أبوظبي - صوت الامارات
مضت أكثر من 8 أعوام على احتراف الكرة الإماراتية، وما زال السؤال يتجدد كل يوم، هل نجحنا فعلاً، أم هو مجرد وهم نعيشه تحت جلباب الاحتراف،
عقود اللاعبين لا تتحدث بعضها إلا بلغة الملايين، ومعدل الإنفاق على الفريق الأول في أندية الدولة في تصاعد، والحصيلة في المقابل للأسف، مستوى أداء لا يوازي الأرقام المجنونة في تلك العقود، إذاً، نعترف بوجود خلل كبير داخل المنظومة، لأسباب وعوامل كثيرة أبرزها اللاعب نفسه، الذي لا يفقه معايير الاحتراف الحقيقية، أو يضرب باللوائح عرض الحائط، عبر اتباع أنماط وعادات غير صحية، تتمثل في سوء التغذية والسهر، بل ويتجاوز اللاعب الخطوط الحمراء الممنوعة، ويرتكب بعض المحرمات في عالم الاحتراف بتدخين السيجارة أوالشيشة كما يحدث في بعض المعسكرات الخارجية، التي تشهد على الجانب الآخر زحاماً في طلبات توصيل الوجبات السريعة إلى غرف اللاعبين ليلاً.
وتطور الكرة الإماراتية مرتبط بصحة اللاعبين، وغياب التدريبات الصباحية وتناول الوجبات السريعة والمشروبات الغازية أو مشروبات الطاقة والسهر حتى ساعات متأخرة ليلاً وغيرها الكثير من السلوكيات بعيدة عن منطق الاحتراف، ولا تخدم دورينا أو تلبي طموحات المنتخب كما يبدو، فالالتزام بالمعايير الحقيقية لن يحدث طالما استمرت الأندية في رفع عصا العقوبة الغليظة عن المقصرين، وتركت اللاعبين في منأى عن الرقابة أو المتابعة، فالأندية أحد أهم الأطراف المسؤولة إلى جانب اللاعب، وحري بها التعامل بمبدأ العقاب المادي وعدم التهاون مع الخارجين عن النص.
وفي هذا السياق، قال استشاري الجهد البدني وتغذية الرياضيين الدكتور أسامة اللالا، "إننا لم نصل إلى الاحتراف الحقيقي بعد، بسبب غياب الثقافة الرياضية والصحية، وعدم وعي الأسرة، وابتعاد الأندية عن أدوارها الحقيقية".وأكد اللالا الذي خاض مع الأندية العديد من التجارب، أنه بعد انتهاء 5 جولات من دوري الخليج العربي، لاحظ تأرجح أداء اللاعبين من خلال إحصائية قام بإعدادها كشفت عن عدم استقرار مستوى معظم اللاعبين نتيجة انخفاض مستوى اللياقة البدنية وقلة التركيز، وتجلت بوضوح عبر التمريرات الخاطئة وارتفاع عدد الإنذارات، والشعور بالإرهاق.
وأوضح: "الفوز الحقيقي يتحقق خارج المباراة، من خلال التحضير، فمتابعة اللاعبين غائبة خارج أسوار النادي، والجهازان الإداري والفني يتوقف دورهما حالياً بعد خروج اللاعب منالنادي، لافتاً إلى أن اللاعب يجب أن يكون رقيب ذاته، ومعظم اللاعبين المحترفين في دورينا، لا يأخذون القسط الكافي من النوم ليلاً، نتيجة إقامة التدريبات في أوقات متأخرة من المساء غالباً ما تنتهي في الساعة العاشرة ليلاً، مما يمنع اللاعب من الوصول إلى الفورمة الرياضية المطلوبة.
وشددّ استشاري الجهد البدني وتغذية الرياضيين، على أهمية عملية الاستشفاء بعد انتهاء المباريات أو التمرين مباشرة التي قلما تطبق، وتكمن أهميتها في سرعة توفير الأكسجين وتحويل حامض اللاكتيك كسيد، الذي يلعب دوراً مهماً في تحويل الجهد إلى طاقة، إلا أننا نشاهد العكس بمغادرة اللاعبين بسرعة إلى الحافلات بعد المباراة، فالساعة الأولى بعد المباراة تعتبر ساعة الحسم في تعويض مصادر الطاقة عبر توفير وجبة غذائية متكاملة على يد متخصصين، ويتحمل الجهاز الطبي مسؤولية تسريع عملية الاستشفاء عبر الحمامات الباردة والدافئة وجلسات التدليك.
