الخرطوم - أ.ف.ب
توحي شتلات الارز الصغيرة المزروعة في احدى مناطق جنوب الخرطوم انها أعشاب مهملة، بينما هي في حقيقة الامر تشير الى رغبة في استعادة واحد من اهم انظمة الري في العالم. اعتمد هذا النظام في السودان في العشرينات من القرن العشرين، ابان مرحلة الاستعمار البريطاني، وكان الهدف منه ان يتيح زراعة مئات الالاف الهكتارات من القطن، وكان نظام الري القائم في منطقة الجزيرة، بين مجرى النيل الازرق ومجرى النيل الابيض، يعتبر لوقت طويل نموذجا للتنمية الافريقية. لكن سنوات لاحقة من الاهمال والخصخصة سببت تدهورا حادا في البنى التحتية، في القنوات والسدود، ما ادى الى تراجع الانتاج الذي اثر على مجمل اقتصاد البلاد، بحسب الخبراء. وفي هذا السياق، اطلقت الوكالة اليابانية للتعاون الدولي برنامجا يرمي الى مساعدة المزارعين السودانيين، وتسليط الضوء على الآفاق التي تفتحها زراعة الأرز. فبخلاف دول افريقية عدة، لا يزرع السودان سوى كميات قليلة من الارز، أما المصادر الاساسية للغذاء فهي الذرة والفول والقمح. ويقول بكري الامين عوض الكريم الذي يزرع حقله مستفيدا من مبادرة الوكالة اليابانية "ينبغي ان يتحول كثير من المزارعين الى زراعة الأرز، لأن مدخوله كبير". ويرى عبد الله محمد عثمان وزير الزراعة في ولاية الجزيرة ان زراعة الأرز من شأنها أن تكون بمثابة العصا السحرية التي تنقذ السودان. بعد سنوات مزدهرة في زراعة الأرز، اصبح السودان اليوم عاجزا عن اطعام كل مواطنيه البالغ عددهم 31 مليون نسمة، والذين يقبع 12 مليون منهم تحت خط الفقر وينتظرون مساعدات غذائية، بحسب أرقام الامم المتحدة. ويقول عثمان "ان حقل الارز ينتج 3,25 طنا في الهكتار الواحد، اي 50% أكثر من انتاج الذرة، وضعفي انتاج القمح. وفي العام 2012 وصل متوسط الدخل لمزارعي الأرز الى تسعة الاف جنيه سوداني (1500 يورو) عن كل هكتار، بينما بلغ متوسط الدخل للمزروعات الاخرى 3500 جنيه سوداني (600 يورو). لكن رغم كل ذلك، ما زالت زراعة الارز في السودان تشكل استثناء. في العام 2010، اطلقت الوكالة اليابانية مشروعها، وقد وسعته العام الماضي ليشمل 190 هكتارا. وتعد هذه المساحة نقطة في محيط اذا ما قورنت بالمساحة الاجمالية المتاحة في ولاية الجزيرة وهي 800 الف هكتار. ويقول اوسامو ناكاغاكي المسؤول في الوكالة اليابانية "لا شك انه لا يمكننا ان نحل المشكلات كلها دفعه واحدة"، مشيرا في الوقت نفسه الى ان الوكالة توزع البذور والمعدات وقد ارسلت 70 مهندسا زراعيا سودانيا الى الخارج لتلقي دورات تدريبية. وتطلب الامر ايضا تجديد نظام الري. فالمياه التي تصل الى جوار مزرعة عوض الكريم تكون قطعت مسافة 99 كيلومترا بعيدا عن مجرى النيل الازرق، ومن ثم تحملها قناة صغيرة تحت الارض الى المزرعة. لكن هذا النموذج الزراعي المثالي ليس منتشرا، وما زالت معظم نظم الري في حالة يرثى لها، ومعظم الاراضي لا تنتج شيئا، بحسب ما يقول احد خبراء الزراعة طالبا عدم الكشف عن اسمه. وجاء في تقرير لمنظمة يونيسف العام الماضي ان "انتاج القطن والذرة والقمح تراجع الى مستويات متدنية جدا، وكثير من الفلاحين هجروا الجزيرة بحثا عن فرص في أماكن أخرى"، واشار التقرير تحديدا الى مشكلة نظام الري. وفي مقال نشر قبل اسابيع، انتقد الصحافي محجوب محمد عمليات الخصخصة التي نفذت، والتي ادت الى "انهيار تام" في نظام الري وفي البنى التحتية الاخرى في المنطقة، مثل الطواحين والقطارات.