كرة القدم امارتيه

لم يعد خافيًا على أي متابع أو مهتم، أن الغياب قد طال فعلًا عن منصات التتويج في البطولات الخارجية للألعاب الأربع الرئيسة والتي تعرف دائماً بـ "الجماعية"، كرة القدم والسلة والطائرة واليد، حتى بات ذلك الغياب شبه دائم، وتحول إلى خيبة أمل متواصلة منذ 5 أعوام، وصار محل تساؤل واسع النطاق من قبل جميع المعنيين والمهتمين برياضة الإمارات، وماذا بعد ذلك الغياب، ألا من حل، ألا من أمل يعيد البريق إلى تلك الألعـــاب، وينهي "خصومتها" الأقدم عهداً والأطول زمناً مع منصات التــتويج علــى صعيد البطولات العربية والآسيوية والعالمية، والألعاب الأولمبية؟!

والمحزن في الأمر، أن حصاد "الأربعة" الكبار، لا يتعدى حاجز الـ 9 ميداليات فقط طوال مشاركاتها في مختلف البطولات الخارجية في 5 سنوات من 2012 حتى 2016، 8 منها خليجية، 6 ذهبيات جميعها على المستوى الخليجي، وفضية واحدة أيضا خليجية، وبرونزية آسيوية واحدة.

وتبرز الأهمية القصوى والأثر السلبي الكبير لغياب الأربعة الكبار عن منصات التتويج ودائرة الإنجاز الخارجي، من القيمة العالية لأي إنجاز أو إحراز بطولة خارجية لأي من منتخبات القدم والسلة والطائرة واليد، كون ذلك الإنجاز يعد جماعيا يحسب لفريق كامل وليس لفرد أو لاعب دون غيره، وهنا تكمن أهمية النصر، وتأثير الغياب على عموم الواقع الرياضي في الإمارات، ما يعطي زخما وديمومة تكاد تكون عامة عن أسرار وأسباب تواصل مسلسل غياب تلك الألعاب عن مسرح الإبهار والتألق في البطولات العربية والآسيوية والعالمية، ناهيكم عن الألعاب الأولمبية.

وعلى الرغم من مرارة الغياب شبه الدائم لكبار الرياضة الإماراتية عن منصات التتويج، إلا أن وضع لعبتي السلة واليد يبدو وضعا صارخا فعلا، فهما اللعبتان اللتان لم يحققا أي إنجاز على أي صعيد خارجي طوال السنوات الخمس الماضية، ما يعني أن غيابهما تام وليس شبه تام عن منصات التتويج في مشهد يلخص عمق المشكلة في أروقة هاتين اللعبتين الهامتين جدا في معايير التقييم الرياضي لأي دولة في العالم.

ومع أن حصادها لم يتعد حاجز الـ 6 ميداليات كلها خليجية "ذهبية في العام 2012، وذهبية وفضية في 2013، وذهبية وبرونزية في 2014، وذهبية في 2015"، إلا أن كرة الطائرة جاءت أولا في عدد الميداليات التي تم إحرازها خلال السنوات الخمس الماضية، فيما حلت كرة القدم ثانيا بـ 3 ميداليات، ذهبيتان خليجيتان اثنتان للمنتخبين الأول والناشئين في العام 2013، وبرونزية آسيوية واحدة للمنتخب الأول في 2015، وهي نتيجة لا ترقى إلى مستوى الطموح المعقود على "لعبة الملايين"، خصوصا إذا ما علمنا أن كرة القدم تستحوذ على مجمل "كعكة" الدعم المالي الرسمي بحصولها على أكثر من 57 مليون درهم سنويا، موازنة مالية مقدمة من الهيئة العامة لرعاية الشباب والرياضة.

ومعروف أن مبررات الغياب شبه الدائم للأربعة الكبار، غالبا ما ترتبط بقلة الدعم المالي المقدم من قبل الجهة المعنية لكل لعبة من الألعاب الأربع، ليكون قلة الدعم وانحسار القاعدة في أروقة الألعاب الأربع على صعيد فرق ومنتخبات المراحل العمرية، بمثابة حجة بيد المتذرعين، رغم أن الحقيقة الدامــغة تبين أن الكبار الأربعة يعتبرون الأكثر إنفاقا من الناحية المالية، وفي نفس الوقت الأقل إنتاجا بالمقارنة مع حصاد نجوم ألــــعاب أخرى تعرف بالفردية، مع أحقية أولئك "المتذرعين" في ما يتعلق بمحدودية الطاقات البشرية المتاحة في مجال الفئات العمرية لتلك الألعاب!

وإلى جانب المبرر المالي، فإن الكثير من المعنيين والقائمين على شؤون الألعاب الأربع، خصوصا كرة السلة والطائرة واليد، غالبا ما "يتعكزون" ويربطون غياب تلك الألعاب عن منصات التتويج بضعف أو بالأحرى، انعدام المنشآت الرياضية القادرة على احتضان مراحل إعداد وتحضير منتخبات تلك الألعاب قبل الدخول في معمعة المشاركات الخارجية، ليشكل ضعف المنشآت مع انعدام المشاركات الخارجية على صعيد المنتخبات أو الأندية على السواء، مقدمة للفشل الحقيقي في مـــجال البطولات العربية والآسيوية والعالمية.

وكما أن قلة الإمكانات البشرية المتاحة ومحدودية وجودها في إطار ألعاب السلة واليد والطائرة تحديدا، هي الأخرى من المبررات التي غالبا ما "يتعكز" عليها المعنيون في اتحادات تلك الألعاب، ما أدى تباعا إلى ضعف القاعدة على صعيد منتخبات المراحل العمرية التي تمثل العمود الفقري لمد المنتخب الوطني الأول باللاعبين الواعدين الذين بمقدورهم تنشيط وتفعيل مسيرة الألعاب الجماعية الأولمبية وفقا لمعايير علمية وعملية حقيقية.

وصب إبراهيم عبد الملك، الأمين العام للهيئة العامة لرعاية الشباب والرياضة، جام غضبه على معادلة الوضع الجاري بين ما ينفق على كرة القدم، وما تحصل عليه الألعاب الرياضية الأخرى، خصوصاً الجماعية، السلة والطائرة واليد، بقوله "كفانا دلال" لكرة القدم، الأمر وصل إلى حد لا يمكن السكوت عنه، الأذى الذي يلحق بالألعاب الرياضية الأخرى، خصوصاً الجماعية، أصبح خطيراً جداً على مستقبل الحركة الشبابية والرياضية في الإمارات.

وطالب عبد الملك، إدارات مختلف أندية الدولة بحتمية العمل بجد وتفانٍ من أجل إيلاء الألعاب الأخرى، خصوصاً الجماعية، الاهتمام والدعم المالي والمعنوي الذي تستحقه، وعدم تكريس جهودها فقط للاهتمام بكرة القدم، مشدداً على أن مفهوم الإنجاز في الألعاب الجماعية، يبدو مختلفاً عند مقارنته مع الإنجاز في الألعاب الفردية.

وأوضح عبد الملك أتمنى ألا يُفهم كلامي على أنه دفاعاً عن منتخبات الألعاب الجماعية، بقدر تعلقه بآليات ومعايير التقييم من قبل المراقبين والمهتمين بالشأن الرياضي بالدولة، لأن معايير التقييم لا تتوقف عند حاجز عدد الميداليات، بل يجب أن تشمل المستوى الفني المقدم خلال البطولات، وقاعدة اللعبة، ومدى توفر الكوادر الوطنية، والتطور الإداري.
وأشار عبد الملك إلى أن الألعاب الجماعية لم تحقق الآمال المعقودة عليها، خصوصاً في 2016، والذي غابت فيه بصورة تامة عن منصات التتويج، معرباً عن أسفه، متمنياً أن تعمل إدارات الاتحادات المعنية بجد لإعادة البناء بصورة جذرية، مشدداً على أن الألعاب الجماعية تشهد تراجعاً فنياً، معلناً عدم رضا الهيئة العامة عن الوضع الحالي لتلك الألعاب التي لم ترتقِ إلى مستوى الطموحات، داعياً إلى ضرورة تفعيل دور الأندية في مجال النهوض بالألعاب الجماعية.

واعترف عبد الملك بأن الدعم المالي المقدم من الهيئة العامة للاتحـــادات المختلــفة، ليس بالمستوى الكافي، كاشفاً النقاب عن أن ذلك يعود أصلاً إلى تـــوقف حجم مـــيزانية الهيئة العامة منذ عدة ســنوات عند حد معــــين دون أي زيادة رغـــم الجهـــود الحثيثة، المبذولة لدى الجهات العليا المعنية من أجل زيادتها، داعياً اتحادات الألعاب الجماعية إلى تنويع مصادر دخلها عبر تنشيط التسويق.

ولفت عبد الملك إلى أن سقف طموح الرياضة الإماراتية يبقى مرتفعًا، نظرًا لدعم القيادة الرشيدة للحركة الرياضية والشبابية، وتمسكها الدائم بضرورة تحقيق الرقم واحد، مشدداً على أن الهيئة العامة تحرص على تقدير عمل الاتحادات الفاعلــة والمنتجة، وزيادة الدعم المالي المقدم لها، بالتوازي مع وقفة محاسبة ومراجعة لا بد منها مع الاتحادات "المقصرة".

وأرجع محمد عبد الكريم جلفار رئيس مجلس إدارة اتحاد كرة اليد خلال الدورة الحالية، أسباب الغياب التام لمنتخبات الإمارات لكرة اليد عن منصات التتويج الخارجي إلى ضعف الدعم المالي المقدم من الجهة المعنية، مشددًا على أن ذلك يمثل السبب الأول في غياب اليد الإماراتية عن منصات التتويج الخارجي، معتبراً الغياب مؤلماً ومدعاة للحزن في ظل الرغبة الجامحة لدى جميع أبناء اللعبة في التواجد بقوة في مختلف المحافل الخارجية وتمثيل الدولة بصورة مشرفة.

وشدد جلفار على أن الدعم المالي عامل رئيسي جداً لتحضير المنتخبات الوطنية للمشاركات الخارجية، وتنفيذ برامج إعدادها بصورة صحيحة قبل الدخول في معمعة تلك البطولات، منوهاً بأن منتخب الإمارات لكرة اليد "كان" قد تأهل في العام 2014 إلى نهائيات كأس العالم، لكنه لم يشارك في البطولة التي أقيمت في قطر لأسباب معروفة وخارجة عن إرادة الاتحاد في حينه، معتبراً تأهل المنتخب الوطني إلى أكبر بطولات كرة اليد، إنجازاً كبيراً، مشيراً إلى أن التقييم يجب أن يكون مختلفاً عند النظر إلى إنجازات منتخبات الألعاب الجماعية ومقارنتها مع إلى إنجازات الألعاب الفردية.

ولفت جلفار إلى أن الفــــترة الماضية لم تشهــــد إقــامة بطولات عربية وخليجية، ما أدى إلى عدم ظهور اليد الإماراتية، كاشفاً النقاب عن أن اتحاده لديه خطة شاملة لتفعيل المشاركات الخارجية على صعيدي المنتخبات الوطنية والأندية، لافتاً إلى أنه عقد اجتماعاً مهماً في الفترة الأخيرة مع لجنتي المنــتخبات والمـسابقات لوضع الآليات الكفيلة بتنفيذ الخطة، كاشفاً النقاب عن أن اتحاده اشرك منتخب الشاطئية في البطولة الآسيوية بتايلاند والمؤهلة إلى كأس العالم من ميزانية الاتحاد، إضافة إلى تحمله تكاليف إعداد منتخبي الناشئين والرجال للبطولتين الخليجية بالشارقة 2017، والآسيوية كانون الثاني/يناير 2018، والأخيرة مؤهلة لكأس العالم، منوهاً إلى أن رصد نصف مليون درهم للمنتخبات الوطنية من قبل الهيئة العامة، لا تكفي لإقامة معــــسكر واحد لأي من تلك المنتخبات.