بغداد ـ أ.ف.ب
يشتعل مهند حماسة ويشعل معه القاعة الكبيرة في الفندق الفخم في بغداد، يقفز ويمشي ويضرب يديه على صدره ثم يرفعهما للاعلى ما ان يعثر على الخاتم في يد احد اعضاء الفريق الخصم. لحظات وتبدأ فرقة موسيقية مؤلفة من خمسة اعضاء عزف موسيقى عراقية تقليدية، تدفع اعضاء فريق منطقة الحسينية التي ينتمي اليه مهند الهندي الى رقصة جماعية احتفالا بالتقدم على الخصوم في لعبة "المحيبس" الشعبية الرمضانية. وعادة ما يقصد العراقيون بعيد الانتهاء من طعام الافطار في رمضان، الساحات والنوادي لممارسة لعبة العثور على الخاتم في اجواء من التنافس يشمل محافظات واحياء داخل المدن ويتواصل حتى الساعات الاولى من الصباح. غير ان موجة العنف العشوائي المتصاعد في البلاد التي قتل فيها اكثر من 3500 شخص في غضون الاشهر الاربعة الاخيرة، حملت هذه اللعبة من الشارع، الى الفنادق والنوادي الكبيرة، حماية لممارسيها من اعمال القتل اليومية. ويقول عامر الكردي المنتمي الى فريق الحبيبية المنافس لفريق مهند "في السابق كنا نلعب المحيبس في الشارع في فترة المساء، لكن البطولة الوطنية تنظم هذا العام في الفندق". ويتابع "لم نلعب هذا العام سوى مباريات قليلة في الخارج"، مضيفا "قتل مهاجم انتحاري مؤخرا خمسة من اعضاء فريق الحرية قبل بدء المباراة بقليل". ورغم ذلك، قرر فريقا الحسينية والحبيبية ترك العنف وتبعاته للخارج، والاستمتاع بممارسة "المحيبس"، متنفسهم الاول في رمضان. وفي قاعة فندق الخمسة نجوم في بغداد، حيث يجري تصوير المباراة ضمن برنامج خاص بها على قناة "الديار" الفضائية العراقية، جلس لاعبو الفريقين وعددهم 35 لكل فريق في صفوف متقابلة. وتنص قوانين اللعبة التي تستمر لساعات في اجواء صاخبة وحماسية، على ان يعثر قائد الفريق او مساعده على خاتم يوضع في يد احد اعضاء الفريق المنافس. ويقول مهند (30 عاما) ان "الفكرة الاساسية هي في دفع الخصم نحو التوتر، واخافته عبر الصراخ في وجهه مثلا، حتى يقوم بحركة تغير شيئا في ملامحه". ويضيف "اعرف من يحمل الخاتم من خلال قراءة هذه الملامح، فاحفظ كل وجه وكل تغيير فيه"، مشددا على انه قادر على التمييز بين من يخدعه، ومن يحمل الخاتم بحق. ويفوز في مباريات هذه البطولة التي تتنافس فيها مناطق مختلفة من العراق تحت شعار "الاخوة والسلام"، الفريق الذي يسجل 13 نقطة قبل الفريق الاخر، في مسار يستمر لساعات طويلة. وبين لاعبي فريق الحبيبية الذين ارتدوا الدشداشات التقليدية البيضاء، وهو بمثابة الزي الرسمي للعبة، يتمشى مهند محاولا رصد حركة يمكن ان تدل على صاحب اليد التي تحمل الخاتم. يجلس على الارض في مقابل احد اللاعبين فجأة، يحدق في عينيه عن قرب، وينتقل الى اعين اللاعبين الاخرين واحدا تلو الاخر، فيما هم يثبتون نظرهم نحو الارض، ويبقون على ايديهم متشابكة فوق صدورهم. يركض مهند بين احد الصفوف ويصرخ باحدهم "انظر الي"، فيرفع اللاعب الخصم نظره، ثم يعيده الى الاسفل، قبل ان ينتقل قائد الحسينية الى لاعب اخر ويطلب منه ان يريه يديه، مرة بعد مرة، حتى يعود الى لاعب تجاهله عن قصد فيصرخ فيه ايضا "ارني يديك". وبعد تدقيق يدوم لدقائق في وجه بعض اللاعبين، يأمر مهند ثلاثة من اعضاء الفريق الخصم بالخروج من الجولة الحالية، مؤكدا انهم لا يحلمون الخاتم بين ايديهم، وهو ما يتضح انه صحيح. وفي احدى الجولات، تمكن مهند من اخراج 33 من اصل 35 لاعبا قبل ان يخطئ في الاختيار بين اخر لاعبين، ليختار اللاعب الذي لا يحمل الخاتم في يده. ويقول مهند "الجولات الثلاث الاولى هي الاصعب"، مشيرا انه يركز "في وجوه اللاعبين. هناك دلالات. احيانا يتحول الانف الى اللون الاحمر، واحيانا ينكشف امره حين يمد يده ما ان تطلب منه ذلك". وتبث قناة "الديار" سلسلة مباريات البطولة التي ستعرض حلقتها الاخيرة في اول او اخر ايام العيد، بحسب مدير الانتاج والمشرف على البطولة عمر الجراح. ويشدد الجراح على ان "هذه اللعبة تجمع العراقيين من كل الفئات. الجميع يحبها ويشاهدها، وليس فقط داخل العراق، بل حتى في دول خليجية مثل قطر، ودول عربية اخرى". وخلف كل من الفريقين، جلس عدد المشجعين يهتفون لفريقهم ويحاولون تشتيت انتباه لاعبي الخصم، وقد حمل احدهم علم العراق وبقي يلوح به طوال فترة المباراة. ويقول عامر القيس "انها طريقتنا للعودة الى روح رمضان، للخروج من منازلنا وللقاء اصدقائنا (...) بعيدا عن القنابل". ويتابع "الامر مماثل لما هو عليه في البرازيل. الناس هناك مهووسة بكرة القدم، وهنا ايضا الناس مهووسة بالمحيبس".