيث يغطى العجز، حسب وزارة الزراعة من آبار حفرت بشكل غير قانوني، فيما العجز بارتفاع مستمر مع نمو الأشجار الصغيرة المزروعة، إضافة إلى زراعة أشجار جديد بشكل متواصل.
وقال مدير زراعة أريحا أحمد الفارس أن الوضع المائي الحالي في أريحا يصل إلى حد الاكتفاء الذاتي، مشيرا إلى أن الوزارة تواجه مشكلة تتمثل في عدم اطلاعها بشكل كامل على جميع الآبار المستخدمة في المنطقة، والسبب في ذلك يعود إلى قيام بعض المزارعين والشركات بحفر آبار بطريقة غير قانونية ومخالفة، حيث يكون لديهم ترخيص ببئر واحدة إلا أنهم يحفرون سرا عدة آبار أخرى، ويقومون بإخفائها، وهذه الظاهرة منتشرة بشكل كبير، خصوصا في المنطقة الشرقية من أريحا، وهذا من شأنه ان يفسر كيف يغطي العجز الحالي في المياه.
غياب الخطط
وأشار كل من صوافطة والفارس إلى أن التوجه لزراعة النخيل في البداية كان من خلال وزارة الزراعة، وكانت تستهدف به مناطق محددة بمساحات محددة، وذلك لكون شجرة النخيل تتناسب مع طبيعة المياه وملوحة التربة، وكذلك للحفاظ على الأراضي المهددة بالمصادرة، فعملت على تزويد المزارعين بأعداد محددة من الفسائل والأشتال، إلا أن عملية التوسع أصبحت بعد ذلك تتم بشكل منفصل وغير منسق مع الوزارة ، وبطريقة غير مدروسة وغير محسوبة، فأصبح المزارع يستبدل الخضروات بالنخيل سعيا وراء العائد المالي.
واعتبر صوافطة أن هذا الأمر ينذر بمشكلة على المدى القريب، تتلخص في عدم وجود كميات كافية من المياه تخدم هذا القطاع الآخذ بالاتساع، خاصة ان ما يقارب من 60% من الأشجار المزروعة حاليا هي أشجار صغيرة، ما زال استهلاكها من المياه قليلا، ولكن مع تقدم نموها ستكون بحاجة الى كميات، وفي ظل غياب تخطيط استراتيجي حقيقي لموضوع المياه، وتناسبها مع المساحات المزروعة من النخيل، لن يطول الوقت حتى تصطدم زراعة النخيل بمشكلة على الأرجح خلال سنوات قليلة قادمة، الأمر الذي سيشكل تهديدا حقيقيا على مستقبل الاستثمار في هذا القطاع.
جهود لتطوير مصادر جديدة
وأضاف، إن القراءة الحالية لواقع المياه في المنطقة تشير إلى أن معظم الطبقات المائية الموجودة في منطقة العوجا وأريحا مستنزفة بشكل عام، الأمر الذي دفع الجهات المختصة للجوء إلى أساليب غير تقليدية، حيث بدأ منذ عام 2009 مشروع حصاد مائي، بإنشاء عدد من السدود والبرك الترابية للاستفادة من المياه السطحية والذي يقدر بالضفة الغربية بحوالي 160 مليون متر مكعب، يتوقع أن يكون الحصاد المائي في منطقة أريحا 20-30 مليون متر مكعب.
وقال صوافطة "للاستفادة من ذلك بدأنا بتنفيذ عدد من المشاريع منها إنشاء ثماني برك ترابية بسعة تبلغ حوالي 15 ألف متر مكعب منتشرة في المنطقة، بالإضافة إلى تنفيذ مشروع سد العوجا بسعة 700-750 ألف متر مكعب في المرحلة الأولى، بدأ العمل في إنشائه عام 2009 بكلفة تجاوزت مليون دولار، وهو عبارة عن مشروع تجريبي استعنا بالجانب الأردني لوضع الدراسات والتصاميم الخاصة به، وأقيم على الوادي الأبيض، وهو وادي يتفرع من وادي الفارعة، بمساحة تغذية تصل الى 44 كم مربع.
وأوضح ان الهدف من سد العوجا جمع ما يقارب 400 ألف متر مكعب سنويا من مياه الأمطار، بالإضافة إلى إدارة مياه ينبوع العوجا من خلال السد، حيث تم إنشاء خط ناقل للجزء الزائد من مياه الينبوع لتخزينها في السد، على أن يعاد توزيعها على المزارعين في فترة انخفاض منسوب المياه في الينبوع لاستخدامها مباشرة في عمليات الري، إضافة إلى تغذية المياه الجوفية للتعويض عن الضخ الجائر للمياه.