وعرج اللالا، على مشكلة أخرى وهي إعفاء اختصاصي التغذية من مهامه في الأندية، وقال في هذا الصدد: هذا خلل فني كبير جداً، وتوفير النفقات لا يجب أن يكون على حساب اختصاصي التغذية الذي خرج من بعض الأندية ولم يعد، فدور هذا الرجل أهم من المدرب أو المعالج في بعض الأحيان، لوضع البرنامج الغذائي وفق معايير الوزن والعمر ونسبة الدهون وموعد المباراة أو التدريب.
وتابع: "علينا البدء بالقاعدة، ومن الصعب تغيير أنماط حياة اللاعبين الكبار، والمضي نحو بناء استراتيجيات مبنية على قواعد صحية. كما وصف اللالا السلوكيات الغذائية لدى الرياضيين بأنها ضعيفة وضحلة، إذ لا يعلم اللاعب حاجته من الكربوهيدرات أو الدهون أو البروتين أو مواعيد تناول الطعام أو نوع المأكولات المثالية أحياناً، مشيراً إلى أن معظم لاعبينا يجهلون أهمية تعويض السوائل المفقودة أثناء المباراة".
وعزا اللالا، أسباب تدني مستوى بعض اللاعبين إلى عدم تناول الخضار والفواكه والمشروبات الرياضية وليس مشروبات الطاقة أو المأكولات السريعة، متمنياً متابعة اللاعبين خلال الانتقال من الفندق إلى المباراة في الحافلات، إذ يرتكب البعض أخطاء فادحة بتناول شيبس وشوكولاتة والمشروبات الغازية أو مشروبات الطاقة.
وأضاف أن الأندية التي توفر اختصاصي تغذية يمتلك خبرة كبيرة، ستكون قادرة على حصد المزيد من النتائج، مؤكداً أنه خلال التجربة مع نادي النصر، لمس تطور أداء اللاعبين عبر المتابعة التي تتضمن مراقبة ارتفاع وانخفاض الكتل العضلية ومعالجة مشكلات أخرى، وتحدث اللالا عن أهمية وجبة الإفطار، وقال إن عدم تناولها مبكراً يؤدي إلى الإخلال في مصادر الطاقة وعدم القدرة على الأداء داخل الملعب، أما فترة علاج اللاعبين قد تمتد طويلاً إذا ساءت التغذية، مؤكداً أن بعض المدارس والأكاديميات الرياضية تركز على التدريب ولا تغذي اللاعبين بالمعلومات الصحية.
فيما ترتكب بعض الأندية أخطاء كارثية بإعطاء اللاعب شيبس أو مشروبات السكر، علاوة على حالات تسمم حدثت ليلة المباراة نتيجة عدم تناول اللاعب طعام النادي ولجوئه إلى الوجبات السريعة ذات القيمة الغذائية المنخفضة، وقال إن أحد الأسباب التي تؤدي إلى عدم انضباط اللاعبين، غياب مبدأ الثواب والعقاب أو عدم التشديد في هذا الجانب، وهناك عقد يلزم اللاعب على اللعب بأقصى طاقته، وحالياً، ثمة أجهزة سهلة الاستخدام وترصد مواعيد النوم والاستيقاظ للرياضي، حري بالأندية استعمالها في عملية المتابعة.
من جانبه، أكد وكيل وزارة الصحة الأسبق الدكتور عبدالغفار عبدالغفور، أن المشكلة الأكبر بعد أكثر من 8 مواسم من الاحتراف، أننا أخذنا أجزاء من المنظومة وتركنا الجزء الأكبر، وقال: منحنا جميع الحقوق للاعبين، لكن الفئة العظمى منهم لم تتقيد، فالعملية تحتاج إلى تنظيم أكبر، وعدم تطبيق اللاعبين للاحتراف الحقيقي انعكس سلباً على دورينا بصورة واضحة، وأضاف، أن السهر وعشوائية التغذية ليست حرية شخصية، فاللاعب ملتزم مع النادي براتب على غرار الموظف الملتزم بساعات عمل ومهام محددة، إلا أن اللاعب مطالب بالمزيد نظراً لارتباط معدل اللياقة بالأرقام والنتائج، مشيداً بقرار اتحاد الكرة الأخير في ما يتعلق بإصدار لائحة لمعاقبة اللاعبين على قصات الشعر الغريبة.
وفرضها على جميع اللاعبين بما فيهم الأجانب، منتقداً إعطاء الأندية مطلق الحرية في التصرفات المرفوضة في عهد الاحتراف مثل عدم الاستماع لتعليمات المدرب ورفض الخروج من الملعب كما حدث في إحدى المباريات، وأكد وكيل وزارة الصحة الأسبق، أن معظم لاعبي دورينا مدللون، موضحاً، إنه ثمة من يرشح نجومنا للعب في أوروبا، لكن في الحقيقة لن ينجح هؤلاء اللاعبون أمام تعامل الأندية الأوروبية الحازمة.
وعن تأثير وتداعيات المشكلة على المنتخب، رد بأن الأزمة انعكست سلباً على لاعبي الأبيض وفقاً لمستوى الأداء واللياقة في مباريات الدور الحاسم مِن تصفيات مونديال روسيا 2018، ونواة المنتخب هي الأندية، التي تحتاج إلى عمل وجهد أكبر لتعزيز مستوى لياقة اللاعبين بما يخدم احتراف الكرة الإماراتية ويلبي طموحات المنتخب الوطني، وعرج الدكتور عبدالغفار في حديثه إلى مدربي الأندية، وقال "إن معظم المدربين لا يؤدون أدوارهم كما يجب، وينحصر تواجدهم في ساعات التدريب المسائية، فضلاً عن اللاعب المفرغ الذي تجده أحياناً غائب حاضر، رغم أن راتبه يعادل راتب الوزير أحياناً، مما يحتم عليهم الالتزام والانضباط وتقدير رزق عيشه.
كما شددّ الدكتور عبدالغفار على أهمية إعادة صياغة عقود اللاعبين، وفرض بنود تتوافق مع معايير الاحتراف من حيث الانضباط، فالمتابع اليوم للمشهد العام في الدوري يرى أن حتى الغرامات المالية التي تفرض على اللاعب إزاء تجاوزات سلوكية في المباريات يتكفل النادي بتسديدها وليس اللاعب، ناهيك عن عدم الاستفادة من خدمات اللاعب نفسه في 4 مباريات، وهنا السؤال.. ما الفائدة التي جناها النادي من التعاقد مع هذا اللاعب؟!
وقال الدكنور عبد الغفار عبد الغفور "إن اللاعبين الأجانب للأسف، أيضًا، تعلموا ارتكاب التصرفات الحمقاء في الملعب، نظراً لثقتهم بأن النادي سيقف خلفهم ويتحمل المسؤولية المالية، وحري بِنَا التعامل بمبدأ الخصم مع غياب اللاعب عن التدريب والمحاسبة والبحث أسباب عن عدم جاهزيته للمباراة، فالمحترف يلعب من أجل المال، مضيفاً أن الأندية هي المسؤولة عن المشكلة، واتحاد الكرة عرض مقترحات في هذا الصدد لم تجد آذاناً صاغية في الأندية.
وأكدت لجنة دوري المحترفين، أن ليس لديها لائحة بخصوص اللاعبين وسلوكياتهم، بل تطبق معايير الاحتراف الموضوعة من قبل الاتحاد الآسيوي وهي شاملة تتضمن 11 معياراً، وسلوكيات اللاعبين ليست من ضمنها وإنما عدد عقود احتراف اللاعبين لكل نادٍ والتي يجب ألا تقل عن 18 عقداً، حيث إن المسؤول الأول والأخير عن سلوكيات اللاعبين هي الأندية من خلال وضع لوائح داخلية تحكم سلوكياتهم، وأوضح المسؤولون في لجنة دوري المحترفين، أن برنامج تغذية اللاعبين اختياري يوضع من قبل الجهاز الطبي أو الفني الخاص بالأندية. وأكدت اللجنة أن اعتماد اللاعب المحترف يكون من خلال عقد الاحتراف، ولا يوجد ما يثبت أن اللاعب محترف إلا العقد، مع الأخذ بالاعتبار أن كل لاعب فوق 16 سنة، يحق له توقيع عقد احتراف.
ويحتاج الرياضي ما لا يقل عن 8 ساعات ليلاً، لكن الإيقاع الحيوي والساعة البيولوجية تبدو معكوسة لدى بعض اللاعبين، إذ يعمل هرمون النمو المتحكم في بناء العضلات وترميمها وبناء الانسجة التالفة بين الساعة الثانية والرابعة فجراً، فيما يبدو الوقت المثالي لبداية اليوم للاعب في الساعة صباحاً، مع أخذ قيلولة ساعة والنوم قبل الحادية عشرة ليلاً وهو موعد متأخر ليلة المباراة، ويحرص اللاعبون المدخنون على إشعال السجائر بعيداً عن الأنظار، باعتبار التدخين فضيحة تمس بسمعة اللاعب، هذا ما حدث مع البرازيلي نيمار صانع ألعاب برشلونة ، حيث تداولت صورة النجم عبر وسائل التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"تويتر" وهو يدخن، مما أثار موجة من الغضب والسخرية، وربط الشارع الرياضي ظهور نيمار بأداء ضعيف وخسارة فريقه أمام أتليتكو بلباو آنذاك بالتدخين.
ويؤثر انخفاض نسبة السوائل في الجسم سلباً على إنجاز اللاعب ومستوى أدائه، ويهدد بالإصابة بالجفاف، ونلاحظ أن معظم اللاعبين أثناء المباريات لا يتناولون الماء وإنما يسكبونه على الرأس للتبريد أو يكتفون بالمضمضة، فيما يحتاج الجسم إلى عملية الترطيب الداخلي وليس الطرفي الذي يساعد على تقليل فرص حدوث الإصابات، وينتج عن قلة نسبة السوائل في الجسم حالة الانفعال والغضب وضعف التركيز، رغم أن القانون يبيح للاعب شرب المياه خلال المباراة، مشيراً إلى أن اللاعب يحتاج من 48 إلى 72 ساعة ليعوض النقص في السوائل التي حدثت أثناء الجهد البدني في المباراة.
ثمة تحديات تواجه الاحتراف تتسبب بالصداع المزمن لبعض الأندية، مثل ظاهرة اللاعب الموظف الذي يعمل في الصباح، ويتدرب في المساء، ما يقلص ساعات الراحة، ويحرمه من الاستشفاء السريع، ويوجهه نحو اختيار بدائل غذائية خاطئة، تتمثل في تناول الوجبات السريعة، ما ينعكس سلباً على مستوى الأداء في الملعب، حيث أبدى بعض اللاعبين انزعاجهم من هذه المشكلة التي تتطلب إيجاد الحلول المناسبة.
وتعتبر مشروبات الطاقة العدو الأول للرياضي، لأن تناولها ينتج عنه تسريع معدل ضربات القلب، ورفع ضغط الدم، والإثارة والغضب، وقلة النوم الليلي، ويلجأ الرياضي غالباً إلى هذه المشروبات عند شعوره بالتعب والإرهاق، اعتقاداً أنها البديل الصحي والمثالي لاستعادة الطاقة، كذلك من عيوب هذه المشروبات أنها غنية بالكافيين تؤدي إلى إصابة الجسم بالجفاف.
ولا تنحصر أخطاء اللاعبين على ذلك وحسب، وهناك المزيد من الأنماط الغذائية السلبية منها الإكثار من تناول اللحوم الحمراء، والجمع بين اللحوم والأسماك والدجاج في وجبة وطبق واحد، وتهميش تناول الخضروات والفواكه والحليب الغني بالبوتاسيوم، حيث استحوذت محلات العصائر الحديثة على اهتمام نسبة كبيرة من اللاعبين، واستطاعت جذب الأنظار بالأساليب المبتكرة في التحضير والتقديم، لكن في المقابل يأتي ذلك على حساب صحة اللاعب.
ويكمل النوم المبكر الثالوث الصحي للتغذية والتدريب، لأن وظيفة النوم هي إراحة الجهاز العصبي، وبالتالي التكيفات الفسيولوجية التي تحدث في العضلات مثل زيادة القوة العضلية والانتباه والتركيز وتنفيذ الخطط داخل الملعب، يتحكم بها نوم الليل، حيث يتم تخزين تعليمات المدرب وتوجيهاته أثناء الليل، فيما يعيق السهر تنفيذ خطط المدربين بحذافيرها.