القاهرة صوت الامارات
يحتفل شاطئ الريفييرا الساحر في فرنسا، بذكرى وفاة الكثير من المشاهير، على مدار فصول السنة الأربعة (الربيع والصيف والخريف والشتاء)، منهم الرسام العالمي المشهور بيكاسو، والفنان بوليماث جين كوكتو الذي تُوفي منذ 50 عامًا وغيرهم، حيث تنتشر الذكريات على ساحل الأزور مجسدة ما شهدته المدينة الساحلية الجميلة من ازدحام بأشهر الفنانين العالميين حيث كانت الشمس والبحر والدفء والحضارة المتوسطية تجذبهم إليها.
ويسطر الريفييرا الدقائق الأخيرة في حياة بيكاسو، حيث يصر على أن يتناول ضيوفه المزيد من الشراب وسط الحفل المهيب الذي أقامه في فيلته الكائنة في موجنيس بالقرب من مدينة كان الفرنسية في 8 نيسان/أبريل عام 1973، إلا أنه يسقط ميتًا قبل أن يلبوا دعوته إلى الشراب، وربما تبدو القصة ملفقة، إلا أنها تنتشر في جميع أنحاء الريفيرا كل عام حتى وقتنا هذا، لتجسد اللحظة الأخيرة من حياة الفنان المشهور حتى بعد مرور 40 عامًا على وفاته. ويكثر الحديث عن هذه الذكرى على شاطئ الريفييرا، ولا يقتصر الأمر على ذكرى وفاة بيكاسو، فهناك الكثيرون من نجوم العالم والفنانين الذين أقاموا في هذه المدينة الفرنسية الفريدة، فقد أقام ماتسي في نيس في الفترة ما بين 1917 و1954 وأقام متحفه الخاص هناك عام 1963 أي منذ 50 عامًا، كما استهوت الريفييرا مارك كاجال الذي بنى متحفًا للحفاظ على رسائله المقدسة فيه في نيس عام 1973 أي منذ 40 عامًا، تجعل هذه الأسماء العظيمة من شاطئ الريفييرا مكانًا لا يقل عظمة عنها، حيث شهدهم جميعًا وشهد ما كانوا يقومون به، وأصبح هناك ارتباط بينها وبينه لن يزول أيضًا بعد أن استمر منذ حوالي نصف قرن وحتى الآن في 2013. وقد اقترن اسم بيكاسو بالريفييرا، والذي تحتفل به موناكو هذا الصيف بعرض يتكون من جزئين في إطار منتدى "جريمالدي" الفني، يغطي الجزء الأول من العرض تجربة الرسام العالمي في الساحل الأزوري في الفترة ما بين 1920 إلى 1946، أما الجزء الثاني فهو عبارة عن سبق فني يتناول مجموعة لوحات بيكاسو النادرة التي لم يُكشف عنها النقاب بعد، والتي تقدمها الوكالة الفنية لعائلة ناهماد، وهي الأعمال التي غالبًا ما تكون موجودة في مخازن في سويسرا، ومن المقرر أن يُقام العرض في الفترة من 12 تموز/يوليو وحتى 15 أيلول/سبتمبر، فيما فتن بيكاسو بمدينة فالوريس، مدينة أعمال الخزف حيث انخرط فيها في أعمال صناعة الفخار على طريقته الفنية، ومنذ ذلك الحين والمدينة مرتبطة باسم هذا الفنان العظيم، وتنظم سنويًا عددًا من الأحداث تجمل اسمه، كما كان له مشغلاً يعمل به في مدينة مادورو الفرنسية حيث يوجد الكثير من الأطباق والأواني الفخارية التي صنعها بيده، إلا أن هذا المشغل مغلق وغير متاح للجمهور في الوقت الراهن، ويقع المشغل في قصر بيكاسو الصغير الذي أُلحقت به كنيسة صغيرة في مادورو، وتملأ حوائط القصر الصغير لوحة الحرب والسلام لبيكاسو التي تُعد قطعة فنية نادرة بين أعماله الكثيرة، وكان يقضي معظم وقته في العمل في قصر جريمالدي في أنتيب والذي شهد هذا المكان الكثير من أعماله الفنية ولاستكمال رحلة تتبع خط سير بيكاسو والتعرف على المزيد عن حياته الفنية وأعماله، لابد من التوجه إلى أوباين بالقرب من مرسيليا حيث تقيم كنيسة بينيتينتس نويرس معرضًا يغطي رحلة استكشاف بيكاسو لحضارة حوض البحر المتوسط، وتعرض الكنيسة في إطار هذا الحدث مجموعة من أعماله المشهورة من لوحات زيتية وأعمال خزف ورأى الروائي والكاتب المسرحي، الممثل والرسام والشاعر، المخرج ومصمم الديكور كوكتو، الريفييرا رؤية الهاو لا المحترف، لأننا لا نثق كثيرًا في البارع في كل شئ، فقد اعتاد النزول في مينتون التي كافأته بإنشاء متحف خاص به تسوده الخطوط الانسيابية الخاصة للوحات كوكتو، وأعاد متحف موزيه كوكتو تعليق أعمال مستوحاة من أعماله السينمائية والمسرحية ومدرسته الخاصة في الفن "الواقعية غير الحقيقية"، وسيتابع المتحف بدءًا من 11 تشرين الأول/أكتوبر المقبل الجوانب المتوسطية من حياة كوكتو ويربطها ببيكاسو وماتيس وغيرهما من الفنانين العظماء الذين ارتبطوا بشاطئ الريفييرا، وفي مكان قريب من منزله الخاص المبني على الطراز السائد في القرن الـ17، يقع متحف كوكتو الذي أسسه الفنان بنفسه من خلال عرض بعض أعمال الموزايك والخزف والرسوم الزيتية التي رسمها بيده لعشاق محليين، ويدخل الزوار إلى المتحف بالتذكرة نفسها المشار إليها أعلاه، والأكثر إشراقًا في المتحف هو ذلك الجزء الذي يتعارف على أنه "ساليه ديه مارياج" (صالة الزفاف) في الصالة الأساسية لمدينة مينتون، ففي عام 1957، عهد العمدة إلى كوكتو بتصميم هذه الصالة التي تميزها تلك المقاعد المخملية والسجاد المرقط والرسومات الجدارية المستمدة من الأساطير والفن الشعبي والتي تجعل العروسان يتساءلان عما إذا كان ذلك هو أسعد أيام حياتهما أم أنهما بصدد المرور بتجربة مرعبة.
وصمم كوكتو كنيسة بيشو الواقعة بمحازاة شاطئ فيلفرونش، بنبرة أهدأ من تلك التي تسود صالة الزفاف، وبالنسبة للمدينة نفسها، فن كوكتو يقيم في فندق ويلكوم في الغرفة رقم 22 لأغراض رسمية كما كانت له غرفة غير رسمية لتدخين الأفيون، وللإطلاع على فنه الهذلي، يمكنك زيارة جين كابرفرات وفيلا سانتوس سوسبير حيث كان يقيم هناك من 1950 إلى 1963، حيث رسم على الحوائط إبداعاته الشعرية، وكان يقول إن "الشعر لا غنى عنه"، ورغم ذلك لم يكن يعلم لماذا، وربما وجد أحد الإجابات على تساؤله في وضع أبيات منه على الحوائط أمام الضيوف في غرفة الطعام.
ويُعتبر زعيم القطط، سيد الألوان، هنري ماتيس، هو أكثر الفنانين ارتباطًا بمدينة نيس، حيث تدين له هذه المدينة بالكثير، ويأتي هذا الصيف ليشهد رد الجميل من المدينة التي تنظم حدثًا كبيرًا يحمل اسم هذا الفنان "صيف ماتيس" الذي يبدأ في 20 حزيران/يونيو، ويتضمن هذا الحدث تنظيم 8 معارض تحتل المدينة بأكملها على مدار أشهر الصيف، وتركز على الرجل وأعماله وتركته المهمة (كان بيكاسو يعتبر ماتيس منافسه الأكبر)، أما القطعة الفنية الأكثر روعة بين أعمال ماتيس، فهي متحف ماتيس نفسه حيث بني أعلى تل سيمياز، وهو عبارة عن فيلا مبنية على الطراز الجنوي أعلى قمة هذا التل، وتحتوي على المجموعة الكاملة من أعمال ماتيس التي ترصد تطور فنه بدايةً من ثمانينات القرن الـ19 وحتى العقد الأخير من حياته، وهي المسيرة التي توجها عمله الأخير "الزهور والفواكه"، ونصاب بالدهشة عندما نعلم أن هذا الرجل، الذي جعل الألوان تغني بصوت أعلى بكثير من غيره من الرسامين، كان يرتدي أزياء تشبه إلى حدٍ بعيدٍ أزياء المصرفيين تتسم بالجدية الشديدة وكان يعمل لساعات طويلة ويعشق رياضة التجديف، ومن خلال منشور ترويجي يمكن الحصول عليه من متحف ماتيس أو أي مكتب سياحة، يمكنك التعرف على المنازل التي اعتاد ماتيس الإقامة والعمل بها في مدينة نيس الفرنسية وانتقاله إلى فينس، وفي الثمانينات من عمره، صمم ماتيز كنيسة تشابيليه دو روزاير بالمدينة كرسالة شكر إلى إحدى الأخوات التي أحاطته بالرعاية عندما كان مريضًا، ووصف ماتيس هذه الكنيسة بأنها "رغم ما ينتاب تصميمها من أوجه قصور، إلا أنه يعتبرها تحفته الفنية المفضلة، وأنها تتسم بالصفاء وخفة الظل".
وقد أكنّ بيكاسو حبًا كبيرًا للفنان البيلاروسي تشجال، وقال عنه "إنه لا يدري من أين يأتي بلوحاته، وربما يكون لديه ملاك في رأسه يوحي له بهذه الرسومات الجميلة"، وهنا لابد من استعراض الرسائل المقدسة الـ 17 على حوائط متحفه الخاص في مدينة نيس، والتي تتراقص فيها الألوان مع العاطفة القوية، حيث تميز هذا الفنان بأنه غريب الأطوار بعض الشئ، وله شأن مع رسم الحيوانات، حتى أنه كان ينام كالحمار وكان يقول دائمًا إنه "يحب الرسم بجنون"، أما رسوماته فكانت غامضة، فلا تقلق إذا ما عجزت عن فهمها لأن هذا هو الطبيعي، حيث لم يفهمها أحد حتى الآن، وتحتفل المدينة بالذكرى السنوية الأربعين لتشاجال من خلال تنظيم معارض عدة، منها معرض بعنوان من "حرب إلى أخرى" من 22 شباط/فبراير إلى 20 أيار/مايو، والذي يستعرض أعمال تشاجال الداخلية والخارجية في الفترة من 1914 وحتى السنة التالية لنهاية الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى ذلك، تنظم المدينة معرض آخر بعنوان "مواجهة المرايا" ويركز على الأعمال التي تجسد شخص تشاجال، ويعرض أيضًا لوحة "أزواج ومظاهر" حيث يصور نفسه مع المرأة التي يحبها، وبينما تزور في فينس صومعة تشاجال وقصر فيلينويف في إطار المعرض الذي تنظمه المدينة في الفترة من 22 حزيران/يونيو إلى 15 تشرين الأول/أكتوبر، حيث تُعرض الرسائل المقدسة هناك. وانتقل تشاجال وزوجته فافا يد إلى العيش بالقرب من سان بول دي فينس، بدءًا من عام 1966 وحتى وفاته عام 1985، وكان من عاداته حتى وصل سن الـ97 أن يتناول الإفطار في مقهى "دو لا بلاس" والغداء في "كولومب دو أور"، ويعمل في الفترة ما بين الإفطار والغداء، وتنتشر أعمال الموزايك الخاصة بتشاجال على جدران المطاعم والمدارس وغيرها من المباني في جميع أنحاء فينس، وتنظم نيس أيضًا معرضًا لصور التقطت لتشاجال أثناء رحلاته الخارجية في الفترة من 20 حزيران/يونيو إلى 15 تشرين الأول/أكتوبر.