غير أن السد، بحسب مسؤول لجنة الري في العوجا عماد نسيبة، لم يحقق الهدف المنشود.
فمع تأكيده على أهمية فكرة السد، الذي تمثل حاجة ملحة وأساسية لأهالي المنطقة، ومن شأنه ان يساعد على استمرار الزراعة خلال فترة انقطاع ينبوع العوجا، بالإضافة إلى كونه خزانا للمياه من شانه ان يؤدي إلى تطوير أساليب الري الحالية لتكون أكثر كفاءة وفاعلية، إلا أن نسيبة أشار إلى مشكلة في الوضع الحالي للسد، تتمثل في عدم قدرته على حفظ المياه، فتتسرب خلال فترة قصيرة، "فهو يمتلئ أكثر من مرة خلال الموسم المطري، وقمنا أكثر من مرة أيضا بتحويل مياه من ينبوع العوجا للسد، إلا انه لم ينجح في حفظ المياه، وكانت نسبة التهريب في السد مخيفة جدا".
وتابع: هذا الأمر خلق ردة فعل سلبية من المزارعين تجاه المشروع، ودفعهم للمطالبة بوقف تحويل مياه ينبوع العوجا للتخزين في السد، علما أن مياه العوجا مقسمة بين عائلات العوجا تبعا لنسب ملكية الأراضي، ومن المفترض أن تضخ سنويا ما يقارب 10 ملايين متر مكعب، مخصصة لري 10-15 ألف دونم في المنطقة، إضافة إلى مشكلة تتمثل في انقطاع مياه الينبوع خلال فترة الصيف، وهي ظاهرة باتت تتكرر سنويا منذ نحو 10 سنوات، ونعتقد أن احد أهم الأسباب في ذلك، يعود لقيام مصلحة مياه رام الله بحفر ثلاث آبار على الحوض المغذي لنبع العوجا في منطقة عين ساميا".
لكن صوافطة، قال إن السد يحتاج 3-4 سنوات حتى يثبت ويتوقف التسريب، منوها إلى انه "منشأة حصاد مائي وليس سدا بالمعنى المتعارف عليه للسدود، والتي عادة تقام على مجاري مياه دائمة تعوض ما يتم فقده من خلال التسريب أو التبخر".
وأضاف: احد أهداف هذه المنشأة حفظ المياه للاستفادة منها لمدة لا تزيد عن شهرين، لتغطي فترة انخفاض منسوب أو انقطاع مياه ينبوع العوجا خلال شهري تموز وآب، بالإضافة إلى دوره في تغذية المياه الجوفية لما يقارب من تسع آبار فلسطينية في المنطقة، مستدركا بقوله: لم يتم عمل دراسات لمعرفة مدى تحقق هذا الهدف بسبب نقص الطواقم، وان كانت هناك مؤشرات ايجابية من الأهالي حول تحسن كمية المياه في الآبار، وفي كل الأحوال فان أي مشروع مائي يقيم حسب مردوده الإجمالي النهائي ، وليس حسب مردوده الأولي، ونعتقد أن السد نجح نجاح السد في إنقاذ المحاصيل الزراعية في المنطقة.
وقال صوافطة "يمكن توفير ما نسبته 25-30% من المياه المستهلكة حاليا في حال تطبيق مشروع إدارة المياه بالأنظمة المغلقة، من خلال ربط جميع آبار أريحا بنظام ري موحد ضمن شبكه تعمل على توزيع الأعباء، وتوزيع المياه بحسب مساحة الأراضي المزروعة، والاحتياجات الدقيقة للنباتات، لكن تطبيق هذا النظام يواجه مشكلة حقيقية، تتمثل بنظام الملكية الموجود كونها ملكية شخصية وفردية، بالإضافة إلى نقص التمويل اللازم لتنفيذه".
وأضاف: في حال نجاح كافة مشاريع الحصاد المائي، وتم استثمارها بشكل كامل، من شأنها ان توفر حوالي 15 مليون متر مكعب سنويا، ومع ذلك فان أقصى ما يمكن توفيره من إمكانيات مائية في أريحا لن يتجاوز 31 مليون متر مكعب سنويا، وإذا ربطت هذه الإمكانيات مع احتياجات المساحة المزروعة حاليا بالنخيل، دون السماح بالتوسع الإضافي، يبقى لدينا حوالي 7 ملايين متر مكعب سنويا لباقي المزروعات الأخرى.
معالجة المياه العادمة
وبجانب الحصاد المائي، يجري العمل على معالجة المياه العادمة لاستخدامها في الري الزراعي، وفي هذا السياق، يجري العمل على الاستفادة من مياه محطة تنقية البيرة، والتي تنتج حوالي 1.2 مليون متر مكعب سنويا يتم التخلص منها عبر الوديان، ويجر العمل حاليا على جرها إلى منطقة العوجا بواسطة أنابيب، إضافة إلى محطة تنقية أنشئت حديثا في أريحا، ويتوقع أن تصل قدرتها الإنتاجية في المستقبل إلى حوالي مليون متر مكعب سنويا، وتقع هذه المحطة في المنطقة الجنوبية الشرقية من أريحا، التي تمثل أكثر المناطق حاجة للمياه، وتتركز فيها زراعة النخيل بشكل كبير، علما أن إنتاجية هذه المحطة من المياه حاليا تتراوح بين 200 و300 ألف متر مكعب سنويا، بسبب عدم ربط كافة سكان المنطقة بها.
غير أن استخدام المياه المعالجة قد يفقد التمور الفلسطينية إحدى أهم ميزاتها التنافسية، وهي ريها بالمياه العذبة، خصوصا أمام منتجات المستوطنات التي درجت منذ وقت طويل على ري نخيلها بالمياه المعالجة.
وفي مسعى للحفاظ على هذه الميزة، وفي حال تم تحويل المياه المكررة من محطتي: البيرة أريحا لري النخيل، فأن عملية التكرير ما لم تتم بمستويات متقدمة والتي تتطلب استثمارات عالية، خلافا لما هو الحال في المستوطنات حيث تعالج المياه بالمستوى الأول (ترسيب دون معالجة).
ترشيد زراعة النخيل
وللحيلولة دون تفاقم الأمور بطريقة تشكل خطرا على الوضع الزراعي في أريحا، قال صوافطة إن وزارة الزراعة عقدت العديد من اللقاءات وورش العمل مع المزارعين بغرض وقف التوسع بزراعة النخيل لحين إتمام دراسة وافية ومتكاملة، أفضت إلى اتفاق على ترشيد زراعة النخيل، وعدم الزراعة بكميات كبيرة، لكن لم يبد رضا عن الالتزام بهذا الاتفاق، داعيا إلى تدخل حكومي لوقف زراعة أية أشتال نخيل جديدة حاليا.
زيادة في الإنتاج وثبات في الأسواق
وعلى صعيدا آخر، تشير الإحصائيات إلى أن إنتاج التمور يتضاعف بشكل سريع، حيث من المتوقع أن يصل الإنتاج هذا العام إلى ستة آلاف طن، مرتفعا من ألف طن فقط قبل خمس سنوات، علما أن هناك 40% فقط من الأشجار المزروعة وصلت إلى الطاقة الإنتاجية الكاملة (40-60 كيلو غرام للشجرة الواحدة)، ومن المتوقع عند وصول الأشجار لعمر خمس سنوات، أن يتجاوز الإنتاج 20 ألف طن، الأمر الذي يتطلب بنية تحتية تسويقية قادرة ومؤهلة لمواجهة هذا الزيادة الكبيرة.
وفي هذا السياق، قال الفارس إن القدرة الاستيعابية الحالية للمنشآت القائمة حاليا: الثلاجات، وبرادات التخزين، ومحطات التعبئة والتغليف، لا تتجاوز 2500 طن سنويا، معتبرا ان هذه مشكلة أخرى ستواجه هذا القطاع، بجانب مشكلة المياه، ما يتطلب تطوير وتوسيع هذه البنية بشكل سريع، لتتمكن من استيعاب الكميات الكبيرة المتوقع إنتاجها خلال السنوات المقبلة.
وفي ذات السياق، قال نسيبة إن ما يشهده هذا القطاع من عمليات توسع غير مدروسة، سيترك آثارا كارثية لاحقا، لجهة تصريف الحجم الكبير من الإنتاج المتوقع، "وسيكون من الصعب تسويق، وحتى تخزين هذه الكميات بسبب ضعف البنية التحتية التسويقية